الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غسلًا، ولا يتحقق هذا إلا بالدلك
(1)
.
قال عطاء في الجنب يفيض عليه الماء؟ قال: لا، بل يغتسل غسلًا؛ لأن الله تعالى قال:(حَتَّى تَغْتَسِلُوا) ولا يقال: اغتسل إلا لمن دلك نفسه
(2)
.
وهذا القول ليس عليه دليل، والصحيح أن الغسل هو جريان الماء على العضو وقد شهد لذلك حديث عمران بن الحصين وحديث أم سلمة المتقدمان.
قال ابن حزم: من ادعى أن اسم الغسل لا يقع إلا على التدلك باليد فقد ادعى ما لا برهان له به
(3)
.
الدليل الثاني:
القياس على طهارة التيمم، قال المزني: ولأن التيمم يشترط فيه إمرار اليد فكذلك هنا.
• وأجيب:
قال ابن قدامة: وأما قياسه على التيمم فبعيد؛ لأن التيمم أمرنا فيه بالمسح، والمسح لا يكون إلا باليد، ويتعذر بالغالب إمرار التراب إلا باليد.
• الراجح من الخلاف:
بعد استعراض أدلة القولين نجد أن قول الجمهور هو الصواب، وأن الدلك ليس بواجب، بل لو قيل: إن في استحبابه نظرًا لم يبعد قائله عن الصواب
(4)
،
ولا يقال: هذا
(1)
مواهب الجليل بتصرف يسير (1/ 218).
(2)
المغني (1/ 290).
(3)
المحلى (مسألة: 115).
(4)
اعتبر الحنفية الدلك من السنن والآداب انظر الفتاوى الهندية (1/ 14) كما استحب الدلك الشافعية وعللوا ذلك بالخروج من خلاف من أوجبه احتياطًا، وهذا يدل على أن المسألة ليست قائمة على سنة، وإنما على سبيل الاحتياط، انظر تحفة الحبيب (1/ 244)، كما استحبه الحنابلة كذلك، انظر المغني لابن قدامة (1/ 138).
…
وقد ناقش الجصاص موضوع الدلك وقال كلامًا مقتضاه عدم الاستحباب، حيث يقول:«قال الله تعالى: (فاغسلوا)؛ فهو متى أجرى الماء على الموضع فقد فعل مقتضى الآية وموجبها، فمن شرط فيه دلك الموضع بيده، فقد زاد فيه ما ليس منه، وغير جائز الزيادة في النص إلا بمثل ما يجوز به النسخ» . فقوله: «غير جائز الزيادة» يتقضي التحريم، وهذا يعني عدم المشروعية.
وقال السرخسي في المبسوط (1/ 45): «والدلك في الاغتسال ليس بشرط إلا على قول مالك يقيسه بغسل النجاسة العينية، ولنا أن الواجب بالنص الأطهار، والدلك يكون زيادة عليه، والدلك لمقصود إزالة عين من البدن، وليس على بدن الجنب عين يزيلها بالاغتسال، فلا حاجة إلى الدلك» . اهـ
فهل هذا الكلام رد لمشروعية الدلك، أو رد لاشتراط الدلك، يتأمل، وإن كان الظاهر من كلام الحنفية في متونهم رد للاشتراط، والله أعلم.
وإن كنت أميل إلى عدم استحباب الدلك، وليس لموجب الحنفية، وهو الزيادة على النص، وإنما لكون الدلك لم ينقل في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا في الرأس خاصة، ولو فعل النبي صلى الله عليه وسلم الدلك لبدنه، لنقله إلينا أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فلما لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم دلك البدن، بقي القول بمشروعيته يفتقر إلى دليل، إلا أن هذا القول مني معلق على القول به من السلف، فإن ثبت أن أحدًا قال به، فهو متجه، وإلا لزمت مذهب الاستحباب؛ لأنه أخف القولين، والله أعلم.
من إسباغ الغسل، لأن الإسباغ في الطهارة المقصود به إكماله وإتمامه غير منقوص، كما قال صلى الله عليه وسلم:(أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار) فجعل عدم وصول الماء إلى العقب من ترك الإسباغ.
ولو كان الغسل لا يقع إلا على الدلك، لكان المواضع الذي لا يستطيع الوصول إليها بيده كبعض المواضع من ظهره لا يمكن أن يغسلها، فإما أن يقال: بسقوط الدلك للعجز، كما اختاره من المالكية ابن القصار
(1)
، وبالتالي لم يقم بغسل جميع بدنه؛ لأن الغسل عندهم لا يطلق إلى على جريان الماء مع الدلك. أو يقال: يجب أن يتخذ خرقة ليستعين بها على دلك ما يعجز عن دلكه، كما اختاره سحنون من المالكية
(2)
، وقال بعضهم: يجب استنابة من يدلكه من زوجة أو أمة، أو يتدلك بحائط إن كان
(1)
الذخيرة للقرافي (1/ 309)، وسقوط الدلك في حالة العجز هو المعتمد في المذهب المالكي، انظر حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 168).
(2)
الذخيرة للقرافي (1/ 309).
ملكًا له، أو أذن له مالكها، ولم يكن الدلك يؤذيه
(1)
، وهذا أيضًا لم يقم عليه دليل من السنة، ومن التعمق الذي لم نؤمر به، وكل هذا يدل على ضعف القول بوجوب التدليك، والله أعلم.
* * *
(1)
انظر الشرح الصغير (1/ 168).