المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

[2085]

عَن صَفِيَّةَ بِنتِ حُيَيٍّ قَالَت: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعتَكِفًا - وفي رواية: في المسجد في العشر الأواخر من رمضان - فَأَتَيتُهُ أَزُورُهُ لَيلًا، فَحَدَّثتُهُ،

ــ

بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جمع الناس، وصعد المنبر، فنهاهم عن ذلك، وعلمهم ما يجوز منه فقال:(لا يدخلن رجل على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان) سدًّا لذريعة الخلوة، ودفعًا لما يؤدِّي إلى التهمة. وإنَّما اقتصر على ذكر الرَّجل والرَّجلين لصلاحية أولئك القوم؛ لأنَّ التهمة كانت ترتفع بذلك القدر. فأما اليوم: فلا يكتفى بذلك القدر، بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد، وخبث المقاصد، ورحم الله مالكًا، لقد بالغ في هذا الباب حتى منع فيه ما يجرّ إلى بعيد التهم والارتياب (1)؛ حتى منع خلوة المرأة بابن زوجها، والسفر معه، وإن كانت محرَّمة عليه؛ لأنَّه ليس كل أحد يمتنع بالمانع الشرعي؛ إذا لم يقارنه مانع عادي، فإنَّه من المعلوم الذي لا شك فيه: أن موقع امتناع الرجل من النظر بالشهوة لامرأة أبيه (2) ليس كموقعه منه لأمه وأخته. هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية، وذلك قد أنست به النفس الشهوانية، فلا بدَّ مع المانع الشرعي في هذا من مراعاة الذرائع الحاليَّة (3).

(14)

ومن باب: اجتناب التهم وما يجر إليها

قد تقدَّم الكلام على الاعتكاف لغة وشرعًا في كتابه.

قول صفية رضي الله عنها: (فأتيته أزوره ليلًا، فحدَّثته) دليل على جواز

(1) ما بين حاصرتين سقط من (ل 1).

(2)

ما بين حاصرتين سقط من (ل 1).

(3)

في (ل 1): العاديَّة.

ص: 503

ثُمَّ قُمتُ لِأَنقَلِبَ، فَقَامَ مَعِيَ لِيَقلِبَنِي، وَكَانَ مَسكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ، فَمَرَّ رَجُلَانِ مِن الأَنصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: عَلَى رِسلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنتُ حُيَيٍّ،

ــ

زيارة المعتكف، والتحدُّث معه، غير أنه يكره الإكثار من ذلك؛ لئلا يشتغل عما دخل إليه من التفرُّغ لعبادة الله تعالى، وعلى أنه: لا تكره له الخلوة مع أهله في معتكفه، ولا الحديث معها، وإنما الممنوع المباشرة، لكن هذا للأقوياء، وأما من يخاف على نفسه غلبة شهوة، فلا يجوز لئلا يفسد اعتكافه. وقد كان كثير من الفضلاء يجتنبون دخول منازلهم في نهار رمضان مخافة الوقوع فيما يفسد الصوم، أو ينقص ثوابه.

وقولها: (ثم قمت لأنقلب، فقام ليقلبني) أي: لأنصرف.

و(ليقلبني): يصرفني، وهو مفتوح الياء ثلاثيًّا، وهذا يدلّ على أن للمعتكف أن ينصرف في المسجد، وإلى بابه إذا دعته إلى ذلك حاجة؛ غير أنه لا يخرج من بابه إلا للأمور الضرورية التي تقدَّم ذكرها، وقد روي في هذا الحديث: أنه إنما خرج معها إلى باب المسجد. وعلى هذا تأوَّل البخاري، ولم يختلف العلماء: أنه لا يفسده خروجه إلى باب المسجد، وإن اختلفوا في كراهة تصرُّفه فيه لغير ضرورة، كزيارة مريض، أو صلاة على جنازة، أو صعود إلى المنارة للأذان، أو الجلوس إلى قومٍ ليصلح بينهم، فكره مالك كل ذلك في المشهور عنه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما؛ إنما هي صفيَّة) الرِّسل - بكسر الراء -: الرفق واللين، وليس فتح الراء فيه معروفًا. و (الرِّسل) بالكسر أيضًا: اللبن. وقد جاء: أرسل القوم: صار لهم اللبن في مواشيهم.

و(الرَّسَل) بفتح الراء والسين: القطيع من الخيل، والإبل، والغنم، وجمعه: أرسال. يقال: جاءت الخيل أرسالًا؛ أي: قطيعًا قطيعًا، و (إنما) هنا لتحقيق المتصل بها، وتمحيق المنفصل عنها، كقوله تعالى:{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي: الإلهية متحققة له منفيَّة عن

ص: 504

فَقَالَا: سُبحَانَ اللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: إِنَّ الشَّيطَانَ يَجرِي مِن الإِنسَانِ مَجرَى الدَّمِ،

ــ

غيره. فكأنه قال: هذه صفيَّة لا غيرها حَسمًا لذريعة التُّهم، وردًا لتسويل الشيطان ووسوسته، كما قد نصَّ عليه، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتَّقي مواقع التُّهم عند (1) قيام الأدلة القاطعة على عصمته كان غيره بذلك أولى.

وقول الرجلين: (سبحان الله) معنى هذه الكلمة في أصلها: البراءة لله من السُّوء. لكنها قد كثر إطلاقها عند التعجب والتفخيم، أو الإنكار، كما قال تعالى:{سُبحَانَكَ هَذَا بُهتَانٌ عَظِيمٌ} وكقوله صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله إن المؤمن لا ينجس)(2) ومثله كثير، وهذا الموضع منها، فكأنهما قالا: البراءة لله تعالى من أن يخلق في نفوسنا ظنَّ سوَّء بنبيِّه صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال في الرواية الأخرى:(ومن كنت أظن به فلم أكن أظن بك! ).

وقوله: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) حمله بعض العلماء على ظاهره. فقال: إن الله تعالى جعل للشيطان قوَّة وتمكُّنًا من أن يسري في باطن الإنسان، ومجاري دمه. والأكثر على أن معنى هذا الحديث: الإخبار عن ملازمة الشيطان للإنسان واستيلائه عليه بوسوسته، وإغوائه، وحرصه على إضلاله، وإفساد أحواله. فيجب الحذر منه، والتحرُّز من حيله، وسدُّ طرق وسوسته، وإغوائه وإن بعدت. وقد بين ذلك في آخر الحديث بقوله:(إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا، فتهلكا)(3) وخصوصًا في مثل هذا الذي يفضي بالإنسان إلى

(1) في (ج 2): مع.

(2)

رواه أحمد (2/ 235)، والبخاري (283)، ومسلم (371)، وأبو داود (231)، والترمذي (121)، والنسائي (1/ 145)، وابن ماجه (534).

(3)

هذه الكلمة ليست في الحديث الذي في التلخيص، ولا في رواياته في صحيح مسلم، وهي في غير مسلم كما أشار إلى ذلك بعد قليل. ولم نجدها في المصادر الحديثية المتوافرة لدينا.

ص: 505

وَإِنِّي خَشِيتُ أَن يَقذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا. أَو قَالَ: شَيئًا.

وفي رواية: أنه كان رجلا واحدا، وأنه قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَن كُنتُ أَظُنُّ بِهِ، فَلَم أَكُن أَظُنُّ بِك.

رواه أحمد (6/ 337)، والبخاري (3281)، ومسلم (2174)(23) و (2175)(24 و 25)، وأبو داود (2470 و 2471)، وابن ماجه (1779).

* * *

ــ

الكفر، فإنَّ ظنَّ السَّوء والشر بالأنبياء كفرٌ.

قال القاضي عياض رحمه الله: في هذا الحديث من الفقه: إن من قال في النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من هذا (1)، أو جوَّزه عليه فهو كافر مستباح الدم.

و(قوله: يقذف في قلوبكما شرًّا) أي: يرمي. ومنه: القذف أي (2) الرَّمي، والقذَّافة: الآلة التي تُرمَى بها الحجارة. والشرُّ هنا: هو الكفر الذي ذكرناه. وفي غير مسلم: (فتهلكا) أي: بالكفر الذي يلزم عن ظنِّ السَّوء بالنبي صلى الله عليه وسلم. وذكر في الرواية الأخرى: أنه كان رجلًا واحدًا؛ فيحتمل أن يكون هذا في مرتين. ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على أحدهما بالقول بحضرة الآخر، فتصح نسبة القصَّة إليهما جمعًا وإفرادًا، والله تعالى أعلم.

* * *

(1) ما بين حاصرتين سقط من (م 2).

(2)

في (ج 2): وهو.

ص: 506