الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما
[1892]
عَن جَابِرٍ: عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: غَطُّوا الإِنَاءَ، وَأَوكُوا السِّقَاءَ، وَأَغلِقُوا البَابَ، وَأَطفِئُوا السِّرَاجَ، فَإِنَّ الشَّيطَانَ لَا يَحُلُّ
ــ
الأمة؛ لأنَّ اللَّبن أول ما يغتذيه الإنسان. وهو قوت خلي عن المفاسد، به قوام الأجسام، ولذلك آثره صلى الله عليه وسلم على الخمر، كما ذكرناه في الإسراء. ودين الإسلام كذلك، هو أوَّل ما أخذ على بني آدم، وهم كالذَّرِّ، ثم هو قوت الأرواح، به قوامها، وحياتها الأبدية، وصار اللبن عبارة مطابقة لمعنى دين الإسلام من جميع جهاته، والخمر على النقيض من ذلك في جميع جهاتها، فكان العدول إليه لو كان ووقع علامة على الغواية. وقد أعاذ الله من ذلك نبيَّه صلى الله عليه وسلم طبعًا وشرعًا. والحمد لله تعالى. ويفهم من نسبة الغواية إلى الخمر تحريمه، لكن ليس بصريح، ولذلك لم يَكتَفِ النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك في التحريم حتَّى قَدِم المدينة فشربوها زمانًا، حتَّى أنزل الله التحريم.
(11 و 12) ومن باب: الأمر بتغطية الإناء (1)
(قوله: غطُّوا الإناء، وأوكُوا السقاء) جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة الدنيوية، كقوله تعالى:{وَأَشهِدُوا إِذَا تَبَايَعتُم}
(1) شرح المؤلف رحمه الله تحت هذا العنوان أيضًا ما أشكل في أحاديث ما جاء في التلخيص تحت عنوان: باب: بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة، وأنَّ ترك ذلك لا يمنع الشُّربَ من ذلك الإناء.
سِقَاءً، وَلَا يَفتَحُ بَابًا، وَلَا يَكشِفُ إِنَاءً، فَإِن لَم يَجِد أَحَدُكُم إِلَّا أَن يَعرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا وَيَذكُرَ اسمَ اللَّهِ، فَليَفعَل، فَإِنَّ الفُوَيسِقَةَ تُضرِمُ عَلَى أَهلِ البَيتِ بَيتَهُم.
رواه أحمد (3/ 355)، ومسلم (2012)(96)، وأبو داود (3732)، والترمذيُّ (1812)، وابن ماجه (3410).
[1893]
وعنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا كَانَ جُنحُ اللَّيلِ أَو أَمسَيتُم، فَكُفُّوا صِبيَانَكُم، فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَنتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِن اللَّيلِ فَخَلُّوهُم، وَأَغلِقُوا الأَبوَابَ، وَاذكُرُوا اسمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيطَانَ لَا يَفتَحُ بَابًا مُغلَقًا، وَأَوكُوا قِرَبَكُم، وَاذكُرُوا اسمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُم، وَاذكُرُوا اسمَ اللَّهِ، وَلَو أَن تَعرُضُوا عَلَيهَا شَيئًا، وَأَطفِئُوا مَصَابِيحَكُم.
رواه البخاريُّ (3304)، ومسلم (2012)(97).
ــ
وليس الأمر الذي قُصِد به الإيجاب، وغايته أن يكون من باب الندب، بل قد جعله كثير من الأصوليين قسمًا منفردًا بنفسه عن الوجوب والندب.
وإيكاء السِّقاء: شَدُّهُ بالخيط. وهو الوكاء، ممدود مهموز، ولذلك يجب أن يكون أوكئوا - رباعيًّا مهموز اللام.
و(الفويسقة): الفأرة، سميت بذلك لخروجها من جحرها للفساد.
و(قوله: فإنَّ لم يجد أحدكم إلا أن يَعرُض عودًا ويذكر اسم الله فليفعل) هو بضم الراء، وكذلك قاله الأصمعي، وقد رواه أبو عبيد بكسر الراء، والوجه الأول: أن يجعل العود معروضًا على فم الإناء، ولا بدَّ من ذكر الله تعالى عند هذه الأفعال كُلِّها، كما جاء في الحديث الآخر بعد هذا، فيذكر الله تعالى، وببركة اسمه تندفع المفاسد، ويحصل تمام المصالح. فمطلق هذه الكلمات مردود إلى مُقَيَّدِها.
و(الشيطان) هنا للجنس بمعنى الشياطين.
و(الفواشي): كل ما فشا وانتشر من
[1894]
وعنه؛ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُرسِلُوا فَوَاشِيَكُم وَصِبيَانَكُم إِذَا غَابَت الشَّمسُ حَتَّى تَذهَبَ فَحمَةُ العِشَاءِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ يبَعِثُ إِذَا غَابَت الشَّمسُ حَتَّى تَذهَبَ فَحمَةُ العِشَاءِ.
رواه أحمد (3/ 312 و 386 و 395)، ومسلم (2013)(98)، وأبو داود (3733).
[1895]
وعنه؛ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: غَطُّوا الإِنَاءَ، وَأَوكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيلَةً يَنزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيسَ عَلَيهِ غِطَاءٌ، أَو سِقَاءٍ لَيسَ عَلَيهِ وِكَاءٌ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِن ذَلِكَ الوَبَاءِ.
وفي رواية: فَإِنَّ فِي السَّنَةِ يَومًا يَنزِلُ فِيهِ وَبَاءٌ.
قال الليث: فالأعاجم عندنا يتقون ذلك في كانون الأول.
رواه مسلم (2014)(99).
* * *
ــ
المال: الإبل، والغنم، والبقر. قال ابن الأعرابي: يقال: أفشى، وأمشى، وأوشى، بمعنى واحد: إذا كثرت مواشيه.
و(فحمة الليل): سواده.
وقد تضمنت جملة هذه الأحاديث: أن الله تعالى قد أطلع نبيَّه صلى الله عليه وسلم على ما يكون في هذه الأوقات من المضارِّ من جهة الشياطين، والفأر، والوباء. وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يُتَّقى به ذلك، فليبادر الإنسان إلى فعل تلك الأمور ذاكرًا الله تعالى، مُمتثلًا أمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم، وشاكرًا لله تعالى على ما أرشدنا إليه وأعلمنا به، ولنبيِّه صلى الله عليه وسلم على تبليغه، ونصحه. فمن فعل ذلك لم يصبه من شيء من ذلك ضررٌ بحول الله وقوته، وبركة امتثال أوامره صلى الله عليه وسلم وجازاه عنَّا أفضل ما جازى نبيًّا عن أمته، فلقد بلَّغ، ونصح.