الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن
في نوم الجنب
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• أحكام النوم كأحكام اليقظة، فإذا لم يجب الوضوء لليقظة لم يجب للنوم من باب أولى؛ لأن النوم مبطل للطهارة الصغرى.
• كل وضوء لا يخرج صاحبه من حال الحدث إلى الطهارة لا يكون واجبًا، كوضوء الجنب، ومن به حدث دائم.
• الوضوء تارة يكون واجبًا، وتارة يكون مستحبًا: فيكون واجبًا إذا كان الوضوء وسيلة لتحصيل بعض العبادات الواجبة كالصلاة، ومستحبًا إذا قصد لذاته، أو كان وسيلة لتحصيل بعض العبادات المستحبة كالذكر.
• وضوء الجنب للنوم لا يتعلق به وجوب؛ لأن النوم مباح، ووسيلة المباح لا يكون واجبًا.
• الوضوء قبل النوم مشروع بالاتفاق، والجنب كغيره
(1)
.
(1)
لما رواه مسلم (2710) من حديث البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أخذت مضعجك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك
…
الحديث.
• اختلفوا في تعليل الوضوء للجنب:
فقيل: الوضوء للجنب طلبًا للنشاط.
وقيل: من أجل المبيت على إحدى الطهارتين.
وبناءً على هذا الاختلاف اختلفوا في وضوء الحائض قبل أن تنام:
فمقتضى التعليل بالمبيت على إحدى الطهارتين أن تتوضأ الحائض؛ لأن المعنى موجود فيها.
ومقتضى التعليل بحصول النشاط ألا تؤمر به الحائض.
وإذا أحدث بعد الوضوء، فإن قلنا: لينام على إحدى الطهارتين أعاد الوضوء استحبابًا، وإن قلنا: الوضوء للنشاط لا يعيد.
وقيل شرع الوضوء؛ لأن النوم وفاة، فشرع للجنب نوع من الطهارة كالموت، وهذا التعليل لا يخص الجنب؛ لأن النوم وفاة في حق الجميع.
• وضوء الجنب هل هو رفع للحدث الأصغر، أو تخفيف للحدث الأكبر بتقديم أعضاء الوضوء بالغسل لشرفها، كما قال في غسل ابنته: اغسلنها وابدأن بمواضع الوضوء منها؟ لأن الحدث الأصغر لا يرتفع مع بقاء الأكبر، ولذلك لا ينتقض هذا الوضوء ببول، ولا غائط، ولا يبطل بشيء إلا بمعاودة الجماع؛ لأن هذا الوضوء لم يرفع حدثًا حتى يقال: بطل حكمه.
[م-347] اتفق العلماء على جواز النوم للجنب قبل الاغتسال، واختلفوا في جواز النوم قبل الوضوء،
فقيل: الوضوء قبل أن ينام أفضل، وهو مذهب الحنفية
(1)
،
وإليه مال ابن عبد البر
(1)
وعبارة الفتاوى الهندية أن الوضوء حسن، قالوا (1/ 16):«ولا بأس للجنب أن ينام ويعاود أهله قبل أن يتوضأ، وإن توضأ فحسن» . فهذه العبارة لا يؤخذ منها سنية الوضوء للجنب، كما لا يؤخذ منها استحباب الوضوء له، وإنما يدل على أن الوضوء من الفضائل فحسب. وانظر بدائع الصنائع (1/ 38).
بينما الزيلعي في تبيين الحقائق (1/ 3) اعتبر الوضوء للجنب عند إرادة النوم سنة.
وفي شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 125) بعد أن ساق حديث أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينام وهو جنب، ولا يمس ماء.
قال الطحاوي: فذهب قوم إلى هذا، وممن ذهب إليه أبو يوسف، فقالوا: لا نرى بأسًا أن ينام الجنب من غير أن يتوضأ؛ لأن التوضئ لا يخرجه من حال الجنابة إلى حال الطهارة، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ينبغي له أن يتوضأ للصلاة قبل أن ينام».
فهذا ظاهره أن أبا يوسف لا يرى الوضوء للنوم من الجنب؛ لأنه جعل قول أبي يوسف في مقابلة قول من قال: ينبغي له أن يتوضأ، حيث قال الطحاوي: وخالف أبا يوسف آخرون، فقالوا: ينبغي له أن يتوضأ، فمعنى ذلك أن قول أبي يوسف: أنه لا ينبغي للجنب أن يتوضأ، وهذا قول آخر في مذهب الحنفية.
وقد فهم هذا الفهم أيضًا صاحب التاج والإكليل (1/ 145) من المالكية، فقال:«ونقل الطحاوي أن أبا يوسف ذهب إلى عدم الاستحباب، وتمسك بما رواه أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، أنه صلى الله عليه وسلم كان يجنب، ثم ينام، ولا يمس ماء» .
رحمه الله
(1)
.
وقيل: يندب للجنب أن يتوضأ قبل أن ينام، هو مذهب المالكية
(2)
،
(1)
قال ابن عبد البر في التمهيد (17/ 44): «وأولى الأمور عندي في هذا الباب، أن يكون الوضوء للجنب عند النوم كوضوء الصلاة حسنًا مستحبًا، فإن تركه فلا حرج؛ لأنه لا يرفع به حدثه، وإنما جعلته مستحبًا، ولم أجعله سنة لتعارض الآثار فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، واختلاف ألفاظ نقلته، ولا يثبت ما كانت هذه حاله سنة» .
(2)
في مذهب المالكية وقفت على ثلاثة أقوال: القول بأنه مندوب، وآخر بأنه مرغب فيه، أي من الفضائل، وثالث: بأنه واجب، ففي الشرح الصغير (1/ 176) اقتصر على القول بالندب فقط، وهو ما اختاره خليل في مختصره رحمه الله تعالى (ص: 17)، وتابعه عليه شراح المختصر، كما في حاشية الدسوقي (1/ 138)، وتأتي عبارته بعد قليل إن شاء الله تعالى.
…
وجاء في شرح الزرقاني (1/ 143): «ذهب الجمهور إلى أنها للاستحباب -يعني وضوء الجنب للنوم- وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه، وهو شذوذ» .
وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 142): ظاهر مذهب مالك أنه ليس بواجب، وإنما هو مرغب فيه».
وهذا يجعل الوضوء أقل من المندوب؛ لأن المستحب والمرغب فيه عند فقهاء المالكية يلحق بالفضائل، وليس بالسنن.
وهناك قول بالوجوب عند المالكية، ونسب إلى مالك، ولكن أكثر أصحابه على عدم ثبوت هذا القول عن مالك، قال ابن العربي في العارضة كما في شرح الزرقاني (1/ 142):«قال مالك والشافعي: لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ، وأُنْكِر عليه؛ لأنهما لم يقولا بوجوبه، ولا يعرف عنهما» .
وقد قال الدسوقي في حاشيته (1/ 138): «لا خلاف في أن الجنب مأمور بالوضوء قبل النوم، وهل الأمر بذلك واجب أو ندب؟ في المذهب قولان» .
وعبارة المدونة (1/ 30): «قال مالك: لا ينام الجنب حتى يتوضأ، ولا بأس أن يعاود أهله قبل أن يتوضأ، قال: ولا بأس أن يأكل قبل أن يتوضأ، قال: وأما الحائض فلا بأس أن تنام قبل أن تتوضأ، وليس الحائض في هذا بمنزلة الجنب. اهـ
فنهى مالك الجنب أن ينام حتى يتوضأ، وجَوَّز أكل الجنب ومعاودته الوطء بدون وضوء، كما جوز النوم للحائض بدون وضوء، وقوله: ليس الحائض بمنزلة الجنب، فظاهر هذا الكلام أن مالك يرى وجوب الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام، فقول ابن العربي ليس بمستنكر، خاصة أن الدسوقي في حاشيته ذكر أن في المذهب المالكي قولين: الوجوب والندب، وممن قال بالوجوب من المالكية ابن حبيب، فيستغرب كيف يقول ابن عبد البر: إن القول بالوجوب شاذ، فيكفي أنه قد قال به اثنان من المالكية: ابن حبيب وابن العربي، وهو ظاهر عبارة الإمام في المدونة، أضف إلى ذلك، أن القول بالوجوب هو ظاهر السنة، حيث علق جواز النوم بشرط الوضوء، فجاء في الحديث: «أينام الجنب؟ قال: نعم إذا توضأ وسيأتي تخريجه في ذكر الأدلة إن شاء الله تعالى.
وقيل: يكره أن ينام بدون وضوء، وهو مذهب الشافعية
(1)
، والمشهور عند
(1)
المهذب (1/ 30)، وقال النووي في المجموع (2/ 178):«ويكره للجنب أن ينام حتى يتوضأ» . وانظر: مغني المحتاج (1/ 63)، روضة الطالبين (1/ 87)، حاشيتا قليبوبي وعميرة (1/ 78)، الفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي (1/ 63).
وفي إعانة الطالبين (1/ 79): ويحصل أصل السنة بغسل الفرج إن أراد نحو جماع أو نوم أو أكل أو شرب، وإلا كره. اهـ