الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول حكم الوضوء في غسل الجنابة
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
• الأصغر يندرج في الأكبر.
[م-370] اتفق العلماء على مشروعية الوضوء لمن أراد أن يغتسل للجنابة
(1)
، واختلفوا في وجوبه،
فقيل: الوضوء سنة، وهو مذهب الجمهور من الحنفية
(2)
، والمالكية
(3)
، والشافعية
(4)
، والحنابلة
(5)
، واختيار ابن حزم رحمه الله تعالى
(6)
.
(1)
التمهيد (22/ 93).
(2)
فتح القدير (1/ 56)، تبيين الحقائق (1/ 14) بدائع الصنائع (1/ 34)، حاشية ابن عابدين (1/ 156)، البناية (1/ 258)، البحر الرائق (1/ 52).
(3)
مختصر خليل (ص: 15)، منح الجليل (1/ 128)، الكافي (ص: 24)، الشرح الصغير (1/ 172)، حاشية الدسوقي (1/ 136)، القوانين الفقهية (ص: 23).
(4)
المجموع (2/ 215)، روضة الطالبين (1/ 89)، مغني المحتاج (1/ 73) نهاية المحتاج (1/ 225).
(5)
كشاف القناع (1/ 152)، الإنصاف (1/ 252)، معونة أولي النهى شرح المنتهى (1/ 403)، الممتع شرح المقنع (1/ 233)، المغني (1/ 287)، الفروع (1/ 204).
(6)
المحلى (المسألة 188).
وقيل: الوضوء شرط في صحة الغسل، وهو رأي داود الظاهري رحمه الله تعالى
(1)
، وأبي ثور
(2)
، وراوية عن أحمد
(3)
.
وقيل: إن كان أجنب، وهو محدث لزمه الوضوء، وإن كان حين أجنب طاهرًا لم يلزمه، ذكره بعض الحنفية
(4)
، وذهب إليه بعض الشافعية
(5)
، وبعض الحنابلة
(6)
. هذه مجمل الأقوال في المسألة.
• وسبب اختلافهم في حكم الوضوء:
اختلافهم في آية المائدة في قوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)[المائدة: 6]، هل هي من قبيل المجمل، أو من قبيل المبين، فالإمام داود يرى أن قوله سبحانه وتعالى:(فَاطَّهَّرُوا) أمر مجمل، وبيانه يؤخذ من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول قد حافظ على الوضوء في غسله، فتكون هذه الصفة بيانًا للأمر الرباني في قوله تعالى:
(1)
انظر المجموع (2/ 215)، وكتاب الإمام داود الظاهري وأثره في الفقه الإسلامي (ص: 496)
(2)
المجموع (2/ 215).
(3)
الفروع (1/ 205).
(4)
المبسوط (1/ 44).
(5)
قال الشيرازي في المهذب (1/ 32): «فإن أحدث وأجنب ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يجب الغسل، ويدخل فيه الوضوء، وهو المنصوص في الأم؛ لأنهما طهارتان فتداخلتا، كغسل الجنابة وغسل الحيض.
والثاني: أنه يجب عليه الوضوء والغسل؛ لأنهما حقان مختلفان، يجبان بسببين مختلفين، فلم يدخل أحدهما في الآخر، كحد الزنا والسرقة.
والثالث: أنه يجب أن يتوضأ مرتبًا، ويغسل سائر البدن؛ لأنهما متفقان في الغسل، ومختلفان في الترتيب، فما اتفقا فيه تداخلا، وما اختلفا فيه لم يتداخلا، قال الشيخ الإمام رحمه الله وأحسن توفيقه: سمعت شيخنا أبا حاتم القزويني يحكي فيه وجهًا رابعًا: أنه يقتصر على الغسل إلا أنه يحتاج أن ينويهما، ووجهه: لأنهما عبادتان متجانستان صغرى وكبرى، فدخلت الصغرى في الكبرى في الأفعال دون النية، كالحج والعمرة». اهـ
(6)
قال في الإنصاف (1/ 259): «ذكر الدينوري وجهًا: أنه إن أحدث، ثم أجنب، فلا تداخل
…
إلخ كلامه رحمه الله تعالى.
(فَاطَّهَّرُوا) فما كان بيانًا لأمر واجب، يكون حكمه حكم ذلك الواجب، كما أن قوله سبحانه وتعالى:(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)[النور: 56]، مجمل، وجاء بيانه من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان امتثال الصفة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في صفة الصلاة واجبة؛ لكونها بيانًا لأمر مجمل، وقل مثله في كثير من الأوامر المجملة في كتاب الله تعالى كما في قوله تعالى:(وَآتُوا الزَّكَاةَ)[النور: 56].
وأما الجمهور فيرون أن قوله تعالى: (فَاطَّهَّرُوا) أمر مبين وليس مجملًا، وكذلك قوله تعالى:(وَلا جُنُباً إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)[النساء: 43]، فالغسل ليس مبهمًا، وإنما هو مبين، فأباح الله سبحانه وتعالى الصلاة بالاغتسال، فمن شرط الوضوء مع الغسل فقد زاد في الآية ما ليس فيها، ولو كان الوضوء واجبًا لذكره الله سبحانه وتعالى، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أفتى الصحابة بالاغتسال من الجنابة، ولم يذكر لهم الوضوء في أحاديث صحيحة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم في قصة الرجل الذي أصابته جنابة ولا ماء، قال: خذ هذا فأفرغه عليك، رواه البخاري
(1)
، فلم يطلب إلا إفراغ الماء على بدنه.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: إنما كان يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين. رواه مسلم
(2)
.
فاكتفى بالإفاضة، ولم يذكر الوضوء، وجاء بلغة (إنما) الدالة على الحصر.
وأما قول من فرق بين من أجنب، وهو محدث، وبين من أجنب وهو طاهر، فيلزم الأول الوضوء دون الثاني، قالوا: إذا كان محدثًا يلزمه الوضوء؛ لأنه قبل الجنابة لزمه الوضوء، فلا يسقط غسل الجنابة الوضوء الواجب عليه، وهذا قول ضعيف؛ لأن الأحداث تتداخل.
(1)
صحيح البخاري (337) من حديث طويل.
(2)
صحيح مسلم (330).
(1)
.
وعليه فقول الجمهور هو الراجح، حتى حكى ابن جرير الإجماع على صحة الغسل بدون وضوء
(2)
، ولا تصح حكاية الإجماع مع خلاف داود وأبي ثور، وقد استكملت أدلة الفريقين وبسطتها مع المناقشة والترجيح في كتابي الحيض والنفاس رواية ودراية، فليرجع إليه من أراد الاستزادة
(3)
.
* * *
(1)
الذخيرة (1/ 310).
(2)
المجموع (2/ 215).
(3)
كتاب الحيض والنفاس رواية ودراية (1/ 357) من الطبعة الأولى.