الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني تخليل الشعر في غسل الجنابة
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• شعر اللحية ينوب غسله إذا كان كثيفًا عن غسل البشرة تحته في الطهارة الصغرى، ولا ينوب عن ذلك في الطهارة الكبرى بدليل أنه كان صلى الله عليه وسلم يخلل أصول شعره في غسل الجنابة.
• تخليل الشعر الكثيف في الوضوء لا يشرع؛ لأنه يؤدي إلى غسل الباطن وهو من التعمق والتكلف بخلاف غسل الجنابة حيث كان يخلل أصول الشعر حتى يظن أنه قد أروى البشرة.
• قال مالك عن تخليل الشعر: «لم يأت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله في وضوئه، وجاء أنه خلل أصول شعره في الجنابة»
(1)
.
[م-377] تكلمنا عن تخليل الشعر في الوضوء، وكان التخليل في الوضوء
(1)
رواه ابن نافع، عن مالك، انظر النوادر والنوازل (1/ 33).
خاصًا في شعر اللحية؛ لأن شعر الرأس في الوضوء يمسح مسحًا، فلا حاجة فيه إلى التخليل، وانتهينا إلى أن الراجح أن التخليل ليس بسنة، ولا يصح فيه حديث.
وأما في الغسل، فإن عندنا مع شعر اللحية شعر الرأس، فهل يشرع لهما التخليل، أو لا؟
قال مالك: «ولم يأت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله في وضوئه، وجاء أنه خلل أصول شعره في الجنابة»
(1)
.
الأصل في هذا الباب هو حديث عائشة رضي الله عنها.
(906 - 226) فقد روى البخاري من طريق مالك، عن هشام، عن أبيه،
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب الماء على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله.
فقول عائشة رضي الله عنها: (ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره) نص على تخليل شعر الرأس.
(907 - 227) ورواه مسلم من طريق أبي معاوية، عن هشام به، وفيه:
ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يأخذ الماء، فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه»
(2)
.
قال ابن رجب في شرح البخاري: «وهذه سنة عظيمة من سنن غسل الجنابة، ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يتنبه لها أكثر الفقهاء، مع توسعهم للقول في سنن الغسل وآدابه، ولم أر من صرح به منهم، إلا صاحب المغني من أصحابنا، وأخذه من عموم قول
(1)
رواه ابن نافع، عن مالك، انظر النوادر والنوازل (1/ 33).
(2)
مسلم (316).
أحمد: الغسل على حديث عائشة، وكذلك ذكره صاحب المهذب من الشافعية»
(1)
.
ويمكن أيضًا يستدل بمشروعية تخليل الشعر بالقياس على غسل الحيض، فإن غسل الحيض وغسل الجنابة متشابهان في كثير من الأحكام، وبجامع أن كلًا منهما حدث أكبر،
(908 - 228) فقد روى مسلم في صحيحه من طريق إبراهيم بن المهاجر، قال: سمعت صفية تحدث،
عن عائشة، أن أسماء بنت شكل سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض؟ فقال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها، فَتَطَهَّر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها، فتدلكه دلكًا شديدًا، حتى تبلغ شؤون رأسها
…
الحديث
(2)
، ورواه البخاري بأخصر من هذا
(3)
.
قلت في مذهب المالكية قولان في تخليل اللحية:
أحدهما: الوجوب، قال أشهب: عن مالك: «وعليه تخليل لحيته في غسل الجنابة. قيل له في موضع آخر: أيخللها في غسله من الجنابة؟ قال: نعم، ويحركها، واحتج في الموضعين بأن النبي عليه السلام خلل أصول شعر رأسه، وكذلك روى عنه
ابن القاسم، وابن وهب في المجموعة، بأنه يخلل لحيته في الغسل ويحركها»
(4)
.
وقال ابن حبيب: «ومن ترك تخليل لحيته في ذلك وأصابع رجليه لم يجزه»
(5)
.
• وجه وجوب التخليل:
قال الباجي: «وجه قول أشهب: قول عائشة في هذا الحديث: ثم يدخل أصابعه
(1)
شرح ابن رجب للبخاري (1/ 311).
(2)
صحيح مسلم (332).
(3)
صحيح البخاري (314)، وسبق بحثه في كتاب الحيض والنفاس، ح (1647).
(4)
النوادر والنوازل (1/ 63).
(5)
المرجع السابق (1/ 64).
في الماء، فيخلل بها أصول شعره. ومن جهة المعنى: أن استيعاب جميع الجسد في الغسل واجب، والبشرة التي تحت اللحية من جملته، فوجب إيصال الماء إليها ومباشرتها بالبلل، وإنما انتقل الفرض إلى الشعر في الطهارة الصغرى؛ لأنها مبنية على التخفيف، ونيابة الأبدال فيها من غير ضرورة، ولذلك جاز فيها المسح على الخفين، ولم يجز في الغسل»
(1)
.
• ونوقش هذا من وجهين:
الوجه الأول:
أن هذه الصفة لم يأت فيها أمر شرعي، كما لو قال: خللوا شعوركم أو نحو ذلك، وإنما هي حكاية فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، كما في القواعد الأصولية.
الوجه الثاني:
أن هناك أحاديث كثيرة أخرى، تنقل لنا صفة الغسل من الجنابة من قوله، ومن فعله صلى الله عليه وسلم، وليس فيها ذكر التخليل.
أما الأحاديث القولية: فمنها:
قوله صلى الله عليه وسلم في قصة الرجل الذي أصابته جنابة، ولا ماء، قال له:(خذ هذا فأفرغه عليك) قطعة من حديث طويل رواه البخاري
(2)
، فلم يطلب إلا إفراغ الماء على بدنه.
(909 - 229) ومنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: إنما كان يكفيك إن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين. رواه مسلم
(3)
. فاكتفى بالإفاضة، ولم يذكر التخليل.
(1)
المنتقى للباجي (1/ 94).
(2)
صحيح البخاري (337) من حديث طويل.
(3)
صحيح مسلم (330).
وأما الأحاديث الفعلية:
وهي التي تحكي لنا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنها وأشهرها حديث ميمونة:
(910 - 230) فقد رواه البخاري رحمه الله، عنها، قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء للغسل، فغسل يديه مرتين أو ثلاثًا، ثم أفرغ على شماله، فغسل مذاكيره، ثم مسح يده بالأرض، ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه، ثم أفاض على جسده، ثم تحول من مكانه، فغسل قدميه، رواه مسلم، واللفظ للبخاري
(1)
.
القول الثاني في مذهب مالك:
روى ابن القاسم، عن مالك: ليس على المغتسل من الجنابة تخليل لحيته
(2)
.
(3)
.
قلت: إن كان نفي التخليل المقصود به نفي الوجوب، فذاك مسلم، وإن كان تعليل الباجي قد يفهم منه، أن إيصال الماء إلى البشرة قد سقط، وليس بمشروع، فإن كان هذا هو المقصود، فحديث عائشة رد عليه، وهو يفيد استحباب تخليل أصول شعر الرأس في الغسل، ولا يفيد الوجوب كما أسلفنا، وقد ترجم النسائي رحمه الله تعالى في سننه، في كتاب الطهارة، قال: باب: تخليل الجنب رأسه، ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنها، وهو يدل على أن الاستحباب ما زال محكمًا في غسل الجنابة، والله أعلم.
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: «قوله: (ثم يخلل بيديه شعره) التخليل ههنا: إدخال الأصابع فيما بين أجزاء الشعر، ورأيت في كلام بعضهم إشارة إلى أن التخليل،
(1)
البخاري (265)، ومسلم (317).
(2)
النوادر والنوازل (1/ 63)، المنتقى للباجي (1/ 94).
(3)
المنتقى للباجي (1/ 94).
هل يكون بنقل الماء، أو بإدخال الأصابع مبلولة بغير نقل الماء؟ وأشار به إلى ترجيح نقل الماء؛ لما وقع في بعض الروايات الصحيحة في كتاب مسلم:(ثم يأخذ الماء، فيدخل أصابعه في أصول شعره) فقال هذا القائل: نقل الماء لتخليل الشعر: هو رد على من يقول: يخلل بأصابعه مبلولة بغير نقل الماء، قال: وذكر النسائي في السنن ما يبين هذا، فقال: باب تخليل الجنب رأسه، وأدخل حديث عائشة رضي الله عنها فيه، فقالت فيه:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب رأسه، ثم يحثي عليه ثلاثًا) قال: فهذا يبين أن التخليل بالماء. قال النووي: وفي الحديث دليل على أن التخليل يكون بمجموع الأصابع العشر، لا بالخمس»
(1)
.
* * *
(1)
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 131).