الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
دليل من قال: يجوز بلا كراهة بشرط غسل الأذى:
هذا القول من ابن القاسم مبني على أن ذكر الإنسان لا يسلم من المني والمذي، وهما نجسان في مذهب المالكية كما سنبينه إن شاء الله تعالى في باب النجاسات. فإذا غسل الإنسان الأذى عنه أصبح بدنه طاهرًا، فلا كراهة في هذه الحالة في انغماسه في الماء الدائم، لأن الماء لا ينجس إلا بملاقاته النجاسة، ولا نجاسة هنا.
وهذا قول ضعيف أيضًا؛ لأن النهي لو كان خوفًا من تلوث الماء بالنجاسة؛ لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى غسل الأذى قبل الاغتسال، خاصة وأنه يسن لمن أراد الغسل أن يغسل فرجه وما أصابه من أذى في أول غسله، فالنص النبوي مطلق، سواءً غسل الأذى أو لم يغسله، ولا يجوز أن يخص النص العام ولا يقيد النص المطلق إلا بنص مثله.
•
دليل من قال: إن النهي عن الجمع بين البول والاغتسال:
(838 - 158) استدلوا بما رواه البخاري من طريق أبي الزناد، عن الأعرج،
أنه سمع أبا هريرة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه.
هذا القول خرجه أصحابه على إمكان نصب كلمة (يغتسل)
فقوله: (ثم يغتسل فيه) وذلك على تقدير (أن) محذوفة بعد حرف العطف (ثم) وكأنهم جعلوا (ثم) مقام واو المعية، أي: وأن يغتسل فيه.
فكأنه نهى عن البول والاغتسال معًا، أي نهى عن الجمع بينهما، وليس فيه تعرض للبول مفردًا، أو للاغتسال مفردًا.
وهذا الحمل مبني على تجويز نصب كلمة (يغتسل)، وتفسير النصب بأنه محمول على النهي عن الجمع بين البول والاغتسال.
والذي يدل على أن النصب إنما ذكره النحاة من باب التجويز، وليس من باب الرواية.
(1)
.
فهذا واضح أن الكلام على التخريج اللغوي، وليس مبنيًا على رواية محفوظة، رواها الرواة بالنصب، وقام النحويون بتخريجها بناءً على ما حفظ من أفواه الرواة، فالمشهور في الحديث كما قال ابن حجر هو على رفع (ثم يغتسلُ فيه)
(2)
.
(1)
الفتح تحت رقم (238).
(2)
قال ابن حجر في الفتح تحت رقم (238): «قوله: (ثم يغتسلُ فيه) بضم اللام على المشهور» .
فيكون قوله (ثم يغتسل فيه): خرج مخرج التعليل، أي: لا تبل في هذا الماء الراكد؛ لأنه ليس من الحزم، ولا من المروءة أن تبول فيه، وأنت ستحتاجه عما قليل لغسل، أو وضوء أو غيره.
فهو كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زمعة مرفوعًا: لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم. رواه البخاري (5204).
وفي رواية لمسلم (2855): إلام يجلد أحدكم امرأته جلد العبد -وفي رواية: الأمة- ولعلها يضاجعها من آخر يومه.
وهذا الحديث لم يروه أحد بالجزم؛ لأن المراد النهي عن الضرب؛ لأنه يحتاج في مآل حاله إلى مضاجعتها، فتمتنع لإساءته إليها، فلا يحصل له مقصوده.
وهناك طريق آخر عند أبي داود، قال فيه:(لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة) فيكون الحديث فيه النهي عن كل واحد منهما مستقلًا، والجمع بين النهي عن البول في الماء الدائم والنهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم، ولو لم يبل فيه جمع بينهما ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وليس النقاش في ثبوت النهي عن الاغتسال في الماء الدائم للجنب، وإنما جمع الحديثين في حديث واحد انفرد به ابن عجلان في سائر من روى الحديث، وانفراده يوجب ريبة أن الحديث بهذا اللفظ لم يثبت، وقد اختلف على ابن عجلان أيضًا في إسناده. كما روى الحديث جماعة عن أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما، لم يذكروا ما ذكره محمد بن عجلان، وقد خرجت الحديث في المجلد الأول في حكم الماء المستعمل في رفع الحدث، فانظره هناك، والله أعلم.
وعلى فرض أن اللفظ ورد بالنصب، فإنه لا يمكن منع أنه ثبت في صحيح مسلم من طريقين مستقلين:
النهي عن البول في الماء الراكد من حديث جابر، والنهي عن الاغتسال في الماء الدائم، وهو جنب دون تعرض للبول.
فيكون قد ورد النهي عن البول منفردًا، وعن الاغتسال منفردًا، وعن الجمع بينهما على تقدير أن تكون رواية النصب محفوظة، والله أعلم ..
• الراجح:
بعد استعراض أدلة الأقوال نجد أن القول بأن اغتسال الجنب في الماء الدائم مكروه، وليس بحرام، هو القول القوي من حيث التعليل، كما أن هذا القول وسط بين قولين: القول بالتحريم مطلقًا، والقول بالجواز إذا غسل ما به من أذى، والله أعلم.
* * *