الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر
[2100]
عَن ابنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأمُرُ بِقَتلِ الكِلَابِ يَقُولُ: اقتُلُوا الحَيَّاتِ وَالكِلَابَ،
ــ
تقول منه للواحد: رِ يا رجل. وللاثنين: رِيَا. وللجماعة: رُوا. وللمؤنثة: رِي. وللاثنتين: رِيَا. ولجماعتهن: رَينَ. والاسم: الوَرَي - بالتحريك -.
واختلف في تأويل هذا الحديث. فقيل: يعني بذلك: الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، وهذا ليس بشيء؛ لأنَّ القليل من هجو النبي صلى الله عليه وسلم وكثيره سواء في أنه كفر ومذموم. وكذلك: هجو غير النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين محرم؛ قليله وكثيره. وحينئذ لا يكون لتخصيص الذم بالكثير معنى. وقيل: إن معناه: أن من كان الغالب عليه الشعر لزمه بحكم العادة الأدبيَّة الأوصاف المذمومة التي ذكرناها آنفًا. وهذا هو الذي أشار البخاري إليه لما بوَّب على هذا الحديث: باب ما يكره من أن يكون الغالب على الإنسان الشعر.
(21 و 22) ومن باب قتل الحيات (1)
قوله: (اقتلوا الحيَّات) هذا الأمر وما في معناه من باب الإرشاد إلى دفع المضرَّة المخوفة من الحيَّات، فما كان منها متحقق الضرر وجبت المبادرة إلى قتله، كما قد أرشد إليه قوله:(اقتلوا الحيَّات، واقتلوا ذا الطُّفيتين، والأبتر؛ فإنَّهما يخطفان البصر، ويُسقطان الحبل) فخصَّهما بالذكر مع أنَّهما قد دخلا في العموم،
(1) شرح المؤلف رحمه الله تحت هذا العنوان ما أشكل في أحاديث هذا الباب، وما أشكل في أحاديث الباب الذي يليه بعنوان: باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ونبَّه على أن ذلك بسبب عظم ضررها، وما لم يتحقَّق ضررُه: فما كان منها في غير البيوت قُتل أيضًا؛ لظاهر الأمر العام في هذا الحديث، وفي حديث ابن مسعود (1) رضي الله عنه؛ ولأن نوع الحيَّات غالبه الضرر فيُستصحب ذلك فيه، ولأنه كلُّه مُرَوِّع بصورته، وبما في النفوس من النُّفرة منه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حيَّة)(2) فشجَّع على قتلها. وقال فيما خرَّجه أبو داود من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: (اقتلوا الحيَّات؛ فمن خاف ثأرهنَّ فليس منِّي)(3) وأما ما كان منها في البيوت؛ فما كان بالمدينة، فلا يقتل حتى يؤذن ثلاثة أيام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منها شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام)(4) وهل يختصُّ ذلك الحكم بالمدينة؛ لأنَّا لا نعلم هل أسلم من جنِّ غير أهل المدينة أحد أم لا؟ وبه قال ابن نافع. أو لا يختص؟ وينهى عن قتل جنان جميع البلاد حتى يُؤذَن ثلاثة أيام؟ وهو قول مالك، وهو الأولى، لعموم نهيه عن قتل الجنان التي تكون في البيوت؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم:(خمس فواسق يقتلن في الحلِّ والحرم)(5) وذكر فيهن الحيَّة، ولأنا قد علمنا قطعًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلَّغ الرِّسالة للنَّوعين، وأنَّه قد آمن به خلق كثير من النوعين؛ بحيث لا يحصرهم بلد، ولا يحيط بهم عدد. والعجب من ابن نافع؛ كأنه لم تكن له أذن سامع، وكأنه لم يسمع قوله تعالى:{وَإِذ صَرَفنَا إِلَيكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَستَمِعُونَ القُرآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوا إِلَى قَومِهِم مُنذِرِينَ}
(1) الحديث رواه مسلم في صحيحه (2234) عن عبد الله بن مسعود، ولم يرد في التلخيص.
(2)
ذكره ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" ص 44.
(3)
رواه أبو داود (5249).
(4)
رواه مسلم (2236)(139 و 140)، وأبو داود (5259)، والترمذي (1484).
(5)
رواه أحمد (6/ 259)، والبخاري (3314)، ومسلم (1198)(68).
وَاقتُلُوا ذَا الطُّفيَتَينِ وَالأَبتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَلتَمِسَانِ البَصَرَ، وَيَسقِطَانِ الحَبَل.
ــ
ولا قوله صلى الله عليه وسلم: (إن وفد جنِّ نصيبين أتوني ونعم الجنُّ هم فسألوني الزاد. . .) الحديث (1). فهذه نصوص في أن من جن غير المدينة من أسلم فلا يُقتل شيء منها حتى يُحَرَّج عليه، كما تقدَّم. فتفهَّم هذا العقد، وتمسَّك به. فهو الذي يجمع بين أحاديث هذا الباب المختلفة.
تفسير ما جاء في أحاديث الحيَّات من الغريب
الحيَّات: جمع حيَّة، ويقال على الذَّكر والأنثى، كما قال (2):
. . . . . . . . . . . .
…
خَشَاشٌ كَرَأسِ الحيَّةِ المُتَوَقِّدِ (3)
وإنما دخلته الهاء لأنه واحدٌ من جنس، كبطة، ودجاجة؛ على أنَّه قد روي عن العرب: رأيت حيًّا على حيَّةٍ؛ أي: ذكرًا على أنثى. والحيُّوت: ذكر الحيات، وأنشد الأصمعي:
ويأكل الحيَّة والحيُّوتا (4)
و(ذو الطفيتين): ضرب من الحيَّات في ظهره خطَّان أبيضان، وعنهما عبَّر بالطُّفيتين. وأصل الطُّفية - بضم الطاء -: خوص المقل (5)، فشبَّه الخط الذي على
(1) رواه مسلم (450)، وأبو داود (39)، والترمذي (18)، والنسائي (1/ 30).
(2)
هو طرفة بن العبد.
(3)
هذا عجز البيت، وصدره:
أنا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الذي تعرفونه
(4)
قال في الصحاح، وبعده:
ويَدْمُقُ الأغفالَ والتابوتا
ويَخْنُقُ العجوزَ أوْ تموتا
(5)
ورق شجر المُقل.
قَالَ الزُّهرِيُّ: وَنُرَى ذَلِكَ مِن سُمَّيهِمَا، وَاللَّهُ أَعلَمُ.
قَالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ: فَلَبِثتُ لَا أَترُكُ حَيَّةً أَرَاهَا إِلَّا قَتَلتُهَا، فَبَينَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً يَومًا مِن ذَوَاتِ البُيُوتِ مر بي زيد بن الخطاب أو أبو لبابة وأنا أطاردها فقال: مهلا يا عبد الله، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلهن، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نَهَى عَن ذَوَاتِ البُيُوتِ.
ــ
ظهر هذه الحيَّة به، وربَّما قيل لهذه الحيَّة: طُفيَةٌ؛ على معنى: ذات طفية. قال الشاعر (1):
. . . . . . . . . . . .
…
كما تَذِلُّ الطُّفَى مِن رُقيَة الرَّاقي (2)
أي: ذوات الطُّفَى. وقد يسمى الشيء باسم ما يجاوره. وقال الخليل في ذي الطفيتين: هي حيَّة، لينة خبيثة. و (الأبتر): الأفعى؛ سميت بذلك لقصر ذنبها. وذَكَر الأفعى: أفعوان. قا النضر بن شميل في الأبتر: إنه صنف من الحيَّات أزرق مقطوع الذنب.
و(يلتمسان): يطلبان. هذا أصله، ومعناه هنا: يخطفان البصر، كما جاء في الرواية الأخرى. وقد روي:(يلتمعان) و (يطمسان) وكلها بمعنى واحد.
و(يتبعان ما في بطون النِّساء) أي: يسقطان الحبل، كما جاء في الرواية الأخرى (3)، وظاهر هذا: أن هذين النوعين من الحيَّات لهما من الخاصية ما يكون عنهما ذلك، ولا يستبعد هذا، فقد حكى أبو الفرج الجوزي في كتابه المسمى بـ كشف المشكل لما في الصحيحين: أن بعراق العجم أنواعًا من الحيَّات يهلك الرائي لها بنفس رؤيتها، ومنها من يهلك المرور على طريقها، وذكر غير ذلك. ولا يلتفت إلى قول من قال: إن ذلك بالترويع؛ لأنَّ ذلك الترويعَ ليس خاصًّا
(1) هو الهذليُّ.
(2)
هذا عجز البيت، وصدره:
وهم يُذِلُّونها مِن بَعْدِ عِزَّتها
(3)
ما بين حاصرتين سقط من (م 2).
وفي رواية قَالَ: حَتَّى رَآنِي أَبُو لُبَابَةَ بنُ عَبدِ المُنذِرِ، وَزَيدُ بنُ الخَطَّابِ فَقَالَا: إِنَّهُ قَد نَهَي عَن ذَوَاتِ البُيُوتِ.
رواه أحمد (2/ 121)، والبخاريُّ (3297 و 3298)، ومسلم (2233)(128 و 129 و 130)، وأبو داود (5252)، وابن ماجه (3535).
ــ
بهذين النوعين، بل يعمُّ جميع الحيَّات، فتذهب خصوصيَّة هذا النوع بهذا الاعتناء العظيم، والتحذير الشديد، ثمَّ: إن صحَّ هذا في طرح الحبل، فلا يصحُّ في ذهاب البصر، فإنَّ الترويع لا يذهبه.
و(الجنَّان) بتشديد النون: جمع: الجانِّ، وهو أبو الجنِّ. هذا أصله. والجنان في الحديث: هو حيَّة بيضاء صغيرة دقيقة. هكذا ذكر النقلة، والظاهر من الجنان المذكور في الحديث: أن المراد به: الجانُّ (1)، فإن قيل: فقد وصف الله تعالى الحيَّة المنقلبة عن عصا موسى بأنها جانٌّ، وأنَّها ثعبان عظيم؛ فالجواب: إنه إنما كانت ثعبانًا عظيمًا في الخِلقة، ومثل الحيَّة الصغيرة الدقيقة في الخفة والسرعة، ألا ترى قوله تعالى:{تَهتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} هكذا قال أهل اللغة، وأرباب المعاني. وعلى الجملة: فأصل هذه البنية من: ج - ن؛ للسترة والتستر أينما وقعت، فتتبعها تجدها كذلك. ووبيص الجان وغيره: لمعانه وبريقه. قال عياض: وقيل: الجنَّان: ما لا يتعرض للناس، والجِنَّل: ما يتعرَّض لهم ويؤذيهم، وأنشدوا:
تَنَازَع جِنَّان وَجِنٌّ وَجِنَّلُ
وعن ابن عبَّاس وابن عمر رضي الله عنهم: الجنَّان: مسخ الجنِّ كما مسخت القردة من بني إسرائيل. وعوامر البيوت: هي ما يعمره من الجن، فيتمثل في صور الحيَّات وفي غيرها.
(1) في (م 2) و (ل 1) و (ز) و (م 3): الحيَّات.