الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل العاشر
استحباب التيامن في الاغتسال
[م-382] ورد دليل خاص في التيامن في غسل الرأس:
(917 - 237) فقد روى مسلم من طريق القاسم،
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب، فأخذ بكفه، بدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه. رواه البخاري، ومسلم واللفظ لمسلم
(1)
.
وأما التيامن في البدن فالأحاديث كلها تنص على إفاضة الماء على البدن، ولم تذكر أنه بدأ بشقه الأيمن، ثم الأيسر.
فحديث عائشة في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم، في البخاري:(ثم يفيض الماء على جلده كله)
(2)
.
ولفظ مسلم (ثم أفاض على سائر جسده)
(3)
.
وفي رواية أخرى للبخاري (ثم غسل سائر جسده)
(4)
.
(1)
البخاري (258) ومسلم (318).
(2)
البخاري (248).
(3)
مسلم (316).
(4)
البخاري (273).
وكذا قالت ميمونة رضي الله عنها في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد وصفت عائشة وميمونة رضي الله عنهما كل شيء في غسله، من غسل الكفين ثلاثًا، فغسل الفرج، ثم وضوء الصلاة بتقديم اليد اليمنى على اليد اليسرى، والرجل اليمنى على اليسرى، ثم تخليل أصول الشعر، ثم غسل الرأس بثلاث غرفات، ثم غسل القدمين بعد الفراغ من الغسل، فهل يمكن أن يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم التيامن في غسل البدن، من تقديم الشق الأيمن، ثم الأيسر، ولا ينقلان ذلك، بل إن عائشة نقلت تقديم غسل الجانب الأيمن من الرأس، ثم الجانب الأيسر منه، ثم وسط الرأس، ولما كان التيامن في غسل الرأس مشروعًا، حفظ لنا بالنقل الخاص الصريح، فهل نحن بحاجة إلى استخدام عمومات، أو استخدام القياس في استحباب التيامن في غسل البدن، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يغتسل عند أزواجه، وينقلان لنا صفة غسله، ثم لا ينقلان لنا التيامن في غسل البدن؟
إن التيامن إما أن يكون مشروعًا، فيكون أولى الناس بفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكون أمهات المؤمنين قد أهملن نقل هذه الصفة لنا من فعله صلى الله عليه وسلم؟ وإما أن يكون التيامن غير مشروع، ويكون تركهن لنقل التيامن في غسله دليلًا على أنه لم يكن يفعل هذه الصفة، وما تركه عليه الصلاة والسلام كانت السنة تركه، والله أعلم، إنني أبحث عن حديث صحيح صريح في استحباب تقديم الشق الأيمن في غسل البدن من الجنابة، وفي استحباب تأخير الشق الأيسر منه، إن الذي أراه أن البدن عضو واحد، والعضو الواحد الأصل فيه عدم تقسيمه إلى أيمن وأيسر، نعم ورد هذا في الرأس على خلاف الأصل، فنقتصر عليه، ولا نتعداه، انظر إلى الأذنين في الوضوء لما كانت من الرأس بحكم العضو الواحد مسحا جميعًا دون تقصد في تقديم اليمنى على اليسرى، مع أنه لو قيل في التيامن في مسح الأذنين لم يبعد؛ لأن الأذنين في واقع الأمر عضوان مستقلان، فما بالك بالبدن الذي هو عضو واحد، فإذا كان الأمر ليس فيه حديث صريح في غسل الجنابة والحيض، فهل يقاس غسل الجنابة على غسل الميت،
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم عطية رضي الله عنها: (ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها). رواه البخاري ومسلم
(1)
.
فهل كان غسل الجنابة لا يتكرر فعله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نضطر إلى القياس في عبادة كانت تفعل كثيرًا في بيوت أمهات المؤمنين، ونقلن رضي الله عنهن ما شاهدنه من فعله عليه الصلاة والسلام، ولم يذكرن في حديث واحد، أنه كان يبدأ بالشق الأيمن على الشق الأيسر؟
(918 - 238) أو نحتاج إلى أخذ استحباب التيامن، بما رواه البخاري، ومسلم
(2)
، من طريق شعبة، عن الأشعث بن سليم، سمعت أبي يحدث عن مسروق،
عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله.
أليس هذا الحديث مطلقًا، وليس نصًا في غسل الجنابة؟ فلماذا لم يؤخذ من هذا الحديث المطلق استحباب تقديم الأذن اليمنى على الأذن اليسرى، وذهب الفقهاء إلى أنهما يمسحان معًا، أو ذهب الفقهاء إلى استحباب تقديم الجانب الأيمن في مسح الرأس في الحدث الأصغر، خاصة أن التيامن في الرأس محفوظ في غسل الجنابة، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد فعل التيامن في غسل بدنه من الجنابة، فلماذا لم تنقله عائشة وميمونة وغيرهما؟ وإذا كان لم يفعله فلماذا نستحب فعله اتكاء على حديث لم يكن سياقه في غسل الجنابة؟
أليس نقل عائشة وميمونة بمثابة نقل لترك التيامن في غسل الجنابة، وليس غفلة منهما عن نقله؟
وعلى كل حال إن كانت المسألة إجماعًا في تقديم غسل الجانب الأيمن على الجانب
(1)
البخاري (167) ومسلم (42/ 939).
(2)
البخاري (168)(426) ومسلم (268).
الأيسر فهذا مسلم للإجماع؛ لأنه من الأدلة الشرعية، وإن لم يكن مسلمًا فإني أترك هذه المسألة ليتأملها الباحثون وطلبة العلم، فيوجدوا أجوبة لما ذكرته، والله أعلم.
* * *