الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال تعالى: (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ)[النساء: 102].
وقال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى)[البقرة: 264].
وقال: (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى)[البقرة: 263].
وقال: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ)[البقرة: 196].
وأذى الرأس يقصد به القمل، كما هو معلوم من سبب النزول، وقصة كعب بن عجرة في الصحيحين
(1)
، ولا يقال: إن القمل نجس.
وأرى أن غسل الفرج لا يتعين من أجل إزالة النجاسة، بل قد يبدأ بغسله حتى لا يحتاج إلى مسه بعد ذلك، فينتقض وضوؤه، ولو كان كل من جامع أصبح ذكره نجسًا، لنقل عن المصطفى صلى الله عليه وسلم مباشرة غسله بعد الجماع، خاصة أن الذكر يخرج من الجماع، وهو رطب، ولنقل عنه صلى الله عليه وسلم حرصه على توقيه، حتى لا تتعدى النجاسة إلى ثيابه، ولجاء الأمر بغسل الذكر بعد الجماع مباشرة، أو التحفظ منه، فلما لم ينقل عن المعصوم أمر بغسل الذكر من الجماع، ولم ينقل غسله مباشرة بعد الجماع، علم أن غسل الذكر في غسل الجنابة ليس واجبًا، وسيأتي مزيد بيان لهذا، حين الكلام على دليل الاستحباب، والله أعلم.
•
الدليل على استحباب غسل الفرج في غسل الجنابة:
هناك دليلان أثري ونظري على استحباب البداءة بغسل الفرج.
أما الدليل الأثري:
(878 - 198) فروى البخاري من طريق الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس،
(1)
البخاري (1815)، ومسلم (1201).
عن ميمونة، أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة، فغسل فرجه بيده، ثم دلك بها الحائط، ثم غسلها، ثم توضأ وضوءه للصلاة، فلما فرغ من غسله غسل رجليه. رواه البخاري اللفظ له ومسلم
(1)
.
قال ابن تيمية: الاستنجاء من المني فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على الدوام، ولا أعلم إخلالهم به بحال
(2)
.
وأما الدليل النظري:
فإنه يستحب أن يغسل فرجه قبل ضوئه؛ لأنه إذا أخر غسل الفرج، فإنه إن مس فرجه انتقض وضوؤه، وإن لم يمسه أخل بسنة الدلك، وربما لا يتقين وصول الماء إلى مغابنه إلا بالدلك
(3)
.
وقد استدل الحنفية والمالكية بهذا الحديث على نجاسة المني، وذلك لكونه استنجى من المني فغسل فرجه، وليس بصواب، فإن الغسل ليس مقصورًا فقط على النجاسة، فقد يكون الغسل للنظافة، أو من أمر مستقذر وإن لم يكن نجسًا، وقد يكون الغسل من مذي أصابه، وهو نجس، فلا يصح الحديث دليلًا على نجاسة المني، وقد
(1)
صحيح البخاري (260)، ومسلم (317).
(2)
شرح العمدة (1/ 162)، وقال أيضًا في مجموع الفتاوى (21/ 594): الاستنجاء منه مستحب، كما يستحب إماطته من الثوب والبدن، وقد قيل: هو واجب، كما قد قيل: يجب غسل الأنثيين من المذي، وكما يجب غسل أعضاء الوضوء إذا خرج الخارج من الفرج، فهذا كله طهارة وجبت لخارج، وإن لم يكن المقصود بها إماطته وتنجيسه، بل سبب آخر، كما يغسل منه سائر البدن، فالحاصل أن سبب الاستنجاء منه ليس هو النجاسة، بل سبب آخر، فقولهم: يوجب طهارة الخبث، وصف ممنوع في الفرع، فليس غسله من الفرج للخبث، وليست الطهارات منحصرة في ذلك كغسل اليد عن القيام من نوم الليل، وغسل الميت، والأغسال المستحبة، وغسل الأنثيين وغير ذلك، فهذه الطهارة إن قيل بوجوبها، فهي من القسم الثالث، فيبطل قياسه على البول؛ لفساد الوصف الجامع. اهـ
(3)
شرح العمدة (1/ 370).
يكون الغسل حتى لا يحتاج إلى مسه بعد ذلك، فيبطل وضوؤه
(1)
.
وقد أشار النووي إلى أن الاستنجاء من المني لا يكفي في رفع الجنابة، فلا بد من غسله مرة أخرى بنية رفع الجنابة،
(2)
.
قلت: إذا استنجى بنية رفع الحدث وإزالة النجاسة كفى، ولا يحتاج الأمر إلى إعادة غسل الفرج مرة أخرى بنية رفع الجنابة، بل إن إزالة النجاسة لا يحتاج الأمر فيها إلى نية، فإذا ذهبت النجاسة ولو كانت النية رفع الحدث فقد حصل المطلوب، وربما كان غسل الفرج أولًا لكي لا يحتاج إلى غسله مرة أخرى فينتقض وضوءه، ولو كان غسل الفرج يتكرر أكثر من مرة لبينته السنة.
(3)
.
(1)
وقد ذكرت خلاف العلماء في حكم المني من حيث الطهارة والنجاسة، وأدلة كل فريق في مبحثين: أحدهما في كتاب أحكام النجاسة، وفي كتاب الاستنجاء من المني، فانظره هناك في مبحث مطول، فلله الحمد.
(2)
شرح النووي لصحيح مسلم (3/ 229).
(3)
الخرشي (1/ 172).
فهذا الكلام أدق من كلام النووي، حيث لا يطلب غسل الفرج مرة أخرى إذا كان غسله للفرج بنية رفع الجنابة، أو نواهما معًا: إزالة النجاسة ورفع الحدث، وأرى أن الأمر سهل جدًّا، وأن النية العامة في رفع حدث الجنابة تكفي إن شاء الله تعالى، ولا يتطلب الأمر نية خاصة عند كل عضو من البدن، فإذا نوى نية عامة في هذا الغسل رفع الجنابة، يكون الفرج داخلًا في تلك النية، حتى ولو غسله بنية إزالة الأذى، فنية الصلاة تكفي عن نية خاصة عند الركوع والسجود والجلوس، فكذلك نية الغسل تكفي عن نية خاصة عند غسل الفرج، أو الرأس، أو اليد، وهكذا، والله أعلم
* * *