المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

[2168]

عَن مُعَاوِيَةَ بنِ الحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُمُورًا كُنَّا نَصنَعُهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ؛ كُنَّا نَأتِي الكُهَّانَ! قَالَ: فَلَا تَأتُوا الكُهَّانَ. قَالَ: قُلتُ: كُنَّا نَتَطَيَّرُ! قَالَ: ذَاكَ شَيءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُم فِي نَفسِهِ، فَلَا يَصُدَّهم. قَالَ: قُلتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ! قَالَ: كَانَ نَبِيٌّ مِن الأَنبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَن وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ.

رواه مسلم (537)(121).

ــ

المساق أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن محقّقًا لأمر الشؤم بهذه الثلاثة في الوقت الذي نطق بهذا، لكنه تحققه بعد ذلك لما قال: إنما الشؤم في ثلاثة، وقد بيَّنَّا مراده بالشؤم فيما تقدَّم والحمد لله.

والمراد بالربع الدار كما قال في الرواية الأخرى، وقد يصح حمله على أعم من ذلك، فيدخل فيه الدكان والفندق وغيرهما مما يصلح الربع له، والمرأة تتناول الزوجة والمملوكة، والخادم يتناول الذكر والأنثى لأنَّه اسم جنس.

(19)

ومن باب النهي عن الكهانة وإتيان الكهان

الكهان: جمع كاهن، ككتاب جمع كاتب، والكهانة: ادِّعاء علم الغيب، وقد تكلَّمنا على حديث معاوية بن الحكم في باب نسخ الكلام في الصلاة. قال القاضي أبو الفضل: الكهانة كانت في العرب على أربعة أضرب؛

أحدها: أن يكون للإنسان رَئِي من الجن يخبره بما يسترق من السمع، وهذا

ص: 632

[2169]

وعَن عَائِشَةَ قَالَت: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الكُهَّانَ كَانُوا

ــ

القسم قد بطل منذ بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم كما نصَّ الله تعالى عليه في الكتاب.

والثاني: أن يخبره بما يطرأ ويكون في أقطار الأرض، وما يخفى مما قرب أو بعد، وهذا لا يبُعد وجوده.

ونفت هذا كله المعتزلة وبعض المتكلمين وأحالوه، ولا استحالة ولا بُعد في وجود مثل هذا، لكنهم بعد يكذبون، والنهي عام في تصديقهم والسماع منهم.

الثالث: التخمين والحزر، وهذا يخلق الله فيه لبعض الناس شدة قوة، لكن الكذب في هذا الباب أغلب. قال: ومن هذا الباب العرافة، وصاحبها عرَّاف، وهو الذي يستدلُّ على الأمور بأسباب ومقدمات يدِّعي معرفتها. وقد يعتضد بعض أهل هذا الفن في ذلك بالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة في ذلك، وهذا الفن هي (1) العيافة - بالياء، وكلها ينطلق عليها اسم الكهانة.

قلت: وإذا كان كذلك فسؤالهم عن غيب ليخبروا عنه حرام، وما يأخذون على ذلك حرام، ولا خلاف فيه؛ لأنَّه حلوان الكاهن المنهي عنه.

قال أبو عمر: ويجب على من ولي الحسبة أن يقيمهم من الأسواق وينكر عليهم أشدَّ النكير، ولا يدع أحدًا يأتيهم لذلك، وإن ظهر صدق بعضهم في بعض الأمور فليس ذلك بالذي يخرجهم عن الكهانة، فإنَّ تلك الكلمة إما خطفة جني أو موافقة قدر ليغترَّ به بعض الجهال، ولقد انخدع كثير من المنتسبين للفقه والدين فجاؤوا إلى هؤلاء الكهنة والعرافين فبهرجوا عليهم بالمحال واستخرجوا منهم الأموال، فحصلوا من أقوالهم على السراب والآل (2)، ومن أديانهم على الفساد والضلال.

(1) كذا في جميع النسخ، وفي إكمال إكمال المعلم للأبي: مِنَ.

(2)

"الآل": السراب.

ص: 633

يُحَدِّثُونَنَا بِالشَّيءِ فَنَجِدُهُ حَقًّا! قَالَ: تِلكَ الكَلِمَةُ يَخطَفُهَا الجِنِّيُّ فَيَقذِفُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ وَيَزِيدُ فِيهَا مِائَةَ كَذبَةٍ.

رواه أحمد (6/ 87)، والبخاريُّ (5762)، ومسلم (2228)(122).

ــ

وقوله تلك الكلمة يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه؛ أي يرميها في أذنه ويُسمعه إياها، وفي الرواية الأخرى فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة؛ أي يضعها في أذنه، يقال: قررت الخبر في أذنه أقره قرًّا. ويصحُّ أن يقال: ألقاها في أذنه بصوت. يقال: قرَّ الطائر صوت.

وقرُّ الدجاجة بكسر القاف حكاية صوتها، قال الخطابي: قرَّت الدجاجة (1) تقرُّ قرًّا وقريرًا - إذا رجَّعت فيه، قيل: قرقرت قرقرةً وقرقريرًا. قال الشاعر:

. . . . . . . . . . . .

وإن قرقرت هاجَ الهوَى قرقرِيرُها (2)

قال: والمعنى أن الجني يقذف الكلمة إلى وليه الكاهن فيتسامع بها الشياطين كما تؤذن الدجاج بصوت صواحباتها فتتجاوب.

قلت: والأشبه بمساق الحديث أن يكون معناه أن الجنِّي يلقي إلى وليه تلك الكلمات بصوت خفي متراجع يُزَمزِمُهُ ويُرَجِّعه له كما يلقيه الكهان للناس، فإنَّهم تسمع لهم زمزمة وإسجاع وترجيع على ما علم من حالهم بالمشاهدة والنقل. ولم يختلف أحدٌ من رواة مسلم أن الرواية في هذا اللفظ قرَّ الدجاجة يعني به الطائر المعروف، واختلف فيه عن البخاري؛ فقال بعض رواته كقرِّ الزجاجة بالزاي، قال الدارقطني: هو مما صحَّفوا فيه، والصواب: الدجاجة

(1) ما بين حاصرتين سقط من (م 2).

(2)

هذا عجز البيت الذي أنشده ابن القطاع، وصدره كما في الصحاح:

وما ذاتُ طَوْقٍ فوق عود أراكةٍ

ص: 634

[2170]

وعنها قالت: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن الكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيسُوا بِشَيءٍ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُم يُحَدِّثُونَ أَحيَانًا الشَّيءَ يَكُونُ حَقًّا! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تِلكَ الكَلِمَةُ مِن الجِنِّ يَخطَفُهَا الجِنِّيُّ فَيَقُذفهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخلِطُونَ فِيهَا أَكثَرَ مِن مِائَةِ كَذبَةٍ.

رواه أحمد (6/ 87)، والبخاريُّ (5762)، ومسلم (2228)(123).

[2171]

وعَن بَعضِ أَزوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَن شَيءٍ لَم تُقبَل لَهُ صَلَاةٌ أَربَعِينَ لَيلَةً.

رواه أحمد (4/ 68)، ومسلم (2230).

* * *

ــ

- بالدال. وقيل: الصواب الزجاجة؛ بدليل ما قد رواه البخاري فيقرها في أذنه كما تقرّ القارورة، وهي بمعنى الزجاجة؛ أي: كما يسمع صوت الزجاجة إذا حكَّت على شيء أو إذا أُلقي فيها ماء أو شيء.

وقوله من أتى عرافًا لم تقبل له صلاة أربعين يومًا، العراف هو الحازي والمنجِّم الذي يدَّعي الغيب، وهذا يدلّ على أن إتيان العرافين كبيرة، وظاهره أن صلاته في هذه الأربعين تحبط وتبطل، وهو خارج (1) على أصول الخوارج الفاسدة في تكفيرهم بالذنوب، وقد بيَّنا فساد هذا الأصل فيما تقدم، وأنه لا يحبط الأعمال إلا الردة. وأما غيرها فالحسنات تبطل السيئات كما قال تعالى:{إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ} وهذا مذهب أهل السنَّة والجماعة، فليس معنى قوله لا تقبل له صلاة أن تحبط، بل إنما معناه - والله أعلم - أنَّها

(1) في (ج 2): جارٍ.

ص: 635

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا تقبل قبول الرضا وتضعيف الأجر. لكنه إذا فعلها على شروطها الخاصة بها فقد برئت ذمّته من المطالبة بالصلاة وتُقصَى عن عهدة الخطاب بها، ويفوته قبول المرضي عنه وإكرامه وثوابه ويتضح ذلك باعتبار ملوك الأرض، ولله المثل الأعلى، وذلك أن المُهدِي إما مردودٌ عليه أو مقبول منه، والمقبول إما مقرَّب مُكرَّم مثاب وإما ليس كذلك، فالأول هو المبعدُ المطرود، والثاني هو المقبول القبول التام الكامل، والثالث لا يصدق عليه أنه مثل الأول فإنه لم تردَّ هديته، بل قد التفت إليه وقُبلت منه، لكنه لما لم يُثب ولم يُقرَّب صار كأنه غير مقبول منه، فيصدق عليه أنَّه لم يُقبل منه إذ لم يحصل له ثواب ولا إكرام.

وتخصيصه صلى الله عليه وسلم الأربعين بالذكر قد جاء في مواضع كثيرة من الشرع؛ منها: قوله في شارب الخمر لا تقبل له صلاة أربعين يومًا (1)، وقوله والذي نفسي بيده، إنه ليجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك (2)، وقوله من أخلص لله أربعين ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه (3). ومنه قوله تعالى:{وَإِذ وَاعَدنَا مُوسَى أَربَعِينَ لَيلَةً} ومنه توقيته صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وتقليم الأظفار وحلق العانة ألا تترك أكثر من أربعين ليلة، فتخصيص هذه المواضع بهذا العدد الخاص هو سرٌّ من أسرار الشريعة لم يطلع عليه نصًّا، غير أنه قد تنسم منه بعضُ علمائنا أمرًا تسكن النفسُ إليه، وذلك أنه قال: إن هذا العدد في هذه المواضع إنما خصَّ بالذكر لأنَّه مدَّة يكمل فيها ما ضربت له، فينتقل إلى غيره ويحصل فيها تبدُّله وبيانه بانتقال أطوار الخلقة في كل أربعين منها يكمل فيها طور، فينتقل عند انتهائه إلى غيره،

(1) رواه النسائي (8/ 316).

(2)

رواه أحمد (1/ 382)، والبخاري (6594)، ومسلم (2643).

(3)

رواه ابن المبارك في الزهد (1014)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 189)، وانظر الترغيب والترهيب رقم (13).

ص: 636