الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1964]
وعَن ابنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَن تُؤكَلَ لُحُومُ الأَضَاحِيِّ بَعدَ ثَلَاثٍ، قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ ابنُ عُمَرَ لَا يَأكُلُ لُحُومَ الأَضَاحِيِّ فَوقَ ثَلَاثٍ.
رواه مسلم (1970)(26).
* * *
(7) باب الرخصة في ذلك
[1965]
عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ وَاقِدٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن أَكلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعدَ ثَلَاثٍ. قَالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ أَبِي بَكرٍ: فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِعَمرَةَ فَقَالَت: صَدَقَ، سَمِعتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَفَّ أَهلُ أَبيَاتٍ مِن أَهلِ البَادِيَةِ حَضرَةَ الأَضحَى زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ادَّخِرُوا ثَلَاثًا،
ــ
النحر. فمن ضحَّى فيه جاز له أن يمسك يوم النحر، ويومين بعده. ومن ضحَّى بعده أمسك ما بقي له من الثلاثة الأيام من يوم النحر. وقيل: أولها يوم يضحي، فلو ضحَّى في آخر أيام النحر؛ لكان له أن يمسك ثلاثة أيام بعده. وهذا الظاهر من حديث سلمة بن الأكوع، فإنَّه قال فيه:(من ضحَّى منكم فلا يصبحن في بيته بعد ثالثة شيء).
قلت: ويظهر من بعض ألفاظ أحاديث النهي ما يوجب قولًا ثالثًا، وهو أن في حديث أبي عبيد:(فوق ثلاث ليال). وهذا يوجب إلغاء اليوم الذي ضحَّى فيه من العدد، وتعتبر ليلته وما بعدها. وكذلك حديث ابن عمر فإنَّ فيه:(فوق ثلاث) يعني: الليالي. وكذلك: حديث سلمة فإنَّ فيه: (بعد ثالثة). وأما حديث أبي سعيد ففيه: (ثلاثة أيام). وهذا يقتضي اعتبار الأيام دون الليالي.
وقول عائشة: (دف ناسٌ من أهل البادية حضرة الأضحى) الدفيف:
ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ. فَلَمَّا كَانَ بَعدَ ذَلِكَ قَالَوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأَسقِيَةَ مِن ضَحَايَاهُم، وَيَجمُلُونَ فِيهَا الوَدَكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَمَا ذَاكَ؟ . فقَالَوا: نَهَيتَ أَن تُؤكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعدَ ثَلَاثٍ. فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: إِنَّمَا نَهَيتُكُم مِن أَجلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّت، ....
ــ
الدبيب، وهو السير الخفي اللَّين. والدَّافة: الجيش الذين يدبون إلى أعدائهم، وكأن هؤلاء ناسٌ ضعفاء فجاؤوا دافين لضعفهم من الحاجة والجوع.
و(حَضرة الأضحى) الرواية المعروفة بسكون الضاد، وهو منصوب على الظرف؛ أي: زمن حضور الأضحى، ومشاهدته. وقيَّده بعضهم: حضَرَة - بفتح الضاد - وفي الصحاح يقال: كلَّمته بحضرة من فلان، وبمحضره؛ أي: بمشهد منه. وحكى يعقوب: كلَّمته بحضَر فلان - بالتحريك من غير هاء - وكلمته بِحَضرة فلان، وحُضرته، وحِضرته.
و(قوله: يتخذون منها الأسقية، ويجملون فيها الودك) الأسقية: جمع سقاء، كالأخبية: جمع خباء. ويجملون: يذيبون. والودك: الشحم. يقال: جملت الشحم، واجتملته: إذا أذبته. وربما قالوا: أجملت. وهو قليل.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما نهيتكم من أجل الدافَّة التي دفَّت) ونحو ذلك قال في حديث سلمة بن الأكوع. وهذا نصٌّ منه صلى الله عليه وسلم: على أن ذلك المنع كان لعلَّة، ولما ارتفعت ارتفع المنع المتقدِّم؛ لارتفاع موجبه، لا لأنه منسوخ. وهذا يبطل قول من قال: إن ذلك المنع إنما ارتفع بالنسخ. لا يقال: فقد قال صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن ادِّخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فادَّخروا). وهذا رفعٌ لحكم الخطاب الأول بخطاب متأخر عنه. وهذا هو حقيقة النسخ؛ لأنَّا نقول: هذا لَعمرُ الله! ظاهر هذا الحديث، مع أنه يحتمل أن يكون ارتفاعه بأمر آخر غير النسخ، فلو لم يَرِد لنا نصٌّ بأن المنع من الادِّخار ارتفع لارتفاع علّته؛ لما عدلنا عن ذلك الظاهر، وقلنا: هو نسخ، كما قلناه في زيارة القبور، وفي الانتباذ بالحنتم المذكورين معه في حديث
فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا.
رواه أحمد (6/ 127 و 128)، والبخاريُّ (5423)، ومسلم (1971)(28)، وأبو داود (2812)، والترمذيُّ (1511)، والنسائي (7/ 235).
ــ
بريدة المتقدِّم في باب: الجنائز (1)، لكن النص الذي في حديث عائشة رضي الله عنها في التعليل بين: أن ذلك الرفع ليس للنسخ، بل لعدم العلة، فتعين ترك ذلك الظاهر، والأخذ بذلك الاحتمال لعضد النص له. والله تعالى أعلم.
تنبيه: الفرق بين رفع الحكم بالنسخ، ورفعه لارتفاع علته: أن المرفوع بالنسخ لا يحكم به أبدًا، والمرفوع لارتفاع علته يعود الحكم لعود العلة. فلو قدم على أهل بلدة ناسٌ محتاجون في زمان الأضحى، ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعةٌ يسدُّون بها فاقاتهم إلا الضحايا، لتعيَّن عليهم: ألا يدَّخروها فوق ثلاث، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الحديث أبواب من أصول الفقه. وهو: أن الشرع يراعي المصالح، ويحكم لأجلها، ويسكت عن التعليل، ولما تصفح العلماء ما وقع في الشريعة من هذا؛ وجدوه كثيرًا، بحيث حصل لهم منه أصل كلِّي وهو: أن الشارع مهما حكم فإنما يحكم لمصلحة، ثم قد يجدون في كلام الشارع ما يدلّ عليها، وقد لا يجدون، فيسبرون أوصاف المحل الذي يحكم فيه الشرع حتى يتبيَّن لهم الوصف الذي يمكن أن يعتبره الشرع بالمناسبة، أو لصلاحيَّته لها، فيقولون: الشرع يحكم بالمصلحة، والمصلحة لا تعدو أوصاف المحل (2)، وليس في أوصافه ما يصلح للاعتبار إلا هذا، فتعيَّن. وقد بيَّنا هذا في الأصول. والحمد لله.
و(قوله: فكلوا، وادَّخروا، وتصدَّقوا) هذه أوامر وردت بعد الحظر، فهل
(1) انظر الحديث في التلخيص.
(2)
ما بين حاصرتين سقط من (ع).
[1966]
عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَهلَ المَدِينَةِ، لَا تَأكُلُوا لُحُومَ الأَضَاحِيِّ فَوقَ ثَلَاثٍ. وَفي رواية: ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَشَكَوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ لَهُم عِيَالًا وَحَشَمًا وَخَدَمًا، فَقَالَ: كُلُوا وَأَطعِمُوا وَاحبِسُوا وادَّخِرُوا.
رواه أحمد (3/ 85)، ومسلم (1973)(33).
[1967]
وعَن سَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن ضَحَّى مِنكُم فَلَا يُصبِحَنَّ فِي بَيتِهِ بَعدَ ثَالِثَةٍ شَيءٌ. فَلَمَّا كَانَ فِي العَامِ المُقبِلِ قَالَوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَفعَلُ كَمَا فَعَلنَا عَامَ الأَوَّلَ؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّ ذَاكَ عَامٌ كَانَ النَّاسُ فِيهِ بِجَهدٍ، فَأَرَدتُ أَن يَفشُوَ فِيهِم.
رواه البخاريّ (5569)، ومسلم (1974)(34).
ــ
تقدُّمه عليها يخرجها عن أصلها من الوجوب عند من يراه، أو لا يخرجها؟ اختلف الأصوليون فيه على قولين، وقد بيَّناهما، والمختار منهما في الأصول. والظاهر من هذه الأوامر هنا: إطلاق ما كان ممنوعًا، بدليل اقتران الادِّخار مع الأكل، والصدقة، ولا سبيل إلى حمل الادِّخار على الوجوب بوجه، فلا يجب الأكل، ولا الصدقة من هذا اللفظ. وجمهور العلماء على أن الأكل من الأضحية ليس بواجب. وقد شذَّت طائفة فأوجبت الأكل منها تمسُّكًا بظاهر الأمر هنا، وفي قوله:{فَكُلُوا مِنهَا} ووقع لمالك في كتاب ابن حبيب: أن ذلك على الندب، وأنه إن لم يأكل مخطئ. وقال أيضًا: لو أراد أن يتصدَّق بلحم أضحيته كلِّه كان له كأكله كلِّه حتى يفعل الأمرين.
وقال الطبري (1): جميع أئمة الأمصار على جواز ألا يأكل منها إن شاء،
(1) في (ز): الخطَّابي.
[1968]
وعَن ثَوبَانَ قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِيَّتَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا ثَوبَانُ، أَصلِح لَحمَ هَذِهِ. فَلَم أَزَل أُطعِمُهُ مِنهَا حَتَّى قَدِمَ المَدِينَةَ.
رواه أحمد (5/ 277)، ومسلم (1975)(35)، وأبو داود (2814).
* * *
ــ
ويطعم جميعها. وهو قول محمد بن المواز.
وقول ثوبان: (ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحيته (1)، ثم قال:(يا ثوبان! أصلح لحم هذه)، فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة) ظاهر هذا: أنه ضحَّى في السفر. وعليه: فيكون المسافر مخاطبًا بالأضحية كما يخاطب بها الحاضر؛ إذ الأصل عموم الخطاب بها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت بالأضحى، وهو لكم سُنَّة)(2) وهذا قول كافة العلماء. وخالف في ذلك أبو حنيفة، والنخعي، فلم يريا على المسافر أضحية. وروي ذلك عن علي رضي الله عنه. واستثنى مالك من المسافرين الحاج بمنى، فلم ير عليه أضحية. وبه قال النخعي، ويروى ذلك عن الخليفتين أبي بكر، وعمر، وابن عمر رضي الله عنهم، وجماعة من السلف؛ لأنَّ الحاج إنما هو مخاطب في الأصل بالهدي، فإذا أراد أن يضحِّي جعله هديًا. والناس غير الحاج إنما أمروا بالأضحية ليتشبَّهوا بأهل منى، فيحصل لهم حظ من أجورهم (3).
وقال الشافعي، وأبو ثور: الأضحية واجبة على الحاج بمنى أخذًا بالعموم المتقدِّم. والقول ما قاله الخليفتان رضي الله عنهما؛ إذ قد أُمرنا بالاقتداء بهما، كما بيناه في الأصول.
(1) في التلخيص: ضحيته. وفي (ل 1): أضحية.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
في (ج 2): أجرهم.