الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء
[1948]
عن نافع؛ قال: رَأَى ابنُ عُمَرَ مِسكِينًا، فَجَعَلَ يَضَعُ بَينَ يَدَيهِ، وَيَضَعُ بَينَ يَدَيهِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَأكُلُ أَكلًا كَثِيرًا، قَالَ: فَقَالَ: لَا يُدخَلَنَّ هَذَا عَلَيَّ، فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ الكَافِرَ يَأكُلُ فِي سَبعَةِ أَمعَاءٍ.
زاد في أخرى: وَالمُؤمِنُ يَأكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ.
رواه أحمد (2/ 43 و 74)، والبخاريُّ (5395)، ومسلم (2060)(182 و 183).
ــ
(20)
ومن باب: المؤمن يأكل في معى واحد
إنما قال ابن عمر للمسكين الذي أكل كثيرًا: (لا يدخلن عليكم هذا)(1)؛ لأنَّه شبهه بالكافر من حيث إنه كان يأكل بالشره، والحرص، وإفراط الشهوة. وهكذا أكل الكافر. وأما المؤمن الذي يعلم أن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع، ويمسك الرَّمق، ويقوى به على عبادة الله تعالى، ويخاف من الحساب على الزائد على ذلك، فيقل أكله ضرورة. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(ما ملأ ابن آدم (2) وعاءً شرًّا من بطن، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإنَّ كان ولا بدَّ: فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) (3). وعلى هذا فقد يكون أكل المؤمن المذكور إذا نسب إلى
(1) في التلخيص ومسلم: "لا يدخلن هذا عليَّ".
(2)
في (ج 2): آدمي.
(3)
رواه أحمد (4/ 132)، والترمذي (2380)، وابن حبان (674) الإحسان.
[1949]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَافَهُ ضَيفٌ وَهُوَ كَافِرٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَحُلِبَت - فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخرَى فَشَرِبَهُ، ثُمَّ أُخرَى فَشَرِبَهُ، حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبعِ شِيَاهٍ - ثُمَّ إِنَّهُ أَصبَحَ فَأَسلَمَ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِأُخرَى فَلَم يَستَتِمَّهَا،
ــ
أكل الكافر المذكور سبعًا، فيصير الكافر كأن له سبعة أمعاء يأكل فيها، والمؤمن له معى واحد. وهذا أحد تأويلات الحديث، وهو أحسنها عندي. وقيل: المراد بالسبعة أمعاء: صفات سبع: الحرص، والشره، وبعد الأمل، والطَّمع، وسوء الطبع، والحسد، وحب السمن. وقيل: شهوات الطعام سبع: شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي بها يأكل المؤمن. وقيل: إن ذلك في واحد مخصوص، وهو الذي ذكره في حديث أبي هريرة. واختلف في اسمه؛ فقيل: نضلة بن عمرو الغفاري. وقيل: بصرة بن أبي بصرة الغفاري. وقيل: ثمامة بن أثال. وقيل: جهجاه الغفاري (1).
و(قوله: ضافه ضيف) أي: نزل وصار ضيفه. و (أضفته): أنزلته. وضفت الرجل: نزلت به. والضيف: اسم للواحد، والجميع، والمذكر، والمؤنث، يذهب به مذهب المصدر، كما يقال: زور، وعدل، ورضا. وقد جمع: أضيافًا،
(1) جاء في هامش (ج 2): تتميم: وقيل: أبو غزوان. وقيل: حُميد بن بصرة. وقال أبو عُبيد: لا أعلم للحديث وجهًا إلا ما روي: أن رجلًا كان كثير الأكل قبل أن يُسلمَ، فلما أسلمَ نقصَ من ذلك، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال هذا القول؛ فإن كثيرًا من الكفَّار من يَقِلُّ أكلُه، ومن المسلمين من يكثر أكله. وروي عن عمر أنه كان يأكل الصَّاعَ من التمر! فأي المؤمنين كان له كإيمان عمر رضي الله عنه؟ ! وقيل: معنى قوله: يأكل في سبعة أمعاء: أن يأكل أكل مَن له سبعة أمعاء. والمؤمن: أكله كأكل من ليس له إلا مِعىً واحد، فيشاركُ الكافرَ بجزء من أجزاء أكل الكافر، ويزيد عليه الكافر أمثالَه. والمِعَى في هذا الحديث هو المعدة.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: المُؤمِنُ يَشرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَشرَبُ فِي سَبعَةِ أَمعَاءٍ.
رواه أحمد (2/ 375)، ومسلم (2063)، والترمذيُّ (1819).
[1950]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ، كَانَ إِذَا اشتَهَى شَيئًا أَكَلَهُ، وَإِن كَرِهَهُ تَرَكَهُ.
وفي رواية: (سكت) مكان (تركه).
رواه البخاريُّ (3563)، ومسلم (2064)(187 و 188)، وأبو داود (3763)، والترمذيُّ (2031)، وابن ماجه (3259).
* * *
ــ
وضيوفًا، وضيفانًا.
و(الحلاب) هنا هو: المحلوب، وهو اللبن. وقد يقال على المحلب: حلاب. وهو: الإناء الذي يحلب فيه، وقد تقدَّم في الطهارة.
قلت: قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء) المقصود به: التمثيل، وذم كثرة الأكل، ومدح التقليل منه.
و(قوله: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا قط) هذا من أحسن آداب الأكل، وأهمها، وذلك: أن الأطعمة كلها نعم الله تعالى، وعيب شيء من نعم الله تعالى مخالف للشكر الذي أمر الله تعالى به عليها، وعلى هذا: فمن استطاب طعامًا فليأكل، ويشكر الله تعالى؛ إذ مكنه منه، وأوصل منفعته إليه. وإن كرهه؛ فليتركه، ويشكر الله تعالى؛ إذ مكنه منه، وأعفاه عنه، ثم قد يستطيبه، أو يحتاج إليه في وقت آخر فيأكله، فتتم عليه النعمة، ويَسلَم مما يناقض الشكر.