الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس التثليث في وضوء الغسل
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
• استحباب التثليث يرجع إلى الخلاف في حقيقة الوضوء، هل هذا الوضوء هو جزء من غسل البدن، وإنما صورته صورة الوضوء، وقدمت أعضاء الوضوء في الغسل لشرفها، وإذا كان الوضوء غسلًا لم يكن التثليث فيه مشروعًا، أو أن هذا الوضوء قبل الغسل هو وضوء بنية رفع الحدث قبل ارتفاع الحدث الأكبر، فيأخذ حكم الوضوء، ومنها التثليث.
[م-374] اختلف العلماء في وضوء الغسل، هل يغسل أعضاء الوضوء مرة واحدة، أو يغسلها ثلاثًا، كما هو في الوضوء المستقل عن غسل الجنابة؟.
فقيل: يسن في وضوء الغسل أن يكون ثلاثًا ثلاثًا.
وهو مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة
(1)
، وبه قال سفيان الثوري، وإسحاق
(1)
مراقي الفلاح (ص: 43، 44)، بدائع الصنائع (1/ 34)، حاشية ابن عابدين (1/ 156، 157)، فتح القدير (1/ 58)، مغني المحتاج (1/ 73)، نهاية المحتاج (1/ 225)، روضة الطالبين (1/ 89)، الحاوي (1/ 219)، كشاف القناع (1/ 152)، الفروع (1/ 204)، الإنصاف (1/ 252)، شرح منتهى الإرادات (1/ 85)، الكافي (1/ 59)، المحرر (1/ 20).
ابن راهويه
(1)
، ووجه في مذهب المالكية
(2)
.
وقيل: يتوضأ مرة مرة، وهو وجه في مذهب المالكية
(3)
.
ورجحه القاضي عياض، قال في الإكمال:«لم يأت في شيء من وضوء الجنب ذكر التكرار، وقال بعض شيوخنا: إن التكرار في الغسل لا فضيلة فيه»
(4)
.
قال خليل تعليقًا «لا فضيلة في تكراره، يريد؛ لأنه ـ أي وضوء الجنب ـ من الغسل، ولا فضيلة في تكراره»
(5)
.
وقال ابن رجب: لم ينص أحمد إلا على تثليث غسل كفيه ثلاثًا، وعلى تثليث صب الماء على الرأس
(6)
. اهـ وينبغي أن يتفطن أن هذه المسألة غير مسألة التثليث في غسل البدن، وسوف تأتي هذه إن شاء الله تعالى.
وقد ذكرت أدلة هذه الأقوال بشيء من التفصيل في مبحث الحيض والنفاس رواية ودراية
(7)
، فأغنى عن إعادته هنا، وقد رجحت في ذلك أنه لا يشرع التثليث في وضوء الغسل؛ لأن هذا الوضوء جزء من غسل البدن، وإنما صورته صورة الوضوء، كما تقدم بيانه في الفصل السابق، والبدن لا يشرع فيه التثليث كما سوف يتبين إن شاء الله تعالى في مبحث مستقل من هذا الباب، إلا في غسل الكفين في ابتداء الغسل، فإنه
(1)
انظر قول الثوري وإسحاق في شرح ابن رجب لصحيح البخاري (1/ 238).
(2)
الشرح الصغير (1/ 172)، حاشية الدسوقي (1/ 136)، منح الجليل (1/ 128).
(3)
قال في كفاية الطالب (1/ 267): «وظاهر كلامه أنه يغسل ما حقه الغسل في هذا الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، وهو مصرح به في بعض النسخ، والمشهور: أنه إنما يغسله مرة مرة، بنية رفع حدث الجنابة» . اهـ وانظر: تنوير المقالة شرح ألفاظ الرسالة (1/ 540)، مختصر خليل (ص 15)، حاشية الدسوقي (1/ 136)، التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (1/ 314).
(4)
إكمال المعلم (2/ 84).
(5)
التوضيح لخليل شرح جامع الأمهات لابن الحاجب تحقيق أحمد نجيب (1/ 178).
(6)
شرح ابن رجب لصحيح البخاري (1/ 238).
(7)
الحيض والنفاس تحت عنوان: في تثليث الوضوء والغسل.
يشرع فيهما التثليث،
(899 - 219) لما روى البخاري من طريق عبد الواحد، عن الأعمش، عن سالم ابن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، قال:
قالت ميمونة: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء للغسل، فغسل يديه مرتين أو ثلاثًا
…
وذكر بقية الحديث. ورواه مسلم، واللفظ للبخاري
(1)
.
وروى مسلم من طريق وكيع، عن هشام، عن أبيه،
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة فبدأ، فغسل كفيه ثلاثًا
…
الحديث
(2)
.
وكأن غسل الكفين سنة مستقلة في ابتداء الطهارة، يغسلهن ثلاثًا إن أراد وضوءًا، أو أراد غسلًا، قبل إدخال يديه في الإناء، حتى ولو كانت اليد نظيفة، ويجب غسلهما إن كان في اليد نجاسة، أو كان قائمًا من نوم الليل على أحد القولين، ويستحب غسلهما في غير ذلك، والله أعلم. وقد بحثت مسألة حكم غسل اليدين بعد الاستيقاظ من النوم في المجلد الأول: في مباحث المياه، فأغنى عن إعادته هنا.
وكذلك يستحب التثليث في غسل الرأس، وسوف يأتي بحثه في فصل مستقل إن شاء الله تعالى، وأما ما عدا الكفين والرأس فلا يستحب التثليث على الصحيح من أقوال أهل العلم.
* * *
(1)
البخاري (265)، ومسلم (317).
(2)
مسلم (36/ 316).