الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويظهر الفرق بين هذه الأقوال فيمن احتلم، فأمسك ذكره حتى سكنت شهوته، ثم سال منه المني، وكذلك المجامع إذا اغتسل، ثم سال منه بقية المني، فمن قال: يشترط أن تكون اللذة مقارنة لظهوره من الجسد لم يشترط الغسل هنا، ومن قال: لا يشترط، أوجب الغسل، ومن لم يشترط خروج المني، واكتفى بانتقاله على وجه اللذة أوجب الغسل في المسألتين، والله أعلم.
•
دليل من قال يشترط أن تكون اللذة مقارنة للخروج:
قال: إذا اشترطنا وجود اللذة، فإن المعتبر بوجودها في الحال الذي يجب فيه الغسل، والغسل إنما يجب بخروج المني، لا في انتقاله من مكانه، فإذا كان حال خروجه غير مصحوب بلذة لم يجب الغسل، لأنه في هذه الحالة لا فرق بين خروج المني وخروج المذي، فإن خروج المذي يخرج بعد انكسار الشهوة، ومع ذلك لا يجب فيه غسل.
•
دليل من اشترط أن تكون اللذة حال الانتقال، ولو لم تكن مقارنة للخروج
.
وجوب الغسل مبني على أمرين: خروج المني، ووجود اللذة، فإذا وجدت اللذة حال انتقال المني من مكانه، ثم خرج المني بعد ذلك فقد وجد موجب الغسل، وهو خروج المني بسبب الشهوة، ولا فرق بين أن تكون اللذة مقارنة أو غير مقارنة.
وصدق عليه حديث أم سلمة (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا هي رأت الماء).
•
دليل من قال: يكفي وجود الشهوة حال انتقال المني ولو لم يخرج المني:
قالوا: الغسل يجب بوجود الجنابة، وحقيقة الجنابة: هي تباعد الماء عن مكانه مع وجود الشهوة، هذا أصلها في اللغة قال تعالى:(وَالْجَارِ الْجُنُبِ)[النساء: 36]، أي البعيد، فإذا انتقل الماء ولو لم يخرج فقد باعد الماء محله، فصدق عليه اسم الجنب، وبالتالي وجب الغسل لوجود الجنابة.
وهذا أضعف الأقوال؛ لأن المعتبر في الأحداث ليس انتقالها، وإنما ظهورها، فالريح والبول والغائط والمذي وسائر الأحداث لا عبرة بانتقالها من مكانها حتى تخرج من البدن، فإذا خرجت بطلت الطهارة، فكذلك المني.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّق وجوب الاغتسال بالرؤية.
قال ابن قدامة: «إن النبي صلى الله عليه وسلم علق الاغتسال على الرؤية، وفضخه، بقوله:(إذا رأت الماء) وقوله: (إذا فضخت الماء فاغتسل) فلا يثبت الحكم بدونه، وما ذكره من الاشتقاق لا يصح؛ لأنه يجوز أن يسمى جنبًا لمجانبته الماء، ولا يحصل إلا بخروجه منه، أو لمجانبته الصلاة، أو المسجد، أو غيرهما مما منع منه، ولو سمي بذلك مع الخروج لم يلزمه وجود التسمية من غير خروج، فإن الاشتقاق لا يلزم منه الاطراد، ومراعاة الشهوة للحكم لا يلزم منه استقلالها به، فإن أحد وصفي العلة وشرط الحكم مراعى له، ولا يستقل بالحكم، ثم يبطل بلمس النساء، وبما إذا وجدت الشهوة ها هنا من غير انتقال؛ فإن الشهوة لا تستقل بالحكم في الموضعين مع مراعاتها فيه، وكلام أحمد ها هنا إنما يدل على أن الماء إذا انتقل، لزم منه الخروج. وإنما يتأخر، ولذلك يتأخر الغسل إلى حين خروجه، إلخ كلامه رحمه الله تعالى
(1)
.
• الراجح من الخلاف:
أرى والله أعلم أن الغسل يجب بخروج المني دفقًا بلذة، فإذا تخلف ذلك، فإن كان المانع من قبل الإنسان، بأن أمسك ذكره حتى لا يخرج المني على وجه الدفق، ثم خرج المني بعد ذلك، فإن الغسل يجب عليه، وإن كان المانع ليس من كسب الإنسان، فقد تخلف موجب الغسل، وهو خروجه دفقًا بلذة، والله أعلم.
* * *
(1)
المغني (1/ 129).