المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

[2018]

عَن أَبِي طَلحَةَ الأَنصَارِيِّ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا تَدخُلُ المَلَائِكَةُ بَيتًا فِيهِ كَلبٌ وَلَا صورة تَمَاثِيلَ. قَالَ: فَأَتَيتُ عَائِشَةَ فَقُلتُ: فَهَل سَمِعتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ ذَلِكَ؟ فَقَالَت: لَا، وَلَكِن سَأُحَدِّثُكُم مَا رَأَيتُهُ فَعَلَ، رَأَيتُهُ خَرَجَ فِي غَزَاةٍ، فَأَخَذتُ نَمَطًا

ــ

الترجيح، ولا شك في ترجيح حديث مسلم، فالتمسك به على ما قررناه أولا، والله تعالى أعلم.

(16)

ومن باب كراهة الستر الذي فيه التماثيل وهتكه

حديث عائشة كثرت رواياته، واختلفت ألفاظه حتى يتوهم: أنه مضطرب، وليس كذلك؛ لأنَّه ليس فيه تناقض، وإنَّما كانت القضية مشتملة على كل ما نقل من الكلمات، والأحوال المختلفة، لكن نقل بعض الرواة ما سكت عنه غيرهم، وعبَّر كل منهم بما تيسَّر له من العبارة عن تلك القضية. ويجوز أن يصدر مثل ذلك الاختلاف من راوٍ واحد في أوقات مختلفة، ولا يُعد تناقضًا، فإنَّه إذا جمعت تلك الروايات كلها؛ انتظمت وكملت الحكاية عن تلك القضية. وعلى هذا النحو وقع ذكر اختلاف كلمات القصص المتحدة في القرآن، فإنَّه تعالى يذكرها في مواضع وجيزة، وفي آخر مطوَّلة، ويأتي بالكلمات المختلفة الألفاظ مع اتفاقها على المعنى، فلا ينكر مثل هذا في الأحاديث.

وقولها: (فأخذت نمطًا فسترته على الباب) هذا النمط هو الذي عبَّر عنه في الرواية الأخرى بـ (الدَّرنوك) ويقال بضم الدَّال، وفتحها، وهو: الستر الذي

ص: 425

فَسَتَرتُهُ عَلَى البَابِ، فَلَمَّا قَدِمَ فَرَأَى النَّمَطَ عَرَفتُ الكَرَاهِيَةَ فِي وَجهِهِ،

ــ

كان فيه تماثيل الخيل ذوات الأجنحة. و (الباب) يراد به هنا: باب السهوة المذكورة في الرِّواية الأخرى، وهي: بيت صغير يشبه المخدع. وقال الأصمعي: هي شبه الطاق، يجعل فيه الشيء. وقيل: شبه الخزانة الصغيرة. وهذه الأقوال متقاربة.

وقولها: (سترته على الباب) أي: سترت به الباب. أو جعلته سترا على الباب.

وقولها: (فلما رأى النمط عرفت الكراهية في وجهه) إنما عرفت الكراهية في وجهه؛ لأنَّه تلوَّن وجهه، ووقف ولم يدخل، كما جاء في الطريق الآخر. ولما رأت تلك الحال خافت، فقدَّمت في اعتذارها التوبة، ثمَّ سألت عن الذنب، فإنَّها لم تعرفه، فعند ذلك جبذ النمط، فهتكه، فحصل من مجموع هذه القرائن: أن اتخاذ الثياب التي فيها التماثيل محرَّم، رقمًا كان فيها، أو صبغا. وهو مذهب ابن شهاب، فإنَّه منع الصور على العموم واستعمال ما هي فيه، ودخول البيت الذي هي فيه، رقمًا كانت أو غيره، في ثوب، أو حائط، يمتهن، أو لا يمتهن؛ تمسُّكًا بعمومات هذا الباب، وبما ظهر من هذا الحديث. وذهب آخرون: إلى جواز كل ما كان رقمًا في ثوب، يمتهن أو لا. معلقًا كان أو لا. وهو مذهب القاسم بن محمد تمسُّكًا بحديث زيد بن خالد حين قال:(إلا ما كان رقما في ثوب) وذهب آخرون: إلى كراهة ما كان منها معلَّقًا، وغير ممتهن؛ لأنَّ ذلك مضاهاة لمن يعظم الصور، ويعبدها كالنصارى، وكما كانت الجاهلية تفعل.

والحاصل من مذاهب العلماء في الصور: أن كل ما كان منها ذا ظل، فصنعته، واتخاذه حرام، ومنكر يجب تغييره. ولا يختلف في ذلك إلا ما ورد في لعب البنات لصغار البنات، وفيما لا يبقى من الصور، كصور الفخار، ففي كل واحد منهما قولان، غير أن المشهور في لعب البنات، جواز اتخاذها للرخصة في

ص: 426

فَجَذَبَهُ حَتَّى هَتَكَهُ أَو قَطَعَهُ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَم يَأمُرنَا أَن نَكسُوَ الحِجَارَةَ وَالطِّينَ.

ــ

ذلك، لكن كره مالك شراء الرجل لها لأولاده؛ لأنَّه ليس من أخلاق أهل المروءات والفضل، غير أن المشهور فيما لا يبقى: المنع. وأما ما كان رقمًا، أو صبغًا مما ليس له ظل: فالمشهور فيه الكراهة.

وقولها: (فجذبه حتى هتكه) يدل على أن ما صنع على غير الوجه المشروع لا مالية له، ولا حرمة، وأن من كسر شيئًا منها، وأتلف تلك الصورة لم يلزمه ضمان.

و(قوله: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين) يفهم منه: كراهة ستر الحيطان بالستر؛ لأنَّ ذلك من السَّرف، وفضول زهرة الدنيا؛ التي نهى الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمد عينيه إليها بقوله تعالى:{وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلَى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجًا مِنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا} ولذلك قال في الرواية الأخرى: (فإني كلما دخلت ذكرت الدنيا) وهذا الستر هو الذي كان يصلِّي إليه، وكانت صوره تعرض في صلاته، كما قال البخاري:(فإنَّه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي).

ويفيد مجموع هذه الروايات: أن هتك هذا السِّتر إنما كان بعد تكرار دخول النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته له، وصلاته إليه، فلما بين له حكمه امتنع مرَّة (1) من دخول البيت حتى هتكه. وقد فعل سلمان الفارسي رضي الله عنه نحو هذا لما تزوَّج الكندية، وجاء ليدخل بها، فوجد (2) حيطان البيت قد سترت، فلم يدخل، وقال منكرًا لذلك:(أمحموم بيتكم! أم تحوَّلت الكعبة في كندة) فأزيل كل ذلك. ودعا ابن عمر أبا أيوب، فرأى سترًا على الجدار. فقال: ما هذا؟ فقال: غلبنا عليه النساء، فقال: من كنت أخشى عليه، فلم أكن أخشى عليك، والله لا أطعم لك

(1) زيادة من (ل 1) و (م 2).

(2)

في (ل 1): فرأى.

ص: 427

قَالَت: فَقَطَعنَا مِنهُ وِسَادَتَينِ وَحَشَوتُهُمَا لِيفًا، فَلَم يَعِب ذَلِكَ عَلَيَّ.

وفي رواية: قالت عائشة: فكان يرتفق عليهما.

رواه مسلم (2106)(87) و (2107)، وأبو داود (4154).

ــ

طعامًا! فرجع. ذكره البخاري (1).

وقد أفاد حديث عائشة رضي الله عنها المنع من ستر حيطان البيوت، ومما يجر إلى الميل إلى زينة الدنيا، ومن اتخاذ الصور المرقومة، ومن الصلاة إلى ما يشغل عنها.

وقول عائشة: (فقطعنا منه وسادتين حشوتهما ليفًا) يحتمل أن يكون هذا التقطيع أزال شكل تلك الصور، وأبطلها، فيزول الموجب للمنع، ويحتمل أن تكون تلك الصور، أو بعضها باقيًا، لكنها لما امتهنت بالقعود عليها سامح فيها. وقد ذهب إلى كل احتمال منهما طائفة من العلماء. والحق: أن كل ذلك محتمل، وليس أحد الاحتمالين بأولى من الآخر، ولا معيِّن لأحدهما، فلا حجَّة في الحديث على واحد منهما، وإنما الذي يفيده هذا الحديث: جواز اتخاذ النَّمارق، والوسائد في البيوت.

وقول عائشة: (أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير) يجوز أن تكون أرادت بالنمرقة هنا: الستر الذي تقدَّم ذكره، وسمته: نمرقة؛ لأنَّه آل أمره إلى النمرقة، كما يُسمى العنب خمرًا بمآله. والنَّمارق في أصل الوضع: الوسائد، والمرافق، ومنه قوله تعالى:{وَنَمَارِقُ مَصفُوفَةٌ} . وقال الشاعر:

كهول وشبان حسان وجوههم

على سرر مصفوفة ونمارق

غير أن هذا التأويل يبعده قولها في بقية الخبر، لما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما

(1) رواه البخاري (9/ 249) تعليقًا.

ص: 428

[2019]

وعَن عَائِشَةَ قَالَت: كَانَ لَنَا سِترٌ فِيهِ تِمثَالُ طَائِرٍ - وفي رواية: دُرنُوكًا فِيهِ الخَيلُ ذَوَاتُ الأَجنِحَةِ - وَكَانَ الدَّاخِلُ إِذَا دَخَلَ استَقبَلَهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: حَوِّلِي هَذَا، فَإِنِّي كُلَّمَا دَخَلتُ فَرَأَيتُهُ ذَكَرتُ الدُّنيَا. قَالَت: وَكَانَت لَنَا قَطِيفَةٌ كُنَّا نَقُولُ عَلَمُهَا حَرِيرٌ، فَكُنَّا نَلبَسُهَا.

رواه أحمد (6/ 49 و 53)، ومسلم (2107)(88 و 90).

[2020]

وعنها: أَنَّها كَانَ لَهَا ثَوبٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ مَمدُودٌ إِلَى سَهوَةٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِلَيها؛ فَقَالَ: أَخِّرِيهِ عَنِّي. قَالَت: فَأَخَّرتُهُ، فَجَعَلتُهُ وَسَائِدَ.

رواه مسلم (2107)(93).

[2021]

وعنها: أَنَّهَا اشتَرَت نُمرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى البَابِ فَلَم يَدخُل، فَعَرَفتُ أَو فَعُرِفَت فِي وَجهِهِ

ــ

بال هذه النَّمرقة؟ ) فقالت مجيبة: اشتريتها لك، تقعد عليها، وتوسدها. فهذا يصرح بأن هذه النَّمرقة غير الستر، وأن هذا حديث آخر غير ذلك، وحينئذ يستفاد منه: أن الصور لا يجوز اتخاذها في الثياب، وإن كانت ممتهنة. وهو أحد القولين كما قدمناه.

و(قوله (1): وكانت لنا قطيفة كنا نقول علمها حرير، فكنا نلبسها) القطيفة: كساء له زئبر (2). وفيه دليل على جواز لباس الثوب فيه العلم من الحرير، وقد تقدم القول فيه. ولم يرد في شيء من الأحاديث أن هذا الثوب الذي كنَّي عنه بالدرنوك،

(1) كذا في جميع النسخ، والأولى أن يُقال:(وقولها).

(2)

"الزئبر": ما يحلو الثوب الجديد، مثل ما يعلو الخزّ.

ص: 429