الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: يجوز بلا كراهة بشرط أن يغسل عنه الأذى، وهو اختيار ابن القاسم من المالكية
(1)
.
وقيل: يجوز اغتسال الجنب في الماء الدائم ما لم يبل فيه، فإن بال فيه منع من الاغتسال
(2)
.
•
دليل من قال: يحرم الاغتسال في الماء الدائم:
(837 - 157) ما رواه مسلم من طريق عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، أن أبا السائب مولى هشام بن زهرة حدثه،
أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم، وهو جنب، فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولًا
(3)
.
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الاغتسال فيه، والأصل في النهي التحريم، ولا نصرفه للكراهة إلا بقرينة، ولا قرينة صارفة.
•
دليل من قال: النهي عن الاغتسال في الماء الدائم للكراهة:
قال: إن بدن الجنب طاهر، وقد ذكرنا أن ذلك إجماع من أهل العلم في فصل مستقل، ولا يمكن أن ينجس الماء الطهور بملاقاة البدن الطاهر، فكان النهي لمعنى آخر غير معنى تنجس الماء بذلك.
فقيل: إن النهي عن الاغتسال فيه من أجل ألا يكون الماء مستعملًا، فيسلبه الطهورية، ويدل لذلك قول أبي هريرة حين سئل: كيف يفعل: قال: يتناوله تناولًا، فدل على أن المنع إنما هو من الانغماس فيه، لئلا يصير الماء مستعملًا، فيمتنع على
(1)
المنتقى للباجي (1/ 108).
(2)
فتح الباري (1/ 347).
(3)
مسلم (283).
الغير الانتفاع منه، والصحابي أعلم بموارد الخطاب من غيره، وهذا التعليل هو قول الجمهور كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في حكم أثر إنغماس الجنب على الماء في الفصل التالي
(1)
.
وقيل: نهى عن ذلك كراهة أن يستقذر الماء، فإن الطباع تنفر من الماء الراكد القليل إذا اغتسل فيه الجنب
(2)
.
وسواءً كان لهذا المعنى أو ذاك، فإن مثل هذا لا يجعل النهي يبلغ مبلغ التحريم، وإنما هو الكراهة فقط.
(1)
التعليل بأن النهي عن الاغتسال في الماء الدائم حتى لا يتحول إلى ماء مستعمل قول ضعيف لأمور:
أولًا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلل بأن الماء يكون مستعملًا، ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم قط بأن الماء يكون مستعملًا، هذا الكلام زيادة على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: أن الحديث نص في الماء الدائم، وهو يشمل ما فوق القلتين، وما دون القلتين، وأنتم قلتم بأنه لا يكون مستعملًا إلا إذا كان دون القلتين، فهذه مخالفة ثانية للحديث.
ثالثًا: أن الحديث نهي عن الاغتسال، وذلك يعني غسل البدن كله، وأنتم أدخلتم حتى الوضوء، بل أدخلتم ما دون ذلك، وذلك كما لو أدخل بعض أعضائه ناويًا رفع الحدث، فإن الماء يكون مستعملًا عندكم: أي طاهر، غير مطهر، فالحديث نص في الحدث الأكبر، فخالفتم الحديث، فأدخلتم الحدث الأصغر، بل حتى ولو غمس بعض أعضاء الحدث الأصغر. وهذه مخالفة ثالثة للحديث مع أن أبا هريرة قد أرشد إلى تناول الماء باليد، وهو نوع من إدخال العضو فيه، والتفريق بين اليد وغيرها تفريق بين متماثلين.
رابعًا: الحديث نهى الجنب أن يغتسل في الماء ما دام جنبًا، سواءً نوى رفع الحدث، أو لم ينو؛ لأن معنى: لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، أي لا يغتسل حالة كونه جنبًا، ولم يتطرق الحديث إلى اشتراط النية، وأنتم قلتم: لو انغمس، وهو جنب، ولم ينو رفع الحدث لا يكون الماء مستعملًا، بل يبقى طهورًا، وهذه مخالفة رابعة مع أن هذا لو كان له تأثير لكان من الأحكام الوضعية، والتي يفسد فيها الماء بمجرد الاغتسال ولو لم ينو، والله أعلم.
فتبين بهذا أن القول بأن العلة حتى لا يكون الماء مستعملًا قول ضعيف، والله أعلم.
(2)
عون المعبود (1/ 101).