الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها
[1823]
عَن أَبِي شُرَيحٍ العَدَوِيِّ الخزاعي أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَت أُذُنَايَ، وَأَبصَرَت عَينَايَ حِينَ تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليُكرِم ضَيفَهُ جَائِزَتَهُ.
ــ
الفقه: تسمية اللَّبن طعامًا. فمن حلف ألا يأكل طعامًا؛ فشرب لبنًا؛ حنث، إلا أن يكون له نيَّةٌ في نوع من الأطعمة.
وفيه حجَّة لمن منع بيع الشاة اللبون باللَّبن إذا كان في ضرعها لبن حاضر. وهو مذهب مالك والشافعي. فإن لم يكن فيها لبن حاضر أجازه مالك نقدًا، ومنعه إلى أجل. واختلف أصحابه، فحمله جلُّتهم على عمومه. وقال بعضهم: إنَّما هذا إذا قدَّم الشاة، فلو كانت هي المؤخرة جاز، وأجاز بيعها بالطعام نقدًا، وإلى أجل. وأجاز الأوزاعي شراءها باللبن وإن كان في ضرعها لبن. ورآه لغوًا وتابعًا. ولم يجز الشافعي ولا أبو حنيفة بيعها بطعام إلى أجلٍ.
(11)
ومن باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها
قوله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته) قد تقدم القول في حكم الضيافة، وأن الأمر بها عند الجمهور على جهة الندب، لأنَّها من مكارم الأخلاق، إلا أن تتعين في بعض الأوقات بحسب ضرورة أو حاجة، فتجب حينئذ.
وقد أفاد هذا الحديث: أنها من أخلاق المؤمنين، ومما لا ينبغي لهم أن يتخلَّفوا عنها، لما يحصل عليها من الثواب في الآخرة، ولما يترتب عليها في الدنيا
قَالَوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ! قَالَ: يَومُهُ وَلَيلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ،
ــ
من إظهار العمل بمكارم الأخلاق، وحُسن الأحدوثة الطيبة (1)، وطيب الثناء، وحصول الرَّاحة للضيف المتعوب بمشقَّات السَّفر، المحتاج إلى ما يخفف عليه ما هو فيه من المشقَّة، والحاجة.
ولم تزل الضيافة معمولًا بها في العرب من لدن إبراهيم صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه أول من ضيَّف الضيف. وعادة مستمرة فيهم، حتى إنَّ من تركها يُذَمُّ عُرفًا، ويُبَخَّلُ ويُقَبَّحُ عليه عادة، فنحن وإن لم نقل: إنَّها واجبة شرعًا فهي متعيِّنة لما يحصل منها من المصالح، ويندفع بها من المضار عادة وعُرفًا.
و(الجائزة): العطية. يقال: أجزته جائزة، كما تقول: أعطيته عطية. و (جائزته) هنا منصوبة، إما على إسقاط لفظ حرف الجر، فكأنه قال: فليكرم ضيفه بجائزته. وإما بأن يُشرِبَ (فليكرم) معنى: (فليُعط)، فيكون مفعولا ثانيًا لـ (يكرم).
و(قوله: وما جائزته؟ ) استفهام عن مقدار الجائزة، لا عن حقيقتها، ولذلك أجابهم بقوله:(يومه وليلته) أي: القيام بكرامته في يومه وليلته؛ أي: أقل ما يكون هذا القدر، فإنَّه إذا فعل هذا حصلت له تلك الفوائد.
و(قوله بعد ذلك: والضيافة ثلاثة أيام) يعني بها بالكاملة التي إذا فعلها المضيف فقد وصل إلى غاية الكمال، وإذا أقام الضيف إليها لم يلحقه ذمٌّ بالمقام فيها؛ فإن العادة الجميلة جاريةٌ بذلك. وأمَّا ما بعد ذلك فخارج عن هذا كله، وداخل في باب: إدخال المشقات والكُلَف على المُضيِّف، فإنَّه يتأذى بذلك من أوجه متعددة. وهو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم:(ولا يحل له أن يقيم عنده حتى يؤثمه) أي: حتى يشق عليه، ويثقل، لا سيما مع رقة الحال، وكثرة الكلف.
وقيل: معنى
(1) من (ج 2).
فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيهِ. وَقَالَ: مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليَقُل خَيرًا أَو لِيَصمُت.
رواه أحمد (4/ 31) و (6/ 385)، والبخاريُّ (6019 و 6476)، ومسلم (48) في اللقطة (14)، وأبو داود (3748)، والترمذيُّ (1967)، وابن ماجه (3675).
[1824]
وعنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِزَتُهُ يَومٌ وَلَيلَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسلِمٍ أَن يُقِيمَ عِندَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤثِمَهُ. قَالَوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيفَ يُؤثِمُهُ؟ قَالَ: يُقِيمُ عِندَهُ وَلَا شَيءَ لَهُ يَقرِيهِ بِهِ.
رواه أحمد (4/ 31) و (6/ 385)، والبخاريُّ (6135)، ومسلم (48) في اللقطة (15 و 16)، وأبو داود (3748)، والترمذيُّ (1968)، وابن ماجه (3675).
ــ
(يؤثمه): يحرجه، فيقع في الإثم. وقد جاء ذلك مفسَّرًا في بعض الروايات:(حتى يحرجه). فإن تحمَّل المضيِّف شيئا من ذلك؛ فهو صدقة منه على الضيف، فحقُّه أن يأنف منها، ولا يقبلها، لا سيما إن لم يكن أهلًا لها، فإنَّها تحرم عليه.
وقيل: معنى قوله: (جائزته يوم وليلة) أن ذلك حق المجتاز، ومن أراد الإقامة فثلاثة أيام.
و(جائزته) هنا: مرفوعٌ بالابتداء، وخبره:(يوم وليلة). وقيل: الجائزة غير الضيافة، يضيفه ثلاثة أيام، ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة. قال الهروي: والجيزة: قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل. وما ذكرناه أولى للمساق والمعنى.
و(قوله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) يعني: أن المصدِّق بالثواب والعقاب المُترتبين على الكلام في الدَّار الآخرة لا يخلو من
[1825]
وعَن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: قُلنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ تَبعَثُنَا، فَنَنزِلُ بِقَومٍ ولَا يَقرُونَنَا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِن نَزَلتُم بِقَومٍ فَأَمَرُوا لَكُم بِمَا يَنبَغِي لِلضَّيفِ فَاقبَلُوا، فَإِن لَم يَفعَلُوا، فَخُذُوا مِنهُم حَقَّ الضَّيفِ الَّذِي يَنبَغِي لَهُم.
رواه أحمد (4/ 149)، والبخاريُّ (2461)، ومسلم (1727)، وأبو داود (3752)، والترمذي (1985)، وابن ماجه (3676).
* * *
ــ
إحدى الحالتين. إما أن يتكلَّم بما يحصل له ثوابًا وخيرًا فيغنم، أو يسكت عن شيء يجلب له عقابًا وشرًّا فيسلم. وعلى هذا: فتكون (أو) للتنويع والتقسيم. وقد أكثر الناس في تفصيل آفات الكلام، وهي أكثر من أن تدخل تحت حصر ونظام.
وحاصل ذلك: أن آفات اللسان أسرع الآفات للإنسان، وأعظمها في الهلاك والخسران. فالأصل: ملازمة الصمت إلى أن تتحقق السلامة من الآفات، والحصول على الخيرات، فحينئذ تخرج تلك الكلمة مخطومة وبأزمَّة التقوى مزمومة. والله الموفق.
و(قوله: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا) هذا أمر على جهة النَّدب للضيف بالقبول. فحقه ألا يُرَّد لما فيه مِمَّا يؤدي إلى أذى المضيف بالامتناع من إجابة دعوته، وغمِّ قلبه بترك أكل طعامه، ولأنه ترك العمل بمكارم الأخلاق. وقد قال صلى الله عليه وسلم:(إذا دعي أحدكم إلى طعامٍ فليجب - عرسًا كان أو غيره -)(1).
و(قوله: فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف) هذا مما استدلَّ به الليث
(1) رواه مسلم (1429)(100) من حديث ابن عمر.