الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث الموجب لغسل اليدين في غسل الجنابة
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• الطهارة متى أمر بها لتحصيل النظافة، ثم دخلتها أحكام العبادة المحضة شرع الإتيان بها ولو كانت نظيفة، ولم يراع سببها، فغسل اليدين قبل غسل الجنابة حين دخله العدد غلبت عليه أحكام العبادة المحضة.
[م-367] اختلف العلماء في موجب غسل اليدين،
قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون غسلهما من أجل النظافة، وإزالة ما بهما من مستقذر
(1)
.
قلت: يمنع من هذا اعتبار العدد في غسلهما، فإنه لو كان الأمر من أجل النظافة وإزالة المستقذر فقط لاكتفى بذلك بغسلة واحدة، فإن النجاسة العينية تكفي في غسلها غسلة واحدة تذهب بعينها، فلما كان الغسل ثلاث مرات، كان الأمر ليس من أجل النظافة، أو إزالة النجاسة، أو المستقذر.
(1)
الفتح، تحت رقم (248).
وهذا الخلاف ليس لفظيًا، فمن قال: إن الغسل من أجل النظافة، لم ير أن غسلهما مشروع فيما لو كانت يده نظيفة، أو كان قد غسلهما، ثم أحدث، فإذا استأنف الوضوء لم يشرع له إعادة غسلهما، كما أنه لا يرى وجوب النية في غسلهما؛ لأن الغسل إذا كان من قبيل النظافة، أو إزالة النجاسة لم تكن النية واجبة، بخلاف من يرى أن غسلهما من أجل الوضوء فحسب، سواءً كانت اليد نظيفة، أو غير نظيفة.
فالراجح أن غسل اليدين مشروع، حتى ولو كانت اليد نظيفة؛ لأن الطهارة إذا دخلتها أحكام العبادة المحضة غلبت عليها، فلم يراع فيها السبب، فغسل اليدين حين دخله العدد غلبت عليه أحكام العبادة المحضة، ومثله غسل الجمعة أصله إزالة الرائحة، فلما دخلت عليه أحكام العبادة لزمه الاتيان به، وإن لم يوجد سببه، والله أعلم.
قال الحافظ: ويحتمل أن يكون غسلهما هو الغسل المشروع عند القيام من النوم
(1)
.
(887 - 207) وقد أخذ ذلك بما رواه مسلم من طريق زائدة، عن معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ، فغسل يديه قبل أن يدخل يده في الإناء، ثم توضأ مثل وضوئه للصلاة
(2)
.
ورواه الشافعي والترمذي من طريق سفيان بن عيينة، عن هشام به، وذكر غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء.
وكونه غسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ليس فيه دليل على أن ذلك بسبب القيام من النوم، بل كان ذلك هديه صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يتوضأ غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء،
(1)
المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
(2)
مسلم (316).
(888 - 208) فقد روى البخاري من طريق ابن شهاب، أن عطاء ابن يزيد أخبره،
أن حمران مولى عثمان أخبره أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء، فأفرغ على كفيه ثلاث مرار فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق. الحديث. وأخرجه مسلم
(1)
.
فلم يدخل يمينه في الإناء حتى غسلها ثلاثًا، ولم يكن ذلك بسبب القيام من نوم الليل، لأن الحديث مطلق، نعم إذا كان غسل اليد بعد القيام من نوم الليل فإن غسلهما يتأكد، وقد قال بعض العلماء بالوجوب، وقد ذكرت خلاف العلماء في ذلك في باب المياه، والدليل على تأكد غسلهما إن كان ذلك بعد القيام من النوم،
(889 - 209) ما رواه مسلم حديث أبي هريرة: إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده. ورواه البخاري دون قوله ثلاثًا
(2)
.
فالذي يظهر أن غسل الكفين ثلاثًا في ابتداء الغسل كان من أجل الوضوء، فَفَعَلَ في وضوء غسله، كما كان يفعل في وضوئه المعتاد، والله أعلم، ومن أدخل يديه في الإناء قبل غسلهما لم يضر ذلك وضوءه، فإن كانت يده نظيفة فالأمر ظاهر، يد طاهرة لاقت ماء طهورًا فلم تؤثر فيه.
وإن كان في يده نجاسة، وتغير الماء بالنجاسة نجس إجماعًا، وإن لم يتغير الماء رجعت هذه المسألة إلى مسألة أخرى سبق أن حُرِّرت الأقوال فيها، وهي في حكم الماء إذا لاقته نجاسة فلم تغيره، وقد فصلت القول فيها في كتاب المياه.
وقد ترجم البخاري بابًا في صحيحه، بعنوان: باب هل يدخل الجنب يده في
(1)
صحيح البخاري (160)، ومسلم (226).
(2)
مسلم (278)، البخاري (162).
الإناء قبل أن يغسلها إذا لم يكن على يده قذر غير الجنابة، ثم ساق حديث القاسم، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، تختلف أيدينا فيه، ورواه مسلم
(1)
.
كما ساق أثرًا معلقًا، قال البخاري: أدخل ابن عمر، والبراء بن عازب يده في الطهور، ولم يغسلها، ثم توضأ
(2)
.
قال الحافظ في الفتح في توجيه الاستدلال بحديث عائشة: «لما جاز للجنب أن يدخل يده في الإناء، ليغترف بها قبل ارتفاع حدثه؛ لتمام الغسل كما في حديث الباب، دل على أن الأمر بغسل يده قبل إدخالها ليس لأمر يرجع إلى الجنابة، بل إلى ما لعله يكون بيده من نجاسة متيقنة أو مظنونة» .
قلت: هذا التوجيه مبني على قول: إن الحدث لا يرتفع عن العضو المغسول حتى يرتفع الحدث عن البدن كله، أما من يرى: أن كل عضو تم غسله فقد ارتفع حدثه، فلا يتوجه هذا الاستدلال، هذا من جهة، ومن جهة أخرى قول الحافظ: إن غسل اليد لا يرجع إلى أمر الجنابة، بل إلى ما لعله يكون بيده من نجاسة متيقنة أو مظنونة، ينتقض ذلك باستحباب غسل اليد، ولو تيقن نظافتها، فغسل اليد في ابتداء الوضوء والغسل إن كانت اليد بحاجة إلى النظافة فظاهر، وإلا كان غسلهما تعبدي، وذلك لكون غسلهما يسن فيه التثليث، وغسل النجاسة يكفي فيه غسلة واحدة تذهب بعينها، والله أعلم.
* * *
(1)
البخاري (261)، ومسلم (316).
(2)
قال الحافظ: أما أثر ابن عمر فوصله عبد الرزاق بمعناه، وأما أثر ابن عباس فوصله ابن أبي شيبة عنه، وعبد الرزاق من وجه آخر أيضًا عنه. اهـ
قلت: أثر ابن عمر يدل على أن غسل اليد قبل إدخاله في الإناء ليس بواجب، وليس يدل على عدم المشروعية عند نظافة اليد، فتأمل.