الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما
[2115]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرمَ، فَإِنَّ الكَرمَ الرَّجُلُ المُسلِمُ.
ــ
(28 و 29) ومن باب النهي عن تسمية العنب بالكرم (1)
قوله: (لا تسمُّوا العنب بالكرم (2)، فإن الكرم الرجل المسلم) إنما سَمَّت العرب العنب بالكرم (3)، لكثرة حمله، وسهولة قطافه، وكثرة منافعه. وأصل الكرم: الكثرة. والكريم من الرجال هو: الكثير العطاء والنفع. يقال: رجل كريم، وكرام لمن كان كذلك. وكرام؛ لمن كثر منه ذلك، وهي للمبالغة. ويقال أيضًا: رجل كرم - بفتح الرَّاء -، وامرأة كرم، ورجال كرم، ونساء كرم، وصفٌ بالمصدر على حدِّ: عدل، وزور، وفطر.
وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسمية العنب بالكرم؛ لأنَّه لما حُرِّم الخمر عليهم، وكانت طباعهم تحثهم (4) على الكرم كره صلى الله عليه وسلم أن يُسمَّى هذا المحرَّم باسم يهيج طباعهم إليه عند ذكره، فيكون ذلك كالمحرِّك على الوقوع في المحرَّمات، قاله أبو عبد الله المازري.
قلت: وفيه نظر؛ لأن محل النَّهي إنَّما هو تسمية العنب بالكرم، وليست
(1) شرح المؤلف رحمه الله تحت هذا العنوان: ما أشكل في أحاديث هذا الباب، وما أشكل في أحاديث الباب الذى يليه تحت عنوان باب النهي عن أن يقول سيِّدٌ: عبدي وأمتي، أو غلام: ربِّي أو ربُّك. وما أشكل في الحديث الأول من باب، لا يقل أحد: خبثت نفسي، وما جاء أن المسكَ أطيب الطيب.
(2)
كذا في جميع النسخ، وفي صحيح مسلم، والتلخيص، و (ز): الكرمَ.
(3)
ما بين حاصرتين سقط من (ج 2).
(4)
في (ل 1): تحملهم.
وفي رواية: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم لِلعِنَبِ الكَرمَ، إِنَّمَا الكَرمُ الرَّجُلُ المُسلِمُ.
رواه أحمد (2/ 316)، والبخاريّ (6182)، ومسلم (2247)(8 و 10)، وأبو داود (4974).
ــ
العنبة محرَّمة، وإنما المحرَّمة الخمر، ولم يُسمَّ الخمر عنبًا حتى ينهى عنه، وإنَّما العنب هو الذي سُمي خمرًا باسم ما يؤول إليه من الخمرية، كما قال تعالى:{إِنِّي أَرَانِي أَعصِرُ خَمرًا} وقول أبي عبد الله: كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُسمَّى هذا المحرَّم باسم يهيج الطباع إليه؛ ليس بصحيح؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن تسمية المحرَّم الذي هو الخمر بالعنب في هذا الحديث، بل عن تسمية العنب بالكرم، فتأمله. وإنما محمل الحديث عندي محمل قوله صلى الله عليه وسلم:(ليس المسكين بالطَّواف عليكم)(1) و (ليس الشديد بالصُّرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)(2) أي: الأحق باسم الكرم المسلم، أو قلب المسلم، وذلك لما حواه من العلوم، والفضائل، والأعمال الصالحات، والمنافع العامة. فهو أحق باسم الكريم والكرم من العنب.
و(قوله: لا تسمُّوا) على جهة الإرشاد لما هو الأولى في الإطلاق، كما قال صلى الله عليه وسلم:(لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء، فإنها في كتاب الله العشاء، وإنَّها تُعتِم بحلاب الإبل)(3) قال: (وتقول الأعراب: هي العتمة) فمعنى هذا - والله أعلم -: أن تسمية هذه الصلاة بالعشاء أولى من تسميتها بالعتمة، لا أن إطلاق اسم العتمة عليها ممنوع، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أطلق عليها اسم العتمة لما
(1) رواه أحمد (2/ 260 و 469)، والبخاري (1476)، ومسلم (1039)(102)، وأبو داود (1631).
(2)
رواه أحمد (2/ 268)، والبخاري (6114)، ومسلم (2609).
(3)
رواه مسلم (644)(229).
[2116]
وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم الكَرمُ، فَإِنَّمَا الكَرمُ قَلبُ المُؤمِنِ.
وفي رواية: لا تقولوا: كرم.
رواه مسلم (2247)(7 و 9).
[2117]
وعن عَلقَمَةَ بنَ وَائِلٍ، عَن أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَقُولُوا الكَرمُ، وَلَكِن قُولُوا العِنَبُ وَالحَبلَةُ.
رواه مسلم (2248)(11 و 12).
* * *
ــ
قال: (ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا)(1).
قلت: ويجري هذا المجرى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي، فكلكم عبيد الله، وكلُّ نسائكم إماء الله، ولكن ليقل: غلامي وجاريتي، وفتاي وفتاتي. ولا يقولنَّ أحدكم: اسق ربَّك، أطعم ربَّك، وضئ ربّك، ولا يقل أحدكم: ربِّي، وليقل سيدي ومولاي) فإنَّ هذا كله من باب الإرشاد إلى إطلاق اسم الأولى؛ لا أن إطلاق ذلك الاسم محرَّم. ألا ترى قول يوسف عليه السلام: {اذكُرنِي عِندَ رَبِّكَ} و {ارجِع إِلَى رَبِّكَ} و {إِنَّهُ رَبِّي أَحسَنَ مَثوَايَ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تلد الأمة ربَّها وربَّتها)؟ ! فكان محل النهي في هذا الباب ألا تُتَّخذ هذه الأسماء عادة، فيترك الأولى والأحسن. قال ابن شعبان في الزاهي: لا يقل السَّيد: عبدي، ولا: أمتي، ولا يقل المملوك: ربِّي، ولا ربَّتي. قال القاضي عياض: ولم ينه عنه نهي وجوبٍ
(1) رواه أحمد (3/ 424)، ومسلم (651)(252)، وأبو داود (548)، وابن ماجه (791).