الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعدم الوجوب كما نقل الخلال عنه، ونقلت ذلك في كتاب الوضوء، وعليه فنقول لهم: لا تحتجوا علينا بأحاديث أنتم أنفسكم لا تقولون بمقتضاها، والله المستعان.
•
دليل الحنابلة على وجوب التسمية:
لما كان الحنابلة يوجبون التسمية في الطهارة الصغرى، أوجبوها في الطهارة في الكبرى من باب القياس.
والجواب عنهم، هو الجواب نفسه الذي رُدَّ به قول الجمهور، فهذا الدليل هو عين دليل الجمهور إلا أن الجمهور قالوا: لما كانت الطهارة مشروعة في الطهارة الصغرى كانت مشروعة في الطهارة الكبرى، والحنابلة قالوا: لما كانت التسمية واجبة في الطهارة الصغرى كانت واجبة في الطهارة الكبرى، ولا يصح القياس لما ذكرنا في الجواب عن الدليل الذي قبل هذا.
•
دليل من قال: التسمية غير مشروعة في الغسل
.
الدليل الأول:
الأصل في العبادات الحضر، حتى يرد دليل صحيح على المشروعية، وأحاديث الاغتسال من الجنابة ليس فيها ذكر التسمية، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) [مريم: 64].
الدليل الثاني:
أن أحاديث غسل الجنابة في السنة خلو من التسمية، ولو كانت مشروعة لما أغفل الصحابة رضي الله عنهم ذكرها، ولو كانت التسمية مشروعة لحفظها الله لنا، فلما لم تنقل لنا التسمية في الغسل، لا في حديث صحيح، ولا في حديث ضعيف، كان هذا دليلًا على عدم مشروعية التسمية، والقول بمشروعية التسمية في غسل الجنابة يعني أن التسمية كانت تفعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صحابته، ولكن الصحابة قد قصروا في نقل هذه السنة للأمة، وأسوق لك بعض الأحاديث الصحيحة في صفة غسل الجنابة، وليس فيها ذكر للتسمية، منها:
(875 - 195) ما رواه البخاري من طريق هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم اغتسل، ثم يخلل بيده شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده. ورواه مسلم
(1)
.
فهذه صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة وليس فيها ذكر البسملة.
(876 - 196) ومنها ما رواه مسلم من طريق الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، قال:
حدثتني خالتي ميمونة، قالت: أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين أو ثلاثًا، ثم أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ بها على فرجه، وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكًا شديدًا، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه، ثم أتيته بمنديل فرده. ورواه البخاري
(2)
.
وهذا الحديث كغيره ليس فيه التسمية، فيبعد أن تكون التسمية مشروعة ثم لا تنقل من قوله صلى الله عليه وسلم ولا من فعله.
(877 - 197) ومنها ما رواه مسلم من طريق سفيان، عن أيوب بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن، عبد الله بن رافع مولى أم سلمة،
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء، فتطهرين
(3)
.
فهذه الأحاديث هي التي نقلت لنا صفة غسل الجنابة، وليست التسمية فيها،
(1)
البخاري (272) ومسلم (316)
(2)
البخاري (257) ومسلم (317).
(3)
صحيح مسلم (330).
وبالتالي يقطع الباحث بعدم مشروعية التسمية، ولا حاجة لنا إلى الذهاب إلى القياس على الوضوء، لأمرين بل لثلاثة:
الأول: عدم ثبوت التسمية في الوضوء.
الثاني: أن الغسل كان يتكرر منه صلى الله عليه وسلم، كما كان يتكرر من صحابته رضوان الله عليهم، فكانت الأمة بحاجة إلى معرفة حكم التسمية في الغسل، فلما لم يأت ذكر للتسمية في أحاديث صفة الغسل من الجنابة، علم أنها ليست مشروعة.
الثالث: أن القياس في العبادات ضعيف إلا ما نص على علته، ولذلك سبق لنا قول القرافي:«يعسر الحصول على ضابط لما تشرع فيه التسمية وما لا تشرع» .
وإذا كان لا يوجد ضابط كان القول بمشروعية التسمية في الغسل يحتاج إلى توقيف من الشارع، فالضابط المطرد: هو النص، فإذا لم نجد مثل ذلك لم نذهب ونتكلف بالقول بالقياس، وكيف نرد على من قال: إذا قلتم بالقياس، فقولوا بمشروعية التسمية في الصلاة والأذان بجامع أن كلًا منهما عبادة، فإذا منعتم القياس بهذه العبادات منعنا القياس على الوضوء، وهذا على التسليم في صحة التسمية في الوضوء، بل يمكن أن يعكس القياس، فيقال: لم يرد حديث صحيح ولا ضعيف في ثبوت التسمية في الغسل، أو في التيمم، وكلاهما طهارة من الحدث، فيقاس عليهم الوضوء بعدم مشروعية التسمية بجامع أن كلًا منهما طهارة من حدث، والله أعلم.
• الراجح من الخلاف.
القول بعدم مشروعية التسمية، هو القول الذي يتمشى مع الأدلة، والأصل عدم المشروعية حتى تثبت التسمية في حديث صحيح خال من النزاع، والله أعلم، وإن عدم ثبوت حديث صحيح أو ضعيف في مشروعية التسمية في الغسل يؤكد لك أخي القارئ عدم مشروعية التسمية في الطهارة الصغرى، والتي وردت فيها أحاديث لا تقوم فيها حجة، فإذا كان اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة لم نقف فيه على أثر مرفوع في
مشروعية التسمية، فالطهارة الصغرى لا يستنكر القول بعدم مشروعية التسمية فيها، وإن وردت فيها أحاديث ليست بذاك، وإذا كان الجمهور يرى مشروعية التسمية في الغسل، مع أنه لا يوجد فيها سنة مرفوعة، ولو ضعيفة، لم نجعل قول الجمهور حجة في ذهابهم إلى مشروعية التسمية في الطهارة الصغرى، والله أعلم، وانظر كلامي في التسمية في غسل الحيض، فقد يكون فات هنا شيء قد ذكرته هناك، والله الموفق.
* * *