المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

[2143]

عَن جَابِرٍ، عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ،

ــ

. . . . . . . . . .

تاحَ لها بَعدك خِنزابٌ وزَى (1)

والوزى: الشديد. فيمكن أن يُسمَّى الشيطان خنزبًا لأنَّه يتراءى غليظًا قصيرًا، وحذفت الألف لما صار علمًا، فكثيرًا ما تغيَّر الأعلام عن أصولها.

(9)

ومن باب: لكل داء دواء، وفي التداوي بالحجامة

قوله لكل داء دواء، الدَّاء بفتح الدَّال لا غير، والدَّواء تفتح داله وتكسر، والفتح أفصح. وهذه الكلمة صادقة العموم لأنها خبر من الصادق البشير عن الخالق القدير:{أَلا يَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ} فالدَّاء والدَّواء خَلقه، والشِّفاء والهلاك فعله، وربط الأسباب بالمسببات حِكمته وحُكمه على ما سبق به علمه، فكل ذلك بقدر لا مَعدِل عنه ولا وزر، وما أحسن قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما خرَّجه الترمذي عن أبي خزامة بن يعمر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أرأيت رقًى نسترقيها ودواء نتداوى به؛ هل تردُّ من قدر الله شيئًا؟ قال: هي من قدر الله (2). قال: هذا حديث حسن صحيح. وكفى بهذا بيان، لكن للبصراء لا للعميان.

(1) هذا عجز البيت، وصدره: قدْ أَبْصَرَت سَجَاحِ من بعدِ العَمَى. وقائله: الأغلب العجليُّ يهجو سجاح. وجاء في حاشية اللسان مادة "وزى" قوله: خنزاب، بالخاء المعجمة. كذا بالطبعات جميعها وهو تحريف، صوابه: حنزاب، بالحاء المهملة، كما في الصحاح والتهذيب، والحنزاب: القصير، الغليظ.

(2)

رواه الترمذي (2065 و 2148).

ص: 592

فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذنِ اللَّهِ.

رواه أحمد (3/ 335)، ومسلم (2204).

[2144]

وعَن عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ قَالَ: جَاءَنَا جَابِرُ بنُ عَبدِ اللَّهِ فِي أَهلِنَا وَرَجُلٌ يَشتَكِي خُرَاجًا بِهِ أَو جِرَاحًا، فَقَالَ: مَا تَشتَكِي؟ قَالَ: خُرَاجٌ بِي قَد شَقَّ عَلَيَّ! فَقَالَ: يَا غُلَامُ، ائتِنِي بِحَجَّامٍ! فَقَالَ لَهُ: مَا تَصنَعُ بِالحَجَّامِ يَا أَبَا عَبدِ اللَّهِ؟ قَالَ: إني أُرِيدُ أَن أُعَلِّقَ فِيهِ مِحجَمًا. قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ الذُّبَابَ لَيُصِيبُنِي، أَو يُصِيبُنِي الثَّوبُ فَيُؤذِينِي وَيَشُقُّ عَلَيَّ! فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ

ــ

وقوله فإذا أصيب دواء الدَّاء برأ بإذن الله، ومعناه أن الله تعالى إذا شاء الشِّفاء يسَّر دواء ذلك الدَّاء ونبَّه عليه مستعمله فيستعمله على وجهه وفي وقته فيشفى ذلك المرض، وإذا أراد إهلاك صاحب المرض أذهل عن دوائه أو حجبه بمانع يمنعه فهلك صاحبه، وكلُّ ذلك بمشيئته وحكمه كما سبق في علمه، ولقد أحسن من الشعراء من قال في شرح الحال:

والنَّاس يلحَون الطَّبيب وإنَّما

غَلَطُ الطَّبيبِ إصابةُ المَقدُور

وقد خرَّج أبو داود هذا الحديث وحديث أسامة بن شريك، وقال فيه: إنَّه صلى الله عليه وسلم قال يا عباد الله، تداووا! فإنَّ الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داءٍ واحد: الهرم (1)، فاستثنى الهرم من جملة الأدواء وإن لم يكن داء بنفسه، لكن تلازمه الأدواء، وهو مُفضٍ بصاحبه إلى الهلاك. وهذا نحو من قوله في الحديث الآخر: كفى بالسَّلامة داء (2)؛ أي: مصير السلامة إلى الدَّاء، وكما قال حميد بن ثور:

أَرَى بَصَرِي قد رابَني بَعد صِحَّةٍ

وَحَسبُك داءً أن تصحَّ وتَسلما

(1) رواه أبو داود (3855).

(2)

رواه القضاعي في مسند الشهاب رقم (861).

ص: 593

مِن ذَلِكَ قَالَ: إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِن كَانَ فِي شَيءٍ مِن أَدوِيَتِكُم خَيرٌ فَفِي شَرطَةِ مِحجَمٍ أَو شَربَةٍ مِن عَسَلٍ أَو لَذعَةٍ بِنَارٍ. قَالَ

ــ

وقوله صلى الله عليه وسلم إن كان في أدويتكم خيرٌ ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعةٍ بنار؛ يعني بالخير الشِّفاء، والمحجم: هو الوعاء الذي يجمع به موضع الحجامة ويجتمع فيه الدَّم، وهو جمع واحده محجمة، وهي بكسر الميم، وقد يقال على الحديدة التي يشرط بها وهي المعنية هنا.

وجاء هذا الحديث هنا بصيغة الاشتراط من غير تحقيق الأخبار، وقد جاء في البخاري من حديث ابن عباس مرفوعًا الشِّفاء في ثلاث (1) وذكرها، فحقَّق الخبر.

قال بعض علمائنا: أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى جميع ضروب المعاناة القياسيِّة، وذلك أن العلل منها ما يكون مفهوم السبب ومنها ما لا يكون كذلك، فالأول كغلبة أحد الأخلاط التي هي الدم والبلغم والصفراء والسَّوداء، فمعالجة ذلك باستفراغ ذلك الامتلاء بما يليق به من تلك الأمور المذكورات في الحديث، فمنها ما يستفرغ بإخراج الدَّم بالشَّرط وفي معناه الفصد والبطُّ والعلق، ومنها ما يستفرغ بالعسل وما في معناه من الأدوية المسهِّلة، ومنها ما يستفرغ بالكي فإنه يجفف رطوبات موضع المرض وهو آخر الطبِّ.

وأما ما كان من العلل عن ضعف قوة من القوى فعلاجه بما يقوي تلك القوة من الأشربة، ومن أنفعها في ذلك العسل إذا استعمل على وجهه، وأما ما كان من العلل غير مفهوم السبب فكالسِّحر والعين ونظرة الجن فعلاجه بالرُّقى والكلام الحسن وأنواع من الخواص مغيبة السِّرِّ، ولهذا القسم أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه أنه زاد في هذا الحديث أو آية من كتاب الله زيادة على ما ذكر فيما تقدَّم منه.

(1) رواه البخاري (5680 و 5681).

ص: 594

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَمَا أُحِبُّ أَن أَكتَوِيَ! قَالَ: فَجَاءَ بِحَجَّامٍ فَشَرَطَهُ، فَذَهَبَ عَنهُ مَا يَجِدُ.

وفي رواية قَالَ: لَا أَبرَحُ حَتَّى تَحتَجِمَ؛ فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ فِيهِ شِفَاءً.

رواه أحمد (3/ 335)، والبخاريُّ (5697)، ومسلم (2205)(70 و 71).

ــ

قلت: هذا معنى ما قاله علماؤنا، ويمكن أن يقال: إن هذه المذكورات في هذا الحديث إنما خصَّت بالذكر لأنَّها كانت أغلب أدويتهم وأنفع لهم من غيرها بحكم اعتيادهم لها ومناسبتها لغالب أمراضهم، ولا يلزم أن تكون كذلك في حق غيرهم ممن يخالفهم في بلادهم وعاداتهم وأهويتهم، ومن المعلوم بالمشاهدة اختلاف العلاجات والأدوية بحسب اختلاف البلاد والعادات وإن اتحدت أسباب الأمراض، والله تعالى أعلم.

وقوله وما أحبُّ أن أكتوي، وفي لفظ البخاري وأنا أنهى أمتي عن الكي - إنما كان ذلك لشدَّة ألم الكي فإنَّه يُربي على ألم المرض، ولذلك لا يرجع إليه إلا عند العجز عن الشفاء بغيره من الأدوية. وأيضًا: فلأنَّه يشبه التعذيب بعذاب الله الذي نُهي عنه، وقد تقدَّم القول في هذا في الإيمان.

واستئذان أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة دليل على أن المرأة لا ينبغي لها أن تفعل في نفسها شيئًا من التداوي أو ما يشبهه إلا بإذن زوجها لإمكان أن يكون ذلك الشيء مانعًا له من حقه أو منقصًا لغرضه منها، وإن كانت لا تشرع في شيء من التطوَّعات التي يتقرَّب بها إلى الله تعالى إلا بإذنٍ منه كان أحرى وأولى ألا تتعرَّض لغير القرب إلا بإذنه، اللهم إلا أن تدعو لذلك ضرورة من خوف موت أو مرض شديد فهذا لا يحتاج فيه إلى إذن؛ لأنَّه قد التحق بقسم الواجبات

ص: 595

[2145]

وعَن جَابِرٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ استَأذَنَت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الحِجَامَةِ، فَأَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَبَا طَيبَةَ أَن يَحجُمَهَا. قَالَ: حَسِبتُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَخَاهَا مِن الرَّضَاعَةِ، أَو غُلَامًا لَم يَحتَلِم.

رواه أحمد (3/ 350)، ومسلم (2206)، وأبو داود (4105)، وابن ماجه (3408).

* * *

ــ

المتعينة.

وأيضًا: فإنَّ الحجامة وما يتنزل منزلتها مما يحتاج فيها إلى محاولة الغير، فلا بدَّ فيها من استئذان الزوج لنظره فيمن يصلح وفيما يحلُّ من ذلك، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طيبة أن يحجمها لما علم أن بينهما من السبب المبيح، كما قال الرَّاوي: حسبت أنه كان أخاها من الرَّضاعة، أو غلامًا لم يحتلم. ولا شكَّ في أن مراعاة هذا هي الواجبة متى وجد ذلك، فإنَّ لم يوجد من يكون كذلك ودعت الضرورة إلى معالجة الكبير الأجنبي جاز دفعًا لأعظم الضررين وترجيحًا لأخف الممنوعين.

وفيه من الفقه ما يدلّ على أن ذا المحرم يجوز أن يطَّلع من ذات محرمه على بعض ما يحرم على الأجنبي، وكذلك الصبي، فإن الحجامة غالبًا إنما تكون من بدن المرأة فيما لا يجوز لأجنبي الاطلاع عليه كالقفا والرَّأس والساقين.

* * *

ص: 596