الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظاهرة في الوجوب، وبعضها بلفظ:(الغسل على كل مسلم) ولا يمنع أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم رغبهم بالغسل أول الأمر، ثم أوجبه عليهم، فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم تدرج بهم كشأن بعض الأحكام الشرعية، والله أعلم.
الدليل الخامس:
(726 - 46) ما رواه البخاري، من طريق عمرو بن سليم الأنصاري، قال:
أشهد على أبي سعيد، قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن، وأن يمس طيبًا إن وجد.
قال عمرو: أما الغسل فأشهد أنه واجب، وأما الاستنان والطيب فالله أعلم، أواجب هو أم لا؟ ولكن هكذا في الحديث. ورواه مسلم دون قول عمرو
(1)
.
وجه الاستدلال:
ظاهر الحديث وجوب الاستنان والطيب لذكرهما بالعطف على الغسل، فالتقدير الغسل واجب، والاستنان والطيب كذلك، وليس الطيب والاستنان بواجبين اتفاقًا، فدل على أن الغسل ليس بواجب، إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد.
• وأجيب بعدة أجوبة، منها:
الأول: لا نسلم أن دلالة الاقتران، تعني التساوي في الحكم، لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف، وقد قال سبحانه وتعالى:(كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)[الأنعام: 141]، والأكل مباح، ودفع الحق واجب.
ثانيًا: على التسليم بأن الحديث ظاهر في وجوب الاستنان والطيب، فيقال: قد دل الإجماع على خروج الطيب والاستنان من القول بالوجوب، وبقي ما عداه على الأصل، وهو وجوب الغسل.
(1)
صحيح البخاري (880)، ومسلم (846).
ثالثًا: لا نسلم حكاية الإجماع بأن الطيب والاستنان ليسا واجبين، فالخلاف محفوظ فيهما، فأما الاستنان، فالقول بوجوبه ذهب إليه داوود الظاهري
(1)
، ونُسِبَ هذا القول إلى إسحاق بن راهوية
(2)
.
وقد استعرضت أدلة الأقوال في كتابي سنن الفطرة، وهو جزء من هذه السلسلة، والله الموفق.
وأما الطيب، فقد قال الحافظ ابن حجر: روى سفيان بن عيينة في جامعه عن
أبي هريرة أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة. وإسناده صحيح، وكذا قال بوجوبه بعض أهل الظاهر
(3)
.
وإن كنت أرجح أن الطيب والاستنان ليسا واجبين، وظاهر حديث أبي سعيد يفيد الوجوب في الجميع، لكن لا يمنع أن يقال: خرج الطيب والاستنان من القول بالوجوب بدليل آخر، وبقي غسل الجمعة على الوجوب، ولذلك روى البخاري عن عمرو بن سليم الأنصاري الراوي لحديث أبي سعيد قوله: أما الغسل فأشهد أنه واجب، وأما الاستنان والطيب فالله أعلم أواجب هو أم لا؟ ولكن هكذا في الحديث.
مما يدل على أن فهم السلف للوجوب على ظاهره، وهو الإلزام، ولذلك شهد
(1)
المنتقى شرح الموطأ (1/ 130)، مواهب الجليل (1/ 264)، المغني - لابن قدامة (1/ 69) قال:«ولا نعلم أحدًا قال بوجوبه إلا إسحاق وداود» .
وقال النووي في المجموع (1/ 327): «السواك سنة، وليس بواجب. هذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافة إلا ما حكى الشيخ أبو حامد، وأكثر أصحابنا عن داود، أنه أوجبه. وحكى صاحب الحاوي أن داود أوجبه، ولم يبطل الصلاة بتركه، . قال: وقال إسحاق بن راهويه: هو واجب، فإن تركه عمدًا بطلت صلاته. وهذا النقل عن إسحاق غير معروف، ولا يصح عنه، وقال القاضي أبو الطيب والعبدري: غلط الشيخ أبو حامد في حكايته وجوبه عن داود، بل مذهب داود أنه سنة؛ لأن أصحابنا نصوا أنه سنة، وأنكروا وجوبه، ولا يلزم من هذا الرد على
أبي حامد». اهـ
(2)
المجموع (1/ 327)، المغني - لابن قدامة (1/ 69).
(3)
الفتح تحت رقم (879).