المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

[2100]

عَن ابنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأمُرُ بِقَتلِ الكِلَابِ يَقُولُ: اقتُلُوا الحَيَّاتِ وَالكِلَابَ،

ــ

تقول منه للواحد: رِ يا رجل. وللاثنين: رِيَا. وللجماعة: رُوا. وللمؤنثة: رِي. وللاثنتين: رِيَا. ولجماعتهن: رَينَ. والاسم: الوَرَي - بالتحريك -.

واختلف في تأويل هذا الحديث. فقيل: يعني بذلك: الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، وهذا ليس بشيء؛ لأنَّ القليل من هجو النبي صلى الله عليه وسلم وكثيره سواء في أنه كفر ومذموم. وكذلك: هجو غير النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين محرم؛ قليله وكثيره. وحينئذ لا يكون لتخصيص الذم بالكثير معنى. وقيل: إن معناه: أن من كان الغالب عليه الشعر لزمه بحكم العادة الأدبيَّة الأوصاف المذمومة التي ذكرناها آنفًا. وهذا هو الذي أشار البخاري إليه لما بوَّب على هذا الحديث: باب ما يكره من أن يكون الغالب على الإنسان الشعر.

(21 و 22) ومن باب قتل الحيات (1)

قوله: (اقتلوا الحيَّات) هذا الأمر وما في معناه من باب الإرشاد إلى دفع المضرَّة المخوفة من الحيَّات، فما كان منها متحقق الضرر وجبت المبادرة إلى قتله، كما قد أرشد إليه قوله:(اقتلوا الحيَّات، واقتلوا ذا الطُّفيتين، والأبتر؛ فإنَّهما يخطفان البصر، ويُسقطان الحبل) فخصَّهما بالذكر مع أنَّهما قد دخلا في العموم،

(1) شرح المؤلف رحمه الله تحت هذا العنوان ما أشكل في أحاديث هذا الباب، وما أشكل في أحاديث الباب الذي يليه بعنوان: باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت.

ص: 530

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ونبَّه على أن ذلك بسبب عظم ضررها، وما لم يتحقَّق ضررُه: فما كان منها في غير البيوت قُتل أيضًا؛ لظاهر الأمر العام في هذا الحديث، وفي حديث ابن مسعود (1) رضي الله عنه؛ ولأن نوع الحيَّات غالبه الضرر فيُستصحب ذلك فيه، ولأنه كلُّه مُرَوِّع بصورته، وبما في النفوس من النُّفرة منه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حيَّة)(2) فشجَّع على قتلها. وقال فيما خرَّجه أبو داود من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: (اقتلوا الحيَّات؛ فمن خاف ثأرهنَّ فليس منِّي)(3) وأما ما كان منها في البيوت؛ فما كان بالمدينة، فلا يقتل حتى يؤذن ثلاثة أيام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منها شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام)(4) وهل يختصُّ ذلك الحكم بالمدينة؛ لأنَّا لا نعلم هل أسلم من جنِّ غير أهل المدينة أحد أم لا؟ وبه قال ابن نافع. أو لا يختص؟ وينهى عن قتل جنان جميع البلاد حتى يُؤذَن ثلاثة أيام؟ وهو قول مالك، وهو الأولى، لعموم نهيه عن قتل الجنان التي تكون في البيوت؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم:(خمس فواسق يقتلن في الحلِّ والحرم)(5) وذكر فيهن الحيَّة، ولأنا قد علمنا قطعًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلَّغ الرِّسالة للنَّوعين، وأنَّه قد آمن به خلق كثير من النوعين؛ بحيث لا يحصرهم بلد، ولا يحيط بهم عدد. والعجب من ابن نافع؛ كأنه لم تكن له أذن سامع، وكأنه لم يسمع قوله تعالى:{وَإِذ صَرَفنَا إِلَيكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَستَمِعُونَ القُرآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوا إِلَى قَومِهِم مُنذِرِينَ}

(1) الحديث رواه مسلم في صحيحه (2234) عن عبد الله بن مسعود، ولم يرد في التلخيص.

(2)

ذكره ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" ص 44.

(3)

رواه أبو داود (5249).

(4)

رواه مسلم (2236)(139 و 140)، وأبو داود (5259)، والترمذي (1484).

(5)

رواه أحمد (6/ 259)، والبخاري (3314)، ومسلم (1198)(68).

ص: 531

وَاقتُلُوا ذَا الطُّفيَتَينِ وَالأَبتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَلتَمِسَانِ البَصَرَ، وَيَسقِطَانِ الحَبَل.

ــ

ولا قوله صلى الله عليه وسلم: (إن وفد جنِّ نصيبين أتوني ونعم الجنُّ هم فسألوني الزاد. . .) الحديث (1). فهذه نصوص في أن من جن غير المدينة من أسلم فلا يُقتل شيء منها حتى يُحَرَّج عليه، كما تقدَّم. فتفهَّم هذا العقد، وتمسَّك به. فهو الذي يجمع بين أحاديث هذا الباب المختلفة.

تفسير ما جاء في أحاديث الحيَّات من الغريب

الحيَّات: جمع حيَّة، ويقال على الذَّكر والأنثى، كما قال (2):

. . . . . . . . . . . .

خَشَاشٌ كَرَأسِ الحيَّةِ المُتَوَقِّدِ (3)

وإنما دخلته الهاء لأنه واحدٌ من جنس، كبطة، ودجاجة؛ على أنَّه قد روي عن العرب: رأيت حيًّا على حيَّةٍ؛ أي: ذكرًا على أنثى. والحيُّوت: ذكر الحيات، وأنشد الأصمعي:

ويأكل الحيَّة والحيُّوتا (4)

و(ذو الطفيتين): ضرب من الحيَّات في ظهره خطَّان أبيضان، وعنهما عبَّر بالطُّفيتين. وأصل الطُّفية - بضم الطاء -: خوص المقل (5)، فشبَّه الخط الذي على

(1) رواه مسلم (450)، وأبو داود (39)، والترمذي (18)، والنسائي (1/ 30).

(2)

هو طرفة بن العبد.

(3)

هذا عجز البيت، وصدره:

أنا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الذي تعرفونه

(4)

قال في الصحاح، وبعده:

ويَدْمُقُ الأغفالَ والتابوتا

ويَخْنُقُ العجوزَ أوْ تموتا

(5)

ورق شجر المُقل.

ص: 532

قَالَ الزُّهرِيُّ: وَنُرَى ذَلِكَ مِن سُمَّيهِمَا، وَاللَّهُ أَعلَمُ.

قَالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ: فَلَبِثتُ لَا أَترُكُ حَيَّةً أَرَاهَا إِلَّا قَتَلتُهَا، فَبَينَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً يَومًا مِن ذَوَاتِ البُيُوتِ مر بي زيد بن الخطاب أو أبو لبابة وأنا أطاردها فقال: مهلا يا عبد الله، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلهن، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نَهَى عَن ذَوَاتِ البُيُوتِ.

ــ

ظهر هذه الحيَّة به، وربَّما قيل لهذه الحيَّة: طُفيَةٌ؛ على معنى: ذات طفية. قال الشاعر (1):

. . . . . . . . . . . .

كما تَذِلُّ الطُّفَى مِن رُقيَة الرَّاقي (2)

أي: ذوات الطُّفَى. وقد يسمى الشيء باسم ما يجاوره. وقال الخليل في ذي الطفيتين: هي حيَّة، لينة خبيثة. و (الأبتر): الأفعى؛ سميت بذلك لقصر ذنبها. وذَكَر الأفعى: أفعوان. قا النضر بن شميل في الأبتر: إنه صنف من الحيَّات أزرق مقطوع الذنب.

و(يلتمسان): يطلبان. هذا أصله، ومعناه هنا: يخطفان البصر، كما جاء في الرواية الأخرى. وقد روي:(يلتمعان) و (يطمسان) وكلها بمعنى واحد.

و(يتبعان ما في بطون النِّساء) أي: يسقطان الحبل، كما جاء في الرواية الأخرى (3)، وظاهر هذا: أن هذين النوعين من الحيَّات لهما من الخاصية ما يكون عنهما ذلك، ولا يستبعد هذا، فقد حكى أبو الفرج الجوزي في كتابه المسمى بـ كشف المشكل لما في الصحيحين: أن بعراق العجم أنواعًا من الحيَّات يهلك الرائي لها بنفس رؤيتها، ومنها من يهلك المرور على طريقها، وذكر غير ذلك. ولا يلتفت إلى قول من قال: إن ذلك بالترويع؛ لأنَّ ذلك الترويعَ ليس خاصًّا

(1) هو الهذليُّ.

(2)

هذا عجز البيت، وصدره:

وهم يُذِلُّونها مِن بَعْدِ عِزَّتها

(3)

ما بين حاصرتين سقط من (م 2).

ص: 533

وفي رواية قَالَ: حَتَّى رَآنِي أَبُو لُبَابَةَ بنُ عَبدِ المُنذِرِ، وَزَيدُ بنُ الخَطَّابِ فَقَالَا: إِنَّهُ قَد نَهَي عَن ذَوَاتِ البُيُوتِ.

رواه أحمد (2/ 121)، والبخاريُّ (3297 و 3298)، ومسلم (2233)(128 و 129 و 130)، وأبو داود (5252)، وابن ماجه (3535).

ــ

بهذين النوعين، بل يعمُّ جميع الحيَّات، فتذهب خصوصيَّة هذا النوع بهذا الاعتناء العظيم، والتحذير الشديد، ثمَّ: إن صحَّ هذا في طرح الحبل، فلا يصحُّ في ذهاب البصر، فإنَّ الترويع لا يذهبه.

و(الجنَّان) بتشديد النون: جمع: الجانِّ، وهو أبو الجنِّ. هذا أصله. والجنان في الحديث: هو حيَّة بيضاء صغيرة دقيقة. هكذا ذكر النقلة، والظاهر من الجنان المذكور في الحديث: أن المراد به: الجانُّ (1)، فإن قيل: فقد وصف الله تعالى الحيَّة المنقلبة عن عصا موسى بأنها جانٌّ، وأنَّها ثعبان عظيم؛ فالجواب: إنه إنما كانت ثعبانًا عظيمًا في الخِلقة، ومثل الحيَّة الصغيرة الدقيقة في الخفة والسرعة، ألا ترى قوله تعالى:{تَهتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} هكذا قال أهل اللغة، وأرباب المعاني. وعلى الجملة: فأصل هذه البنية من: ج - ن؛ للسترة والتستر أينما وقعت، فتتبعها تجدها كذلك. ووبيص الجان وغيره: لمعانه وبريقه. قال عياض: وقيل: الجنَّان: ما لا يتعرض للناس، والجِنَّل: ما يتعرَّض لهم ويؤذيهم، وأنشدوا:

تَنَازَع جِنَّان وَجِنٌّ وَجِنَّلُ

وعن ابن عبَّاس وابن عمر رضي الله عنهم: الجنَّان: مسخ الجنِّ كما مسخت القردة من بني إسرائيل. وعوامر البيوت: هي ما يعمره من الجن، فيتمثل في صور الحيَّات وفي غيرها.

(1) في (م 2) و (ل 1) و (ز) و (م 3): الحيَّات.

ص: 534