الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في اغتسال الرجل وزوجه من إناء واحد وهما جنبان
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• جواز وضوء الرجل من فضل المرأة الجنب والعكس.
• سؤر فضل وضوء المرأة كسؤر شرابها طهور على الصحيح.
• سؤر بهيمة الأنعام حتى الهرة طهور، فسؤر طهور المرأة أولى، فهي كما قال
ابن عباس: ألطف بنانًا وأطيب ريحًا.
• ما يرفع حدث المرأة يرفع حدث الرجل.
• فضل وضوء الرجل طهور بالإجماع، والنساء شقائق الرجال.
(871 - 191) روى البخاري في صحيحه من طريق إبراهيم، عن الأسود،
عن عائشة، قالت: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، كلانا جنب، ورواه مسلم
(1)
.
(1)
البخاري (299)، ومسلم (316).
وفي الصحيحين: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة
(1)
.
وفيهما: تختلف فيه أيدينا
(2)
.
(872 - 192) وفي رواية لمسلم: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد، فيبادرني حتى أقول: دع لي، قالت: وهما جنبان
(3)
.
وللبخاري: نغرف منه جميعًا
(4)
.
ففي هذا الحديث دليل واضح على جواز وضوء الرجل من فضل المرأة الجنب والعكس؛ لأن اغتسالهما من إناء واحد يعني أن كلًا منهما يغتسل بفضل صاحبه.
[م-362] وقد اختلف في الوضوء من فضل الجنب في الصدر الأول، بين ابن عمر رضي الله عنه، وبين ابن عباس رضي الله عنه.
(873 - 193) فقد روى مالك، عن نافع،
أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا بأس أن يغتسل بفضل المرأة ما لم تكن حائضًا أو جنبًا
(5)
.
[صحيح موقوف].
وبه أخذ إبراهيم النخعي، فقد قال ابن المنذر: انفرد إبراهيم النخعي بكراهة فضل المرأة إن كانت جنبًا
(6)
.
وخالفهما حبر الأمة وترجمان القرآن، ابن عباس رضي الله عنهما.
(1)
البخاري (263)، ومسلم (316).
(2)
البخاري (261)، ومسلم (221) وكلمة (من الجنابة) جاءت في البخاري بلفظ آخر.
(3)
مسلم (46 - 321).
(4)
البخاري (273).
(5)
الموطأ (1/ 52).
(6)
الأوسط (1/ 297).
فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي يزيد المديني، قال:
سئل ابن عباس عن سؤر المرأة، فقال: هي ألطف بنانًا، وأطيب ريحًا
(1)
.
[ورجاله ثقات].
وقد ذهب إلى الأخذ برأي ابن عباس جماهير أهل العلم، فأجازوا الوضوء بفضل المرأة، جنبًا كانت، أو غير جنب
(2)
،
وهو رواية عن أحمد، اختارها ابن عقيل من الحنابلة
(3)
، ورجحه ابن المنذر
(4)
،
قال ابن عبد البر في التمهيد: «والذي ذهب إليه جمهور العلماء، وجماعة فقهاء الأمصار، أنه لا بأس أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة، وتتوضأ المرأة بفضله، انفردت بالإناء، أو لم تنفرد، وفي مثل هذا آثار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم صحاح، والذي يُذْهَب إليه أن الماء لا ينجسه شيء، إلا ما ظهر فيه من النجاسات، أو غلب عليه منها، فلا وجه للاشتغال بما لا يصح من الآثار والأقوال، والله
(1)
المصنف (348).
(2)
انظر في مذهب الحنفية: تبيين الحقائق (1/ 31)، شرح معاني الآثار (1/ 26)، المبسوط (1/ 61، 62)، حاشية ابن عابدين (1/ 133).
وفي مذهب المالكية: الخرشي (1/ 66)، مختصر خليل (ص: 5)، بداية المجتهد (1/ 294)، التاج والإكليل (1/ 72)، المنتقى شرح الموطأ (1/ 63)، أحكام القرآن لابن العربي (3/ 442)، الاستذكار (1/ 372)، حاشية الدسوقي (1/ 35).
وفي مذهب الشافعية: الأم (1/ 21)، المجموع (2/ 221)، طرح التثريب (2/ 39، 40)، تحفة المحتاج (1/ 77).
(3)
المغني (1/ 136).
(4)
قال في الأوسط (1/ 295): «والذي نقول به الرخصة في أن يغتسل كل واحد منهما ويتوضأ بفضل طهور صاحبه، وإن كانا جنبين أو أحدهما، أو كانت المرأة حائضًا، وسواءً ذلك خلت به، أو لم تخل به، لثبوت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على صحة ذلك. اهـ
المستعان»
(1)
.
(2)
.
وخالف الحنابلة الجمهور في مسألتين:
في تفسير فضل المرأة، وفي حكمه:
فقالوا في تفسير فضل المرأة: هو الماء الذي خلت به المرأة من مشاهدة مميز، سواءً كان ذكرًا أم أنثى، وليس ما انفردت به.
وهذاه هو المشهور عند المتأخرين من الحنابلة
(3)
.
وأما حكم هذا الماء، فقالوا: طهور في حق المرأة، وليس طهورًا في حق الرجل، فلا يستعمل في رفع حدث الرجل خاصة، ويستعمل في إزالة النجاسة، كما يستعمل
(1)
التمهيد (14/ 165).
(2)
فتح الباري تحت رقم (193).
(3)
قال أحمد كما في مسائل عبد الله (1/ 22، 23): «سمعت أبي يقول: لا بأس أن يتوضأ -يعني بفضل وضوء المرأة- وهو يراها، ما لم تخل به» .
فشرط هنا أن يراها، فيكون معنى الخلوة: هي عدم المشاهدة، ولذلك قال المراداوي في الإنصاف (1/ 49): إن في معنى الخلوة روايتين:
أحدهما: وهي المذهب، أنها عدم المشاهدة عند استعمالها من حيث الجملة.
والثانية: انفرادها بالاستعمال، سواءً شوهدت أم لا، وتزول الخلوة بمشاركته لها في الاستعمال بلا نزاع.
في رفع حدث المرأة والصبي
(1)
، ومذهب ابن حزم قريب منه
(2)
.
وهذا الرأي من غريب الفقه، إذ كيف يكون ماء طهور في حق المرأة، ولا يكون طهورًا في حق الرجل، والحكم بالطهورية هو حكم وضعي، وليس حكمًا تكليفيًا، فإما أن يكون الماء قد طرأ عليه ما يفسده، فَنَقَلَه عن الطهورية إلى غيرها، وإما أن تكون الطهورية باقية، فلا فرق حينئذ بين الرجل والمرأة.
(1)
مذهب الإمام أحمد كما في المشهور من مذهبه عند المتأخرين أن الماء لا يرفع حدث الرجل بشروط، وهي:
الأول: أن تخلو به المرأة عن مشاهدة رجل، أو امرأة، أو مميز، وقد قدمنا أن في المذهب روايتين، هذه أحدهما.
الثاني: أن تكون خلوتها بماء، فلا تضر خلوتها بتراب.
الثالث: أن يكون الماء يسيرًا دون القلتين.
الرابع: أن تكون خلوتها بالماء لطهارة كاملة.
الخامس: أن تكون طهارتها عن حدث، وليس عن إزالة نجاسة.
قال ابن قدامة في المغني (1/ 137): «فإن خلت به في بعض أعضائها، أو في تجديد طهارة، أو استنجاء، أو غسل نجاسة، ففيه وجهان:
أحدهما: المنع؛ لأنه طهارة شرعية.
والثاني: لا يمنع؛ لأن الطهارة المطلقة تنصرف إلى طهارة الحدث الكاملة، وهذا ما عليه المتأخرون من أصحاب أحمد». وانظر في مذهب أحمد الكافي (1/ 62)، الإنصاف (1/ 48)، الفروع (1/ 83)، تنقيح التحقيق (1/ 214)، كشاف القناع (1/ 37).
(2)
والفرق بين اختيار ابن حزم، ومذهب الحنابلة، أن ابن حزم لا يشترط أن تخلو به المرأة عن المشاهدة، بل يكفي أن تنفرد به عن الرجل، ولا يحد ابن حزم الماء اليسير في القلتين، بل يحده بأن يكون الماء المتبقي أقل مما استعملته منه، فإن كان مثله أو أكثر فليس فضلًا، والله أعلم.
والصحيح أن الوضوء بفضل المرأة، جنبًا كانت، أو حائضًا، جائر بلا كراهة، وهل يكون سؤر الهرة أطيب من سؤر المرأة؟ ! ، فيتوضأ الإنسان من سؤر الهرة بدون حرج، ويتحاشى سؤر المرأة.
وقد ذكرت أدلة الأقوال في مسألة مستقلة من كتاب أحكام الطهارة، في مباحث المياه والآنية، فأغنى عن إعادته هنا، والحمد لله.
* * *