الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له قراءة الفاتحة، وله أن يقطع طوافه لشهود صلاة الجنازة، أو لحضور الجماعة، ثم يبني على طوافه بخلاف الصلاة، ولا يحتاج فيه إلى تسوية صفوف، ولا تقديم الرجال على النساء، وله أن يطوف وهو عاري الكتفين، وبالتالي فهذه المخالفات تدل على أن الكلام ليس من عند الرسول صلى الله عليه وسلم:(وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)[النساء: 82]
(1)
.
الدليل الثاني:
دل الدليل على اشتراط الطهارة الصغرى، وما اشترطت فيه الطهارة الصغرى كانت الطهارة الكبرى شرطًا فيه من باب أولى؛ لأنها أغلظ.
والدليل على اشتراط الطهارة الصغرى:
(779 - 99) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أصبغ، عن ابن وهب، أخبرني
(1)
وقد قال بعضهم: إن هذا الحديث على فرض صحته يشبه حديث أبي هريرة في الصحيح، فقد روى البخاري (647) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفًا، وذلك أنه إذا توضأ، فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة. وهو في مسلم (276) بغير هذا اللفظ.
والذي ينتظر الصلاة لا يلزمه ما يلزم المصلي، فله أن يأكل ويلتفت عن القبلة، وغيرها، فقد يكون الطواف صلاة من أجل أن الصلاة شرعت لإقامة ذكر الله، قال تعالى:(وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) والطواف إنما شرع لإقامة ذكر الله، وإن كانت الصلاة في اللغة: الدعاء، والطواف يدعو به الطائف ما شاء من أمور الدنيا والآخرة.
وهذا الكلام ليس دقيقًا؛ لأن هناك فرقًا بين أن أقول: الطواف كالصلاة في الأجر والمثوبة، وبين أن أقول: الطواف صلاة إلا في الكلام، فهذا واضح أن الحديث لم يتعرض للثواب، وإنما تعرض فيما يجب ويلزم ويمنع.
قال الكاساني في بدائع الصنائع (2/ 129) تعليقًا على حديث «الطواف بالبيت صلاة» : يحمل على التشبيه كما في قوله تعالى: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) أي كأمهاتهم، ومعناه أن الطواف كالصلاة إما في الثواب، أو في أصل الفرضية في طواف الزيارة؛ لأن كلام التشبيه لا عموم له فيحمل على المشابهة في بعض الوجوه، عملًا بالكتاب والسنة»، وانظر المبسوط (4/ 38).
عمرو، عن محمد بن عبد الرحمن، ذكرت لعروة، قال:
فأخبرتني عائشة رضي الله تعالى عنها، أن أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ، ثم طاف، ثم لم تكن عمرة. الحديث
(1)
.
ولا يقال: إن الوضوء مجرد فعل من النبي صلى الله عليه وسلم، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، لأننا نقول:
(780 - 100) قد روى مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج، أخبرني
أبو الزبير،
أنه سمع جابرًا يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمى على راحلته يوم النحر ويقول: لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه
(2)
.
قال الشنقيطي: «وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لطوافه، قد دل دليلان على أن الوضوء لازم لا بد منه:
أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: (خذوا عني مناسككم)، وهذا الأمر للوجوب، فلما توضأ للطواف لزمنا أن نأخذ عنه الوضوء للطواف امتثالًا لأمره، في قوله صلى الله عليه وسلم:(خذوا عني مناسككم).
الثاني: أن فعله في الطواف من الوضوء له، ومن هيئته التي أتي به عليها كلها بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى:(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) وقد تقرر في الأصول أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لبيان نص من كتاب الله، فهو على اللزوم والتحتم، ولذا أجمع العلماء على قطع يد السارق من الكوع؛ لأن قطع النبي صلى الله عليه وسلم للسارق من الكوع، بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى:(فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) لأن اليد تطلق على العضو إلى المرفق، وإلى المنكب»
(3)
.
(1)
رواه البخاري (1614)، ومسلم (1235) وفي مسلم قصة.
(2)
صحيح مسلم (1297).
(3)
أضواء البيان (5/ 203).