المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

[1823]

عَن أَبِي شُرَيحٍ العَدَوِيِّ الخزاعي أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَت أُذُنَايَ، وَأَبصَرَت عَينَايَ حِينَ تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليُكرِم ضَيفَهُ جَائِزَتَهُ.

ــ

الفقه: تسمية اللَّبن طعامًا. فمن حلف ألا يأكل طعامًا؛ فشرب لبنًا؛ حنث، إلا أن يكون له نيَّةٌ في نوع من الأطعمة.

وفيه حجَّة لمن منع بيع الشاة اللبون باللَّبن إذا كان في ضرعها لبن حاضر. وهو مذهب مالك والشافعي. فإن لم يكن فيها لبن حاضر أجازه مالك نقدًا، ومنعه إلى أجل. واختلف أصحابه، فحمله جلُّتهم على عمومه. وقال بعضهم: إنَّما هذا إذا قدَّم الشاة، فلو كانت هي المؤخرة جاز، وأجاز بيعها بالطعام نقدًا، وإلى أجل. وأجاز الأوزاعي شراءها باللبن وإن كان في ضرعها لبن. ورآه لغوًا وتابعًا. ولم يجز الشافعي ولا أبو حنيفة بيعها بطعام إلى أجلٍ.

(11)

ومن باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

قوله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته) قد تقدم القول في حكم الضيافة، وأن الأمر بها عند الجمهور على جهة الندب، لأنَّها من مكارم الأخلاق، إلا أن تتعين في بعض الأوقات بحسب ضرورة أو حاجة، فتجب حينئذ.

وقد أفاد هذا الحديث: أنها من أخلاق المؤمنين، ومما لا ينبغي لهم أن يتخلَّفوا عنها، لما يحصل عليها من الثواب في الآخرة، ولما يترتب عليها في الدنيا

ص: 197

قَالَوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ! قَالَ: يَومُهُ وَلَيلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ،

ــ

من إظهار العمل بمكارم الأخلاق، وحُسن الأحدوثة الطيبة (1)، وطيب الثناء، وحصول الرَّاحة للضيف المتعوب بمشقَّات السَّفر، المحتاج إلى ما يخفف عليه ما هو فيه من المشقَّة، والحاجة.

ولم تزل الضيافة معمولًا بها في العرب من لدن إبراهيم صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه أول من ضيَّف الضيف. وعادة مستمرة فيهم، حتى إنَّ من تركها يُذَمُّ عُرفًا، ويُبَخَّلُ ويُقَبَّحُ عليه عادة، فنحن وإن لم نقل: إنَّها واجبة شرعًا فهي متعيِّنة لما يحصل منها من المصالح، ويندفع بها من المضار عادة وعُرفًا.

و(الجائزة): العطية. يقال: أجزته جائزة، كما تقول: أعطيته عطية. و (جائزته) هنا منصوبة، إما على إسقاط لفظ حرف الجر، فكأنه قال: فليكرم ضيفه بجائزته. وإما بأن يُشرِبَ (فليكرم) معنى: (فليُعط)، فيكون مفعولا ثانيًا لـ (يكرم).

و(قوله: وما جائزته؟ ) استفهام عن مقدار الجائزة، لا عن حقيقتها، ولذلك أجابهم بقوله:(يومه وليلته) أي: القيام بكرامته في يومه وليلته؛ أي: أقل ما يكون هذا القدر، فإنَّه إذا فعل هذا حصلت له تلك الفوائد.

و(قوله بعد ذلك: والضيافة ثلاثة أيام) يعني بها بالكاملة التي إذا فعلها المضيف فقد وصل إلى غاية الكمال، وإذا أقام الضيف إليها لم يلحقه ذمٌّ بالمقام فيها؛ فإن العادة الجميلة جاريةٌ بذلك. وأمَّا ما بعد ذلك فخارج عن هذا كله، وداخل في باب: إدخال المشقات والكُلَف على المُضيِّف، فإنَّه يتأذى بذلك من أوجه متعددة. وهو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم:(ولا يحل له أن يقيم عنده حتى يؤثمه) أي: حتى يشق عليه، ويثقل، لا سيما مع رقة الحال، وكثرة الكلف.

وقيل: معنى

(1) من (ج 2).

ص: 198

فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيهِ. وَقَالَ: مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليَقُل خَيرًا أَو لِيَصمُت.

رواه أحمد (4/ 31) و (6/ 385)، والبخاريُّ (6019 و 6476)، ومسلم (48) في اللقطة (14)، وأبو داود (3748)، والترمذيُّ (1967)، وابن ماجه (3675).

[1824]

وعنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِزَتُهُ يَومٌ وَلَيلَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسلِمٍ أَن يُقِيمَ عِندَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤثِمَهُ. قَالَوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيفَ يُؤثِمُهُ؟ قَالَ: يُقِيمُ عِندَهُ وَلَا شَيءَ لَهُ يَقرِيهِ بِهِ.

رواه أحمد (4/ 31) و (6/ 385)، والبخاريُّ (6135)، ومسلم (48) في اللقطة (15 و 16)، وأبو داود (3748)، والترمذيُّ (1968)، وابن ماجه (3675).

ــ

(يؤثمه): يحرجه، فيقع في الإثم. وقد جاء ذلك مفسَّرًا في بعض الروايات:(حتى يحرجه). فإن تحمَّل المضيِّف شيئا من ذلك؛ فهو صدقة منه على الضيف، فحقُّه أن يأنف منها، ولا يقبلها، لا سيما إن لم يكن أهلًا لها، فإنَّها تحرم عليه.

وقيل: معنى قوله: (جائزته يوم وليلة) أن ذلك حق المجتاز، ومن أراد الإقامة فثلاثة أيام.

و(جائزته) هنا: مرفوعٌ بالابتداء، وخبره:(يوم وليلة). وقيل: الجائزة غير الضيافة، يضيفه ثلاثة أيام، ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة. قال الهروي: والجيزة: قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل. وما ذكرناه أولى للمساق والمعنى.

و(قوله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) يعني: أن المصدِّق بالثواب والعقاب المُترتبين على الكلام في الدَّار الآخرة لا يخلو من

ص: 199

[1825]

وعَن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: قُلنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ تَبعَثُنَا، فَنَنزِلُ بِقَومٍ ولَا يَقرُونَنَا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِن نَزَلتُم بِقَومٍ فَأَمَرُوا لَكُم بِمَا يَنبَغِي لِلضَّيفِ فَاقبَلُوا، فَإِن لَم يَفعَلُوا، فَخُذُوا مِنهُم حَقَّ الضَّيفِ الَّذِي يَنبَغِي لَهُم.

رواه أحمد (4/ 149)، والبخاريُّ (2461)، ومسلم (1727)، وأبو داود (3752)، والترمذي (1985)، وابن ماجه (3676).

* * *

ــ

إحدى الحالتين. إما أن يتكلَّم بما يحصل له ثوابًا وخيرًا فيغنم، أو يسكت عن شيء يجلب له عقابًا وشرًّا فيسلم. وعلى هذا: فتكون (أو) للتنويع والتقسيم. وقد أكثر الناس في تفصيل آفات الكلام، وهي أكثر من أن تدخل تحت حصر ونظام.

وحاصل ذلك: أن آفات اللسان أسرع الآفات للإنسان، وأعظمها في الهلاك والخسران. فالأصل: ملازمة الصمت إلى أن تتحقق السلامة من الآفات، والحصول على الخيرات، فحينئذ تخرج تلك الكلمة مخطومة وبأزمَّة التقوى مزمومة. والله الموفق.

و(قوله: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا) هذا أمر على جهة النَّدب للضيف بالقبول. فحقه ألا يُرَّد لما فيه مِمَّا يؤدي إلى أذى المضيف بالامتناع من إجابة دعوته، وغمِّ قلبه بترك أكل طعامه، ولأنه ترك العمل بمكارم الأخلاق. وقد قال صلى الله عليه وسلم:(إذا دعي أحدكم إلى طعامٍ فليجب - عرسًا كان أو غيره -)(1).

و(قوله: فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف) هذا مما استدلَّ به الليث

(1) رواه مسلم (1429)(100) من حديث ابن عمر.

ص: 200