المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(7) باب الرخصة في ذلك - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(7) باب الرخصة في ذلك

[1964]

وعَن ابنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَن تُؤكَلَ لُحُومُ الأَضَاحِيِّ بَعدَ ثَلَاثٍ، قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ ابنُ عُمَرَ لَا يَأكُلُ لُحُومَ الأَضَاحِيِّ فَوقَ ثَلَاثٍ.

رواه مسلم (1970)(26).

* * *

(7) باب الرخصة في ذلك

[1965]

عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ وَاقِدٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن أَكلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعدَ ثَلَاثٍ. قَالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ أَبِي بَكرٍ: فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِعَمرَةَ فَقَالَت: صَدَقَ، سَمِعتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَفَّ أَهلُ أَبيَاتٍ مِن أَهلِ البَادِيَةِ حَضرَةَ الأَضحَى زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ادَّخِرُوا ثَلَاثًا،

ــ

النحر. فمن ضحَّى فيه جاز له أن يمسك يوم النحر، ويومين بعده. ومن ضحَّى بعده أمسك ما بقي له من الثلاثة الأيام من يوم النحر. وقيل: أولها يوم يضحي، فلو ضحَّى في آخر أيام النحر؛ لكان له أن يمسك ثلاثة أيام بعده. وهذا الظاهر من حديث سلمة بن الأكوع، فإنَّه قال فيه:(من ضحَّى منكم فلا يصبحن في بيته بعد ثالثة شيء).

قلت: ويظهر من بعض ألفاظ أحاديث النهي ما يوجب قولًا ثالثًا، وهو أن في حديث أبي عبيد:(فوق ثلاث ليال). وهذا يوجب إلغاء اليوم الذي ضحَّى فيه من العدد، وتعتبر ليلته وما بعدها. وكذلك حديث ابن عمر فإنَّ فيه:(فوق ثلاث) يعني: الليالي. وكذلك: حديث سلمة فإنَّ فيه: (بعد ثالثة). وأما حديث أبي سعيد ففيه: (ثلاثة أيام). وهذا يقتضي اعتبار الأيام دون الليالي.

وقول عائشة: (دف ناسٌ من أهل البادية حضرة الأضحى) الدفيف:

ص: 377

ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ. فَلَمَّا كَانَ بَعدَ ذَلِكَ قَالَوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأَسقِيَةَ مِن ضَحَايَاهُم، وَيَجمُلُونَ فِيهَا الوَدَكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَمَا ذَاكَ؟ . فقَالَوا: نَهَيتَ أَن تُؤكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعدَ ثَلَاثٍ. فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: إِنَّمَا نَهَيتُكُم مِن أَجلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّت، ....

ــ

الدبيب، وهو السير الخفي اللَّين. والدَّافة: الجيش الذين يدبون إلى أعدائهم، وكأن هؤلاء ناسٌ ضعفاء فجاؤوا دافين لضعفهم من الحاجة والجوع.

و(حَضرة الأضحى) الرواية المعروفة بسكون الضاد، وهو منصوب على الظرف؛ أي: زمن حضور الأضحى، ومشاهدته. وقيَّده بعضهم: حضَرَة - بفتح الضاد - وفي الصحاح يقال: كلَّمته بحضرة من فلان، وبمحضره؛ أي: بمشهد منه. وحكى يعقوب: كلَّمته بحضَر فلان - بالتحريك من غير هاء - وكلمته بِحَضرة فلان، وحُضرته، وحِضرته.

و(قوله: يتخذون منها الأسقية، ويجملون فيها الودك) الأسقية: جمع سقاء، كالأخبية: جمع خباء. ويجملون: يذيبون. والودك: الشحم. يقال: جملت الشحم، واجتملته: إذا أذبته. وربما قالوا: أجملت. وهو قليل.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما نهيتكم من أجل الدافَّة التي دفَّت) ونحو ذلك قال في حديث سلمة بن الأكوع. وهذا نصٌّ منه صلى الله عليه وسلم: على أن ذلك المنع كان لعلَّة، ولما ارتفعت ارتفع المنع المتقدِّم؛ لارتفاع موجبه، لا لأنه منسوخ. وهذا يبطل قول من قال: إن ذلك المنع إنما ارتفع بالنسخ. لا يقال: فقد قال صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن ادِّخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فادَّخروا). وهذا رفعٌ لحكم الخطاب الأول بخطاب متأخر عنه. وهذا هو حقيقة النسخ؛ لأنَّا نقول: هذا لَعمرُ الله! ظاهر هذا الحديث، مع أنه يحتمل أن يكون ارتفاعه بأمر آخر غير النسخ، فلو لم يَرِد لنا نصٌّ بأن المنع من الادِّخار ارتفع لارتفاع علّته؛ لما عدلنا عن ذلك الظاهر، وقلنا: هو نسخ، كما قلناه في زيارة القبور، وفي الانتباذ بالحنتم المذكورين معه في حديث

ص: 378

فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا.

رواه أحمد (6/ 127 و 128)، والبخاريُّ (5423)، ومسلم (1971)(28)، وأبو داود (2812)، والترمذيُّ (1511)، والنسائي (7/ 235).

ــ

بريدة المتقدِّم في باب: الجنائز (1)، لكن النص الذي في حديث عائشة رضي الله عنها في التعليل بين: أن ذلك الرفع ليس للنسخ، بل لعدم العلة، فتعين ترك ذلك الظاهر، والأخذ بذلك الاحتمال لعضد النص له. والله تعالى أعلم.

تنبيه: الفرق بين رفع الحكم بالنسخ، ورفعه لارتفاع علته: أن المرفوع بالنسخ لا يحكم به أبدًا، والمرفوع لارتفاع علته يعود الحكم لعود العلة. فلو قدم على أهل بلدة ناسٌ محتاجون في زمان الأضحى، ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعةٌ يسدُّون بها فاقاتهم إلا الضحايا، لتعيَّن عليهم: ألا يدَّخروها فوق ثلاث، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي هذا الحديث أبواب من أصول الفقه. وهو: أن الشرع يراعي المصالح، ويحكم لأجلها، ويسكت عن التعليل، ولما تصفح العلماء ما وقع في الشريعة من هذا؛ وجدوه كثيرًا، بحيث حصل لهم منه أصل كلِّي وهو: أن الشارع مهما حكم فإنما يحكم لمصلحة، ثم قد يجدون في كلام الشارع ما يدلّ عليها، وقد لا يجدون، فيسبرون أوصاف المحل الذي يحكم فيه الشرع حتى يتبيَّن لهم الوصف الذي يمكن أن يعتبره الشرع بالمناسبة، أو لصلاحيَّته لها، فيقولون: الشرع يحكم بالمصلحة، والمصلحة لا تعدو أوصاف المحل (2)، وليس في أوصافه ما يصلح للاعتبار إلا هذا، فتعيَّن. وقد بيَّنا هذا في الأصول. والحمد لله.

و(قوله: فكلوا، وادَّخروا، وتصدَّقوا) هذه أوامر وردت بعد الحظر، فهل

(1) انظر الحديث في التلخيص.

(2)

ما بين حاصرتين سقط من (ع).

ص: 379

[1966]

عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَهلَ المَدِينَةِ، لَا تَأكُلُوا لُحُومَ الأَضَاحِيِّ فَوقَ ثَلَاثٍ. وَفي رواية: ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَشَكَوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ لَهُم عِيَالًا وَحَشَمًا وَخَدَمًا، فَقَالَ: كُلُوا وَأَطعِمُوا وَاحبِسُوا وادَّخِرُوا.

رواه أحمد (3/ 85)، ومسلم (1973)(33).

[1967]

وعَن سَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن ضَحَّى مِنكُم فَلَا يُصبِحَنَّ فِي بَيتِهِ بَعدَ ثَالِثَةٍ شَيءٌ. فَلَمَّا كَانَ فِي العَامِ المُقبِلِ قَالَوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَفعَلُ كَمَا فَعَلنَا عَامَ الأَوَّلَ؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّ ذَاكَ عَامٌ كَانَ النَّاسُ فِيهِ بِجَهدٍ، فَأَرَدتُ أَن يَفشُوَ فِيهِم.

رواه البخاريّ (5569)، ومسلم (1974)(34).

ــ

تقدُّمه عليها يخرجها عن أصلها من الوجوب عند من يراه، أو لا يخرجها؟ اختلف الأصوليون فيه على قولين، وقد بيَّناهما، والمختار منهما في الأصول. والظاهر من هذه الأوامر هنا: إطلاق ما كان ممنوعًا، بدليل اقتران الادِّخار مع الأكل، والصدقة، ولا سبيل إلى حمل الادِّخار على الوجوب بوجه، فلا يجب الأكل، ولا الصدقة من هذا اللفظ. وجمهور العلماء على أن الأكل من الأضحية ليس بواجب. وقد شذَّت طائفة فأوجبت الأكل منها تمسُّكًا بظاهر الأمر هنا، وفي قوله:{فَكُلُوا مِنهَا} ووقع لمالك في كتاب ابن حبيب: أن ذلك على الندب، وأنه إن لم يأكل مخطئ. وقال أيضًا: لو أراد أن يتصدَّق بلحم أضحيته كلِّه كان له كأكله كلِّه حتى يفعل الأمرين.

وقال الطبري (1): جميع أئمة الأمصار على جواز ألا يأكل منها إن شاء،

(1) في (ز): الخطَّابي.

ص: 380

[1968]

وعَن ثَوبَانَ قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِيَّتَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا ثَوبَانُ، أَصلِح لَحمَ هَذِهِ. فَلَم أَزَل أُطعِمُهُ مِنهَا حَتَّى قَدِمَ المَدِينَةَ.

رواه أحمد (5/ 277)، ومسلم (1975)(35)، وأبو داود (2814).

* * *

ــ

ويطعم جميعها. وهو قول محمد بن المواز.

وقول ثوبان: (ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحيته (1)، ثم قال:(يا ثوبان! أصلح لحم هذه)، فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة) ظاهر هذا: أنه ضحَّى في السفر. وعليه: فيكون المسافر مخاطبًا بالأضحية كما يخاطب بها الحاضر؛ إذ الأصل عموم الخطاب بها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت بالأضحى، وهو لكم سُنَّة)(2) وهذا قول كافة العلماء. وخالف في ذلك أبو حنيفة، والنخعي، فلم يريا على المسافر أضحية. وروي ذلك عن علي رضي الله عنه. واستثنى مالك من المسافرين الحاج بمنى، فلم ير عليه أضحية. وبه قال النخعي، ويروى ذلك عن الخليفتين أبي بكر، وعمر، وابن عمر رضي الله عنهم، وجماعة من السلف؛ لأنَّ الحاج إنما هو مخاطب في الأصل بالهدي، فإذا أراد أن يضحِّي جعله هديًا. والناس غير الحاج إنما أمروا بالأضحية ليتشبَّهوا بأهل منى، فيحصل لهم حظ من أجورهم (3).

وقال الشافعي، وأبو ثور: الأضحية واجبة على الحاج بمنى أخذًا بالعموم المتقدِّم. والقول ما قاله الخليفتان رضي الله عنهما؛ إذ قد أُمرنا بالاقتداء بهما، كما بيناه في الأصول.

(1) في التلخيص: ضحيته. وفي (ل 1): أضحية.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

في (ج 2): أجرهم.

ص: 381