الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين
[1890]
عن البراء بن عازب قال: لَمَّا أَقبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ قال: تبَعَهُ سُراقَةُ بنُ مَالِكِ بنِ جُعشُمٍ، قَالَ: فَدَعَا عَلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَاخَت فَرَسُهُ، فَقَالَ: ادعُ اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ، قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ. قَالَ: فَعَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَرُّوا بِرَاعِي غَنَمٍ، قَالَ أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ: فَأَخَذتُ قَدَحًا فَحَلَبتُ فِيهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُثبَةً مِن لَبَنٍ، فَأَتَيتُهُ بِهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ.
ــ
(10)
ومن باب: شرب اللبن من أيدي الرُّعاة
(قوله في هذه الرواية: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة) هذا كان في وقت هجرته، كما جاء في الرواية الأخرى:(قال أبو بكر: لما هاجرنا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وذكر نحو ما تقدَّم. وقد وقع في هذا الحديث في كتاب مسلم زيادة فيها وَهمٌ، وذلك: أن أبا بكر سأل الراعي: لمن الغنم؟ فقال الراعي: إنها لرجل من أهل المدينة. والصواب: من أهل مكة. ورواه البخاري من رواية إسرائيل: إبل لرجل من قريش. وفي رواية أخرى: من أهل مكة أو المدينة - على الشك -.
قلت: وقيل: إنَّه ليس بوهم؛ لأنَّه أطلق على مكة مدينة، وهي كذلك، فإنَّ كل بلدة يصح أن يقال عليها: مدينة، كما قال الله تعالى:{وَكَانَ فِي المَدِينَةِ تِسعَةُ رَهطٍ} وهي مدينة ثمود، وهي الحجر.
وأمَّا تسمية بلد مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقد صار علمًا لها بحكم: أن النبي صلى الله عليه وسلم سَمَّاها بذلك، وغلب ذلك عليها، وكره أن يقال: يثرب، كما تقدَّم في الحجِّ.
و(قوله: فشرب منها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضيت) أي: حتى رَوي فرضيت
وفي رواية عن البراء: قال: قَالَ أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ: لَمَّا خَرَجنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِن مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ. وذكر نحوه.
رواه أحمد (1/ 3)، والبخاريُ (2439)، ومسلم (2009)(90 و 91).
ــ
رَيَّه، وكأنَّه شقَّ عليه ما كان فيه من الحاجة إلى اللَّبن، فلمَّا شرب وزال عنه ذلك رضي به. وفي رواية أخرى: فأرضاني. والمعنى واحد. وقد يقال: كيف أقدم أبو بكر على حلب ما لم يؤذن له في حلبه؟ وكيف شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اللَّبن ولم يكن مالكه حاضرًا، ولا أذن في ذلك، مع نهيه صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا بقوله:(لا يحلبن أحدٌ ماشية أحد إلا بإذنه).
وقد أجيب عن ذلك بأجوبة:
أحدها: إن ذلك اللَّبن كان تافهًا لا قيمة له، لا سيما مع بُعدِه عن العمارة، فكأنه إن لم يَشرَب وإلا تَلِفَ. فيكون هذا من باب قوله في الشَّاة:(هي لك، أو لأخيك، أو للذئب)(1).
قلت: وهذا ليس بشيء؛ لأنَّ الحبَّة من مال الغير لا تحل إلا بطيب نفس منه. وتشبيهها باللقطة فاسدٌ، فإنَّ اللَّبن في الضَّرع محفوظ كالطَّعام في المشربة. ثم لم يكن على بعد من العمران بدليل إدراك سراقة لهم حين سمع أخبارهم من مكة، وخرج من فوره، فأدركهم يومه ذلك، على ما تدلُّ عليه قصته في كتب السِّير، والله أعلم.
وثانيها: إن عادة العرب جارية بذلك، فعَمِلا على العادة، وذلك قبل ورود النهي المذكور عن ذلك.
وثالثها: إنه صلى الله عليه وسلم كان في حاجة وضرورة إلى ذلك، ولا خلاف في جواز مثل
(1) رواه أحمد (4/ 116)، والبخاري (5292)، ومسلم (1722)(5)، وأبو داود (1708)، والنسائي في الكبرى (5802)، وابن ماجه (2504).
[1891]
وعن أَبي هُرَيرَةَ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ لَيلَةَ أُسرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَينِ مِن خَمرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيهِمَا، فَأَخَذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ لَهُ جِبرِيلُ عليه السلام: الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلفِطرَةِ، لَو أَخَذتَ الخَمرَ غَوَت أُمَّتُكَ.
رواه أحمد (2/ 282)، والبخاري (3394)، ومسلم (168) في الأشربة (92)، والترمذي (3130)، والنسائي (8/ 312).
* * *
ــ
ذلك عند الضرورة إذا أمن على نفسه. وهل يلزمه قيمة ذلك أو لا؟ قولان لأهل العلم.
ورابعها: إن ذلك كان مالًا لكافر، والأصل في أموالهم الإباحة.
قلت: وقد يمنع هذا الأصل، لا سيما على مذهب من يقول: إن الكافر له شُبهة مُلك. وقد تقدَّم الخلاف في هذا في الجهاد.
وخامسها: إنهما علما لِمَن هي، فإمَّا أن يكون قد أباح لهما ذلك، أو علما من حاله أنه يطيب قلبه بذلك. وهذا أشبهها وأبعدها عن الاعتراض إن شاء الله تعالى.
و(إيلياء): هي بيت المقدس، وهو ممدود بهمزة التأنيث، ولذلك لا ينصرف (1).
و(قول جبريل عليه السلام: الحمد لله الذي هداك للفطرة) يعني بها: فطرة دين الإسلام، كما قال تعالى:{فِطرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا} ثم قال: {ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ} وقيل: جعل الله ذلك علامة لجبريل على هداية هذه
(1) في هامش (ج 2) زيادة: ويقال: إيليا: مقصورًا، ويقال: أليا، على وزن عليا، ثلاث لغات.