الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه الاستدلال:
لو كان الغسل على كل كافر دخل في الإسلام أن يغتسل لنبه الرسول صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى هذا، والله أعلم.
•
دليل من قال: يستحب له الغسل مطلقًا:
أخذ من حديث قيس بن عاصم وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالغسل بأن الأمر للاستحباب، والذي حمله على صرف اللفظ عن ظاهره، كون الذي أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، ولم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم بالغسل، فصار هذا قرينة لصرف الأمر من الوجوب إلى الندب.
وهذا التوجيه حسن لو صح حديث قيس بن عاصم، أما من لم يصحح الحديث، ولا يرى ثبوت الأحكام الشرعية بالأحاديث الضعيفة، فإن الأصل براءة الذمة حتى يثبت دليل صحيح خال من النزاع، وهذا ما لم يتحقق في مسألتنا هذه، والله أعلم.
•
دليل من قال: يجب عليه الغسل إن كان جنبًا حال كفره:
قالوا: لا خلاف في أن الكافر إذا بال في حال كفره، ثم أسلم، أنه يلزمه الوضوء إذا أراد الصلاة، فإذا كان ذلك في الحدث الأصغر، فكذلك الحدث الأكبر، فإذا أجنب قبل أن يسلم، ثم أسلم، فإنه يلزمه الغسل قياسًا على البول.
• وأجيب:
بأن الله سبحانه وتعالى قال: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)[الأنفال: 38].
ولحديث عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإسلام يهدم ما قبله) رواه مسلم
(1)
.
(1)
صحيح مسلم (192 - 121).
ولأنه أسلم خلق كثير لهم الزوجات والأولاد، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل وجوبًا، ولو وجب لأمرهم به.
ولأن الكافر إذا أسلم لا يطالب بقضاء الصلاة ولا بقضاء الصوم، فكذلك لا يطلب بما فعله حال كفره قبل أن يلتزم أحكام الإسلام.
وأما القياس على البول فهو قياس مع الفارق، فهو لم يجب عليه الوضوء للصلاة بسبب الحدث السابق حال كفره، وإنما هو مخاطب عند القيام إلى الصلاة بأن يكون على طهارة، وهو لم يفعلها، وقد قال سبحانه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
…
) [المائدة: 6]، فكان فعله الوضوء بناءً على امتثال أمر الله سبحانه وتعالى حال إسلامه، وليس بسبب الحدث القائم وقت كفره.
ورده النووي بقوله:
أما الآية الكريمة والحديث فالمراد بهما غفران الذنوب، فقد أجمعوا على أن الذمي لو كان عليه دين أو قصاص لا يسقط بإسلامه، ولأن إيجاب الغسل ليس مؤاخذة وتكليفًا بما وجب في الكفر، بل هو إلزام شرط من شروط الصلاة في الإسلام فإنه جنب والصلاة لا تصح من الجنب، ولا يخرج بإسلامه عن كونه جنبًا، والجواب عن كونهم لم يؤمروا بالغسل بعد الإسلام أنه كان معلومًا عندهم، كما أنهم لم يؤمروا بالوضوء لكونه معلومًا لهم، والفرق بين وجوب الغسل ومنع قضاء الصوم والصلاة من وجهين.
أحدهما: ما سبق أن الغسل مؤاخذة بما هو حاصل في الإسلام، وهو كونه جنبًا بخلاف الصلاة.
والثاني: أن الصلاة والصوم يكثران فيشق قضاؤهما، وينفر عن الإسلام، وأما الغسل فلا يلزمه إلا غسل واحد، ولو أجنب ألف مرة وأكثر، فلا مشقة فيه.
• الراجح من الأقوال:
بعد استعراض أدلة الأقوال، نجد أن أقرب الأقوال إلى الصحة القول بعدم الوجوب، لعدم ثبوت دليل صحيح يقضي بوجوب الغسل، والله أعلم.
* * *