الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[م-293] واختلفوا في خروج المني بدون لذة كما لو خرج لعلة من مرض أو برد ونحوهما؟
فقيل: لا يوجب الغسل، وهو مذهب الجمهور
(1)
.
وقيل: إذا خرج المني وجب الغسل على أي صفة خرج، وهو مذهب الشافعي
(2)
.
•
دليل الجمهور على اشتراط الدفق بلذة:
الدليل الأول:
من القرآن قوله تعالى: (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ) [الطارق: 5، 6].
وجه الاستدلال:
أن الماء الذي يجب منه الغسل إنما هو الماء الذي يكون منه الولد، وقد ذكر الله لنا صفته، بقوله:(خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ) فإذا خرج بدون دفق فلا يعتبر هو الماء الذي يكون منه الولد، والذي يجب به الغسل.
الدليل الثاني:
(681 - 1) ما رواه أحمد، قال: حدثنا عبيدة بن حميد التيمي أبو عبد الرحمن،
(1)
انظر في مذهب الحنفية: المبسوط (1/ 67)، بدائع الصنائع (1/ 36)، حاشية ابن عابدين (1/ 160)،
والمالكية يشترطون اللذة فقط، والظاهر أنه يلزم من وجود اللذة أن يكون خروجه دفقًا، انظر قولهم في: حاشية الدسوقي (1/ 127، 128)، الشرح الصغير (1/ 161)، الخرشي (1/ 161)، مواهب الجليل (1/ 305).
وانظر في مذهب الحنابلة: المغني (1/ 128)، المقنع شرح مختصر الخرقي (1/ 232)، مسائل الإمام أحمد رواية عبد الله (1/ 112)، المبدع (1/ 177)، شرح الزركشي (1/ 285).
(2)
قال النووي في المجموع (2/ 158): «ولا فرق عندنا بين خروجه بجماع أو احتلام، أو استمناء أو نظر أو بغير سبب، سواءً خرج بشهوة أو غيرها، وسواءً تلذذ بخروجه أم لا، وسواءً خرج كثيرًا أو يسيرًا، ولو بعض قطرة، وسواءً خرج في النوم أو اليقظة، من الرجل والمرأة: العاقل والمجنون، فكل ذلك يوجب الغسل عندنا
…
».
حدثني ركين، عن حصين بن قبيصة،
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مذاءً، فجعلت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري، قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر له، قال: فقال: لا تفعل، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخت الماء فاغتسل
(1)
.
وفي رواية لأحمد، عن علي قال: كنت رجلًا مذاءً، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا حذفت فاغتسل من الجنابة، وإذا لم تكن حاذفًا فلا تغتسل
(2)
.
[الحديث في الصحيحين دون ذكر زيادة الاغتسال بفضخ الماء أو بحذف الماء وأكثر الرواة على عدم ذكرها، فهي زيادة شاذة]
(3)
.
(1)
المسند (1/ 109).
(2)
المسند (1/ 107).
(3)
روى زيادة (إذا فضخت الماء فاغتسل) رواها عن علي ثلاثة من الرواة:
أحدهما: حصين بن قبيصة:
رواه أحمد (1/ 109)، وأبو داود (206)، والبزار (802)، والنسائي في المجتبى (193)، وفي الكبرى له (199)، وابن خزيمة (20)، وابن حبان (1107) من طريق عبيدة بن حميد.
ورواه الطيالسي (144)، وأحمد (1/ 109)، وابن أبي شيبة (990)، وأبو داود (206)، والنسائي في المجتبى (194)، وفي الكبرى (200)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 46)، وفي مشكل الآثار (7/ 131)، والبزار (803)، وابن حبان (1102) والبيهقي (1/ 167) من طريق زائدة بن قدامة.
ورواه أحمد (1/ 125) عن عبد الرحمن بن مهدي، عن زائدة، ثم قال عبد الرحمن فذكرته لسفيان، فقال: قد سمعته من ركين.
ورواه أحمد (1/ 145) من طريق شريك، وزاد ذكر غسل الأنثيين.
ورواه ابن أبي شيبة (1/ 89) عن حسين بن علي، خمستهم (عبيدة، وزائدة، وسفيان، وشريك، وحسين بن علي) كلهم عن الركين، عن حصين بن قبيصة، عن علي مرفوعًا بذكر الاغتسال من فضخ الماء.
وفي لفظ حسين بن علي، قال: إذا رأيت المذي توضأ، واغسل ذكرك، وإذا رأيت الودي فضخ الماء فاغتسل. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولفظة (الودي) أظنها تحريفًا والصواب (وإذا رأيت المني) خاصة أن الودي مجمع على أنه لا يوجب الغسل، وإنما الذي يوجب الغسل هو المني.
وحصين بن قبيصة روى عنه جماعة، ووثقه ابن حبان والعجلي، وفي التقريب: ثقة، ولعل الحافظ اعتمد في ذلك على تصحيح ابن حبان وابن خزيمة، والله أعلم ..
الثاني: يزيد بن شريك.
رواه أحمد (1/ 107) من طريق جواب التيمي، عن يزيد بن شريك،
عن علي، قال: كنت رجلًا مذاء، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا حذفت فاغتسل من الجنابة، وإذا لم تكن حاذفًا فلا تغتسل.
وجواب صدوق رمي بالإرجاء،
وقد ساق ابن عدي في الكامل (2/ 177) هذا الحديث من طريق رزام بن سعيد قال سألت جواب التيمي عن المذي فقال: سألت عنه أبا إبراهيم التيمي يزيد بن شريك، فألجأ الحديث إلى علي، فألجأ علي الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:
رآني النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شجبت، فقال: أبا علي لقد شجبت! قال: شجبت من الاغتسال بالماء وأنا رجلٌ مذاء. قال: لا تغتسل منه إلا من الخذف، فان رأيت منه شيئا فلا تعد أن تغسل ذكرك ولا تغتسل إلا من الخذف.
وهذا المتن فيه ما فيه؛ لأن الحديث متفق عليه بأن عليًا قد استحيى من الرسول صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته منه، وأنه أوصى غيره بأن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم المذي، وهذا اللفظ يشعر بأن الأمر كان بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين علي مباشرة بدون واسطة.
الثالث: حصين بن صفوان، رواه أبو يعلى (362)، والبيهقي (1/ 167) من طريقه،
عن علي، قال: كنت رجلًا غلامًا مذاء، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء قد آذاني، قال: إنما الغسل من الماء الدافق. وحصين بن صفوان مجهول.
وحديث علي هي قصة واحدة لا تحتمل التعدد، ومن ذكر فضخ الماء لا يرقى الواحد منها إلى درجة الثقة، فحصين بن قبيصة أقصى ما يصل إليه أن يكون حسن الحديث، وطريق جواب التيمي قريب منه، وحصين بن صفوان مجهول، وقد رواه عن علي جماعة من الثقات لم يذكروا هذه الزيادة، وهم أكثر عددًا وأقوى حفظًا، ورواية بعضهم في الصحيحين وبعضهم في أحدها، وبعضهم خارج الصحيح بإسناد صحيح منهم:
الأول: محمد بن الحنفية، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
كما في صحيح البخاري (132، 178)، ومسلم (303)، وعبد الرزاق (604)، ابن أبي شيبة (1/ 87) رقم 968، وأحمد (1/ 82)، والنسائي في الكبرى (149)، والطحاوي (1/ 46). =
= الثاني: ابن عباس، عن علي.
وهو في صحيح مسلم (303)، وأخرجه أحمد (1/ 104)، والنسائي (436، 438)،
وابن خزيمة (22، 23)، والطحاوي (1/ 46).
الثالث: أبو عبد الرحمن السلمي، عن علي.
وهو في صحيح البخاري (296)، ومسند الطيالسي (144)، وأحمد (1/ 129)، والنسائي (1/ 152)، وابن الجارود في المنتقى (6)، وابن خزيمة (18).
الرابع: هانئ بن هانئ، عن علي.
كما في مسند أحمد (1/ 108)، والطحاوي (1/ 46) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي.
الخامس: عائش بن أنس، عن علي.
كما في مسند أحمد (6/ 5)، و (4/ 320، 321)، والحميدي (39)، والنسائي (154)، والطحاوي (1/ 47) وغيرهم.
السادس: سليمان بن يسار، عن المقداد.
كما في الموطأ (1/ 40)، وعبد الرزاق (600)، وأحمد (6/ 5)، وابن ماجه (505)،
وابن الجارود (5)، والبيهقي في السنن (1/ 115)، وابن خزيمة (21)، وابن حبان (1101)، كلهم رووه من طريق سالم أبي النضر، عن سليمان بن يسار، عن المقداد بن الأسود، أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله، فخرج منه المذي، فذكر نحو ما تقدم، وفيه: إذا وجد ذلك أحدكم، فلينضح فرجه بالماء، وليتوضأ وضوءه للصلاة.
هذا لفظ مالك في الموطأ، قال ابن عبد البر: هذا إسناد ليس بمتصل؛ لأن سليمان بن يسار لم يسمع من المقداد، ولا من علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. اهـ
قلت: قد رواه بكير بن عبد الله الأشج، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس، عن علي، كما في صحيح مسلم (19/ 303)، وهذا سند متصل، وقد خرجت هذه الرواية في ما سبق.
السابع: الحارث بن شبيل كما في مصنف ابن أبي شيبة (987).
فهؤلاء سبعة من الرواة رووه عن علي، بعضها في الصحيحين وبعضها في أحدهما، وليس في روايتهم ذكر زيادة:(وإذا فضخت الماء فاغتسل).
انظر لمراجعة بعض طرق هذا الحديث: أطراف المسند (4/ 400)، إتحاف المهرة (14196)، تحفة الأشراف (10079).
(1)
النهاية لابن الأثير (ص: 709) وقد طبع الكتاب في مجلد واحد، من دار ابن الجوزي.