الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(29) كتاب اللباس
(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء
[1972]
عَن ابنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِندَ
ــ
(29)
كتاب اللباس (1)
(1)
باب: تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء (2)
قوله: (حُلَّة سِيَرَاء) قد تقدَّم ذكر الحلَّة في الجنائز، و (السِّيراء): المخطط بالحرير، شُبِّهت بالسِّيور خطوطها؛ قاله الأصمعي، والخليل، وغيرهما. والرواية: حُلَّة سيراء - بتنوين حلة، ونصب سيراء - على أن تكون صفة للحلَّة كأنه قال: مسيَّرة. كما قالوا: جبَّة طيالسية؛ أي: غليظة. قال الخطابي: حلَّة سيراء، كقولك: ناقة عشراء. وبعضهم لا ينون الحلَّة، ويضيفها إلى سيراء. وكذلك رواه
(1) في (ع) و (ج 2): كتاب اللباس بعد كتاب الأطعمة.
(2)
هذا العنوان ليس في الأصول، واستدرك من التلخيص.
بَابِ المَسجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَو اشتَرَيتَ هَذِهِ فَلَبِستَهَا يَومَ الجُمُعَةِ، وَلِلوَفدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيكَ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا يَلبَسُ هَذِهِ مَن لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ. ثُمَّ جَاءَت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنهَا حُلَلٌ، فَأَعطَى عُمَرَ مِنهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوتَنِيهَا وَقَد قُلتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا
ــ
ابن سراج. وكذلك قيدته على من يوثق بعلمه، وتقييده. فهو على هذا من إضافة الشيء إلى صفته. كقولهم: ثوبُ خزٍّ، على أن سيبويه قال: لم يأت فعلاء صفة، وإنَّما سيراء يتنزل منزلة: مسيرة.
و(قوله: لو اشتريت هذه فلبستها للوفد)، وإقراره صلى الله عليه وسلم على هذا القول؛ يدلّ على مشروعية التجمل للوفود، ومجامع المسلمين التي يقصد بها إظهار جمال الإسلام، والإغلاظ على العدو.
و(قوله: إنما يلبس هذه)، وفي رواية:(الحرير، من لا خلاق له في الآخرة) الخلاق: قيل فيه: الحظ، والنصيب، والقدر. ويعني بذلك: أنه لباس الكفار، والمشركين في الدنيا، وهم الذين لا حظ لهم في الآخرة.
واختلف الناس في لباس الحرير. فمن مانع، ومن مجوِّز على الإطلاق. وجمهور العلماء على منعه للرجال، وإباحته للنساء. وهو الصحيح لهذا الحديث، وما في بابه. وهي كثيرة. وأما إباحته للنساء فيدل عليها قوله في هذا الحديث:(إنما بعثت بها إليك لتشققها خُمُرًا بين نسائك)، ولما خرَّجه النسائي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا في يمينه، وذهبًا في شماله، ثم قال:(إن هذين حرامٌ على ذكور أمتي، حل لإناثها)(1). قال علي بن المديني: حديث حسن، ورجاله معروفون. وهذا كله في الحرير الخالص المصمت، فأمَّا الذي سداه حرير، ولحمته غيره: فكرهه مالك. وإليه ذهب ابن عمر، وأجازه ابن عباس.
وأما الخز، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: الحظر، والإباحة،
(1) رواه النسائي (8/ 160).
قُلتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لَم أَكسُكَهَا لِتَلبَسَهَا. فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشرِكًا بِمَكَّةَ.
وفي رواية: فَلَمَّا كَانَ بَعدَ ذَلِكَ، أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحُلَلٍ سِيَرَاءَ، فَبَعَثَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ، وَبَعَثَ إِلَى أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ بِحُلَّةٍ، وَأَعطَى عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ حُلَّةً، وَقَالَ: شَقِّقهَا خُمُرًا بَينَ نِسَائِكَ. قَالَ: فَجَاءَ عُمَرُ بِحُلَّتِهِ يَحمِلُهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَعَثتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ، وَقَد قُلتَ بِالأَمسِ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلتَ! فَقَالَ: إِنِّي لَم أَبعَث بِهَا إِلَيكَ لِتَلبَسَهَا، وَلَكِنِّي بَعَثتُ بِهَا إِلَيكَ لِتُصِيبَ بِهَا. وَأَمَّا أُسَامَةُ فَرَاحَ فِي حُلَّتِهِ، فَنَظَرَ إِلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَظَرًا
ــ
والكراهة. وجل المذهب على الكراهة. واختلف فيه؛ ما هو؟ فقيل: ما سداه حرير. قال ابن حبيب: ليس بين الخز وما سداه حرير ولحمته قطن أو غيره فرق إلا الاتباع، فإنَّه حكي إباحة الخز عن خمسة وعشرين من الصحابة. منهم: عثمان بن عفان، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن عباس، وخمسة عشر تابعيًّا، وكان عبد الله بن عمر يكسو بنيه الخز. وقيل في الخز: إنه يشبه الحرير، وليس به. ويكره لشبهه بالحرير، وللسَّرف.
و(قوله: فكساها عمر أخًا له مشركًا بمكة) قيل: إنه كان أخاه لأمه. ذكره النسائي. وفيه ما يدل على جواز القريب المشرك، وما يدل على أن عمر رضي الله عنه لم يكن من مذهبه: أن الكفار يخاطبون بالفروع؛ إذ لو اعتقد ذلك لما كساه إياها، وهي تحرم عليه.
واختلف في تحريم الحرير للر (ل. فقال الأبهري: هي التشبه بالنساء. وقيل: ما يجرُّه من الخيلاء. وقيل: التشبه بالكفار الذين لا حظ لهم في الآخرة. وهو الذي دلَّ عليه الحديث.
و(قوله: إنما بعثت بها إليك لتصيب بها) أي: مالًا. وكذا جاء مفسَّرا في
عَرَفَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَد أَنكَرَ مَا صَنَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَنظُرُ إِلَيَّ؟ فَأَنتَ بَعَثتَ إِلَيَّ بِهَا! فَقَالَ: إِنِّي لَم أَبعَث إِلَيكَ لِتَلبَسَهَا، وَلَكِنِّي بَعَثتُ بِهَا إِلَيكَ لِتُشَقِّقَهَا خُمُرًا بَينَ نِسَائِكَ.
رواه أحمد (2/ 42)، والبخاري (948)، ومسلم (2068)(6 و 7)، وأبو داود (4041)، والنسائي (8/ 201).
[1973]
وعن عُمَرَ بن الخَطَّابِ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَلبَسُوا الحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَن لَبِسَهُ فِي الدُّنيَا لَم يَلبَسهُ فِي الآخِرَةِ.
رواه البخاري (5830)، ومسلم (2069)(11)، والترمذيُّ (2818)، والنسائي (8/ 200).
[1974]
وعَن عَلِيٍّ: أَنَّ أُكَيدِرَ دُومَةَ أَهدَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَوبَ حَرِيرٍ، فَأَعطَاهُ عَلِيًّا فَقَالَ: شَقِّقهُ خُمُرًا بَينَ الفَوَاطِمِ.
رواه مسلم (2071)(18).
ــ
بعض طرقه. ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لعمر مثل الذي قال لأسامة، ولا لعلي:(لتشققها خمرًا بين نسائك). ولو سمع ذلك عمر لما سمع منه منع النساء من الحرير.
وقوله لعلي رضي الله عنه: (شققها خُمُرًا بين الفواطم) قال ابن قتيبة: هنَّ: فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم - أم علي -، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، قال: ولا أعرف الثالثة. قال الأزهري: هي: فاطمة بنت حمزة الشهيد. وقد روى أبو عمر بن عبد البر، وعبد الغني الحافظ هذا الحديث، قالا فيه: قال علي: فشققت منها أربعة أخمرة: خمارًا لفاطمة بنت أسد أم علي، وخمارًا لفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وخمارًا لفاطمة بنت حمزة رضي الله عنهم. قال يزيد بن أبي زياد: ونسيت الرابعة. قال بعض المتأخرين: الرابعة: فاطمة امرأة
[1975]
وعن البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ قال: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبعٍ، وَنَهَانَا عَن سَبعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجَنَائزَ، وَتَشمِيتِ العَاطِسِ،
ــ
عقيل بن أبي طالب؛ لاختصاصها بعلي رضي الله عنه بالصهر، وقربها بالمناسبة. وقيل: فاطمة بنت الوليد بن عتبة. وقيل: فاطمة بنت عتبة.
و(قوله: أمر بعيادة المريض) وهي زيارته، وتفقده. يقال: عاد المريض، يعوده، عيادة. و (تشميت العاطس): بالشين المعجمة هو: الدعاء له إذا عطس وحمد الله تعالى. فعلى السامع أن يقول له: يرحمك الله. وسُمي الدعاء تشميتًا؛ لأنَّه إذا استجيب للمدعو له فقد زال عنه الذي يشمت به عدوه لأجله. وقد يقال بالسين المهملة. قال ابن الأنباري: يقال: شَمَّتُ فلانًا، وسَمَّت عليه. فكل داع بالخير: مسمت، ومشمت. قال ثعلب: الأصل السين من السمت، وهو القصد، ومنه الحديث: فدعا لفاطمة وسمت عليها.
و(إبرار المقسم) هو: إجابته إلى ما حلف عليه، ولا يحنث، لكن إذا كان على أمر جائز. و (نصر المظلوم): إعانته على ظالمه، وتخليصه منه. و (إجابة الداعي) تعم الوليمة وغيرها. لكن أوكد الدعوات: الوليمة. وقد تقدَّم الكلام فيها. و (إفشاء السلام): إشاعته، ولا يخص به من يعرف دون من لم يعرف. و (إنشاد الضالَّة): هو التعريف بها. و (نشدتها): طلبتها. يقال: نشدت الضالَّة: طلبتها، وأنشدتها: عرَّفتها. و (المياثر): جمع ميثرة. وهي مأخوذة من الوثارة، وهي: اللين والنعمة. ومنه قولهم: فراش وثير؛ أي: وطيء لين. وياء ميثرة؛ واو، لكنها انقلبت ياء لانكسار ما قبلها، كميزان، وميعاد.
واختلف فيها. فقال الطبري: هي: وطاء كان النساء يضعنه لأزواجهن من الأرجوان الأحمر، ومن الديباج على سروجهم، وكانت من مراكب العجم. والأرجوان: هو الصوف - بفتح الهمزة وضم الجيم -، وقال الحربي عن ابن الأعرابي: هي كالمرفقة تتخذ كصفة السرج من الحرير. وقيل: جلود السِّباع (1).
(1) في هامش (ل 1) ما يلي: الأُرْجُوان: بضم الهمزة والجيم؛ هذا هو الصواب المعروف =
وَإِبرَارِ المُقسِمِ، وَنَصرِ المَظلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفشَاءِ السَّلَامِ، وَنَهَانَا عَن سبع: خَوَاتِيمَ الذهب، أَو عَن تَخَتُّمٍ الذَّهَبِ، وَعَن شُربٍ بِالفِضَّةِ، وَعَن المَيَاثِرِ، وَعَن القَسِّيِّ، وَعَن لُبسِ الحَرِيرِ وَالإِستَبرَقِ وَالدِّيبَاجِ.
ــ
قلت: فإنَّ كانت حريرًا فوجه النهي واضحٌ، وهو تحريم الجلوس عليها؛ فإنَّها حرير، ولباس ما يفرش: الجلوس عليه. وعلى هذا جماهير الفقهاء من أصحابنا وغيرهم، خلافًا لعبد الملك من أصحابنا؛ فإنَّه أجازه. ولم ير الجلوس على الحرير لباسًا، وهذا ليس بشيء، فإنَّ لباس كل شيء بحسبه، وقد قال أنس رضي الله عنه: فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لبس.
وأما من كانت عنده الميثرة من جلود السِّباع: فوجه النهي عنها أنها مكروهة؛ لأنَّها لا تعمل فيها الذكاة. وهو أحد القولين فيها عند أصحابنا، أو لأنها لا تذكى غالبًا. وأما من كانت عنده من الأرجوان الأحمر: فوجه النهي عنها: أنها تشبه الحرير، أو لأنها كانت من زي العجم، فيكون من باب الذريعة. وهذا القول أبعدها، والله أعلم.
و(القسي) بفتح القاف، وقد أخطأ من كسرها. وهي منسوبة إلى القس:
= في روايات الحديث، وفي كتب اللغة وغيرها، وكذا صرَّح به القاضي عياض في المشارق. وفي شرحه في موضعين منه: أنه بفتح الهمزة وضم الجيم، وهذا غلط ظاهر من النساخ لا من القاضي؛ فإنه صرَّح في المشارق بضم الهمزة. قال أهل اللغة وغيرهم: هو صبغ أحمر شديد الحمرة. كذا قاله أبو عبيد، والجمهور. قال الفراء: هو الحمرة. وقال ابن فارس: هو كل لون أحمر. وقيل: هو الصوف الأحمر. وقال الجوهري: هو شجر له نَوْرٌ أحمر أحسن ما يكون. قال: وهو معروف. وقال آخرون: هو عربيٌّ. قالوا: والذكر والأنثى فيه سواء. يقال: هذا ثوب أرجوان، وهذه قطيفة أرجوان. وقد يقولونه على الصفة، لكن الأكثر في استعماله إضافة الأرجوان إلى ما بعده، ثم إن أهل اللغة ذكروه في باب: الراء والجيم والواو. وهذا هو الصواب. ولا يغتر بذكر القاضي له في المشارق في باب: الهمزة والراء والجيم، ولا بذكر ابن الأثير له في الراء والجيم والنون.
وفي رواية: وإنشاد الضالة مكان إبرار المقسم.
وفي أخرى: ورد السلام - مكان - إفشاء السلام. قال سالم بن عبد الله: الإستبرق: ما غلظ من الديباج.
رواه البخاريُّ (5635)، ومسلم (2066)(3)، والترمذي (2810)، والنسائي (8/ 201).
* * *
ــ
قرية من قرى مصر مما يلي الفَرَمَا. وهي مظلعة (1) بالحرير. قال البخاري: فيها حرير أمثال الأترنج. وقيل: إنه القز، أبدلت الزاي سينًا. والإستبرق: فارسي عرَّبته العرب. وهو: غليظ الديباج. و (السندس): ما رق منه. و (الديباج): جنس من الحرير الإستبرق، والسندس من أنواعه. و (الدهقان) (2): فارسي معرَّب، ويجمع دهاقين: وهم الرؤساء. وقيل: الكثير المال والتنعم، من الدهقنة، وهي: الامتلاء والكثرة. يقال: دهق لي دهقة من المال؛ أي: أعطانيه. وأدهقت الإناء: ملأته.
* * *
(1) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها الآخر: مطلعة، والصواب: مضلعة، كما جاء في صحيح البخاري (10/ 292) تعليقًا.
(2)
هذه اللفظة لم ترد في الأحاديث التي أوردها المؤلف رحمه الله في أحاديث الباب المذكور في التلخيص، وإنما وردت في الحديث (2067)(4) في كتاب مسلم.