الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعرَضَ، فَأَعرَضَ اللَّهُ عَنهُ.
رواه أحمد (5/ 219)، والبخاري (66)، ومسلم (2176)، والترمذي (2724).
* * *
(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به
[2087]
عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقم الرجل الرجل
ــ
و(قوله: وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه) إن كان هذا المعرض منافقًا فإعراض الله عنه تعذيبه في نار جهنم، وتخليده فيها في الدرك الأسفل منها. وإن كان مسلمًا، وإنما انصرف عن الحلقة لعارض عرض له فآثره، فإعراض الله تعالى عنه: منع ثوابه عنه، وحرمانه مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، والاستفادة منه، والخير الذي حصل لصاحبيه (1).
(16)
ومن باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه
نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يقام الرجل من مجلسه إنما كان ذلك لأجل: أن السَّابق لمجلس قد اختصَّ به إلى أن يقوم باختياره عند فراغ غرضه؛ فكأنه قد ملك منفعة ما اختصَّ به من ذلك، فلا يجوز أن يحال بينه وبين ما يملكه، وعلى هذا فيكون النهي على ظاهره من التَّحريم، وقيل: هو على الكراهة. والأول أولى. ويستوي في هذا المعنى أن يجلس فيه بعد إقامته، أو لا يجلس، غير أن هذا الحديث خرج
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (م 2).
من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا.
رواه أحمد (2/ 89)، والبخاريُّ (6269)، ومسلم (2177)(28)، وأبو داود (4828)، والترمذيُّ (2749).
[2088]
وعَن جَابِرٍ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُم أَخَاهُ يَومَ الجُمُعَةِ، ثُمَّ ليُخَالِف إِلَى مَقعَدِهِ فَيَقعُدَ فِيهِ، وَلَكِن يَقُولُ: افسَحُوا.
رواه أحمد (3/ 295 - 342)، ومسلم (2178).
ــ
على أغلب ما يفعل من ذلك، فإنَّ الإنسان في الغالب إنما يقيم الآخر من مجلسه ليجلس فيه. وكذلك يستوي فيه يوم الجمعة، وغيره من الأيام التي يجتمع الناس فيها، لكن جرى ذكر يوم الجمعة في هذا الحديث؛ لأنَّه اليوم الذي يجتمع الناس فيه، ويتنافسون في المواضع القريبة من الإمام، وعلى هذا: فيلحق بذلك ما في معناه، ولذلك قال ابن جريج: في يوم الجمعة وغيرها.
و(قوله: ولكن تفسَّحوا، وتوسَّعوا) هذا أمر للجلوس (1) بما يفعلون مع الداخل، وذلك: أنه لما نهي عن أن يقيم أحدًا من موضعه تعيَّن على الجلوس (1) أن يوسِّعوا له، ولا يتركوه قائمًا، فإنَّ ذلك يؤذيه، وربما يخجله. وعلى هذا: فمن وجد من الجلوس (2) سعة تعيَّن عليه أن يوسع له. وظاهر ذلك أنه على الوجوب تمسُّكًا بظاهر الأمر، وكأن القائم يتأذى بذلك، وهو مسلم، وأذى المسلم حرام. ويحتمل أن يقال: إن هذه آداب حسنة، ومن مكارم الأخلاق، فتحمل على الندب.
وقد اختلف العلماء في قوله تعالى: {إِذَا قِيلَ لَكُم تَفَسَّحُوا فِي المَجَالِسِ فَافسَحُوا يَفسَحِ اللَّهُ لَكُم} فقيل: هو مجلس النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يزدحمون فيه تنافسًا في القرب من النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: هو مجلس الصَّف في القتال. وقيل: هو
(1) جمع جالس.
(2)
"المجالس": قراءة حفص، وما أثبته المؤلف: قراءة الباقين.
[2089]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا قَامَ أَحَدُكُم، وفي رواية: مَن قَامَ مِن مَجلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ.
رواه أحمد (2/ 283)، ومسلم (2179)، وأبو داود (4853)، وابن ماجه (3717).
* * *
ــ
عامٌّ في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير، والأجر، وهذا هو الأولى؛ إذ المجلس للجنس على ما أصَّلناه في الأصول.
و(قوله: إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به) هذا يدلّ على صحَّة القول بوجوب ما ذكرناه من اختصاص الجالس بموضعه إلى أن يقوم منه، لأنه إذا كان أولى به بعد قيامه؛ فقَبلَه أحرى وأولى. وذهب آخرون: إلى أن ذلك على الندب؛ لأنَّه موضع غير متملَّك لأحد، لا قبل الجلوس، ولا بعده. وهذا فيه نظر، وهو أن يقال: سلَّمنا أنه غير متملَّك له، لكنه يختص به إلى أن يفرغ غرضه منه، فصار كأنه يملك منفعته؛ إذ قد منع غيره من أن يزاحمه عليه. وحمله مالك على النَّدب إذا كانت رجعته قريبة. قال: وإن بَعُدَ ذلك حتى يذهب، ويَبعُد فلا أرى ذلك، وأنه من محاسن الأخلاق. وعلى هذا فيكون هذا عامًّا في كل المجالس. وقال محمد بن مسلمة: الحديث محمول على مجلس العلم (1)، هو أولى به إذا قام لحاجة، فإذا قام تاركًا له، فليس هو بأولى.
وقد اختلف العلماء فيمن ترتَّب من العلماء، والقُرَّاء بموضع من المسجد للفتيا، وللتدريس. فحكي عن مالك: أنه أحق به إذا عرف به. والذي عليه الجمهور: أن هذا استحسان، وليس بواجب، ولعلَّه مراد مالك. وكذلك قالوا فيمن قعد من الباعة في موضع من
(1) في (ل 1) و (ج 2): العالم.