الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكي عن بعض المتقشفين أنه كان يشارط الحمامي على قدر ما يستعمله من الماء، ولا يحتاج الأمر إلى ذلك إن شاء الله تعالى؛ لأن فاعله بعد مستهجنًا، وكان يلزمه أن يجلس في الحمام بالمنكام؛ لينضبط له مقدار الزمان. ولم يجعل الله سبحانه وتعالى علينا في الدين من حرج، بل أموال اليتامى التي من تعمد أكلها أطعم يوم القيامة نارًا، قد أباح الله تعالى شركتهم في أطعمتهم من غير تقدير، بل بما جرت به العادة، وقال تعالى:(وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[البقرة: 220]
(1)
.
(2)
.
الدليل السادس:
أن دخول الحمام وإن كان الإنسان قد يعرف من نفسه القيام بستر العورة، لكنه لا يضمن ذلك من قبل الناس، فلا يجوز له أن ينظر إلى عورة الناس، كما يجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم يمتثل الناس اعتزلهم، وإذا كان الناس في الأزمان المتقدمة يغلب عليهم الحياء، فإنهم في هذا العصر انقلبت فطر كثير منهم، وصاروا يمشون عراة على شواطئ البحار من غير نكير، لا تعرف الرجل منهم من المرأة، ولم يقتصر الأمر على العورة المخففة، بل قد يصل ذلك إلى العورة المغلظة، فيجب قطع الباب سدًا للذريعة.
• وأجيب:
بأن دخول الحمام محرم إذا اشتمل على فعل محرم، وذلك مثل كشف العورة، أو
(1)
الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام (ص: 96).
(2)
حاشية ابن عابدين (5/ 32).
تعمد النظر إلى عورة الغير، أو كان فيه تمكين للأجنبي بمس العورة، وقد أجمع العلماء على أن ستر العورة واجب بالنص والإجماع.
وممن حكى الإجماع على ذلك ابن كثير
(1)
، والنووي
(2)
، وغيرهم، وإنما تنازع الناس في حكم كشف العورة في الوحدة، وسبق ذكرها في بحث مستقل في ذكر هذه المسائل وأدلتها.
واعلم أن دخول الحمام قد يكون محرمًا، وقد يكون واجبًا، وقد يكون مستحبًا، وقد يكون مباحًا، وقد يكون مكروهًا، فتدخله الأحكام الخمسة.
فيكون محرمًا، إذا اشتمل على فعل محرم، كأن يترتب على دخوله ترك للصلاة، أو كشف للعورات.
يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: «الواجب على الكافة منعهن من تعاطي مثل ذلك، فإنه مما يترتب عليه من المفاسد الخاصة والعامة، اللازمة والمتعدية ما الله به عليم، وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد، كما منعت نساء بني إسرائيل
(3)
.
فهذا قولها في المساجد التي زجر النبي صلى الله عليه وسلم الرجال أن يمنعوهن إذا أردن الخروج إليها، فيكف بالحمامات»
(4)
.
وقد يكون دخول الحمام واجبًا إذا احتاج إلى طهارة واجبة، لا يمكنه فعلها إلا في الحمام، كالغسل من الجنابة، والحيض، والنفاس، أو للجمعة على القول بوجوبه، ولا يمكنه الاغتسال بالماء البارد ولا بغيره بالبيت، فهذا يجب عليه الذهاب للاغتسال؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
(1)
الآداب المتعلقة بدخول الحمام (ص: 48).
(2)
المجموع (3/ 171).
(3)
البخاري (869)، ومسلم (445).
(4)
الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام (ص: 37).