الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني في شروط المسح على الخفين
الشرط الأول في طهارة الخف
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• كل نجاسة لا تمنع وصول الماء إلى العضو الواجب غسله أو مسحه، فطهارته صحيحة.
• لا يشترط لرفع الحدث طهارة سائر البدن من النجاسة.
• صحة المسح على الخفين النجسين منفكة عن منع الصلاة بهما.
[م-230] ضد الطاهر النجس، والنجس تارة يكون نجسًا، وتارة يكون متنجسًا.
فإن كانت عينه نجسة كما لو كان الخف من جلد خنزير فحكي الإجماع بأنه لا يمسح عليه.
قال في مواهب الجليل: «لا يمسح على خف من جلد ميتة، لو دبغ على المشهور
…
»
(1)
.
(1)
مواهب الجليل (1/ 320)، وذكر في الشرح الصغير (1/ 154) من شروط المسح على الخف أن يكون طاهرًا. وانظر حاشية الدسوقي (1/ 143).
وهذا بناء على أن الدباغ لا يطهر.
وقال النووي: لا يصح المسح على خف من جلد كلب أو خنزير، أو جلد ميتة لم يدبغ، وهذا لا خلاف فيه
(1)
.
وقال في الإنصاف: «ومنها طهارة عينه -يعني الخف- إن لم تكن ضرورة بلا نزاع»
(2)
.
فهذا النووي من الشافعية والمرداوي من الحنابلة ينقلان الإجماع على أنه لا يجوز المسح على الخف النجس في غير ضرورة، واستدلوا بالمنع:
أولًا: ما حكي من الإجماع.
ثانيًا: أن الخف بدل عن الرجل، ولو كانت الرجل نجسة لم تطهر من الحدث مع بقاء النجاسة.
والصحيح في مسألة جلد الميتة إذا دبغ أنه طاهر، وليس هذا موضع بحثه.
وإن كان الخف متنجسًا لا نجسًا، فقد اختلف العلماء في اشتراط طهارته من أجل المسح عليه.
فقيل: لا يمسح عليه، فالمتنجس كالنجس، وهو مذهب المالكية
(3)
، والشافعية
(4)
.
قال النووي: «وكذا لا يصح المسح على خف أصابته نجاسة إلا بعد غسله؛ لأنه لا يمكن الصلاة فيه»
(5)
.
(1)
المجموع (1/ 539).
(2)
الإنصاف (1/ 181).
(3)
حاشية الخرشي (1/ 179)، وقال في الشرح الكبير المطبوع بهامش حاشية الدسوقي (1/ 143):«بشرط جلد طاهر أو معفو عنه، لا نجس ومتنجس» . اهـ
ونقل الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير اعتراض الرماصي، وذلك لأن الطهارة من النجاسة عند المالكية ليست شرطًا لصحة الصلاة، فليتأمل.
(4)
مغني المحتاج (1/ 65)، المجموع (1/ 539).
(5)
المجموع (1/ 539).
وأجاز الحنابلة المسح على الخف المتنجس، ويستبيح به مس المصحف، ولا يصلي به إلا بعد غسله إن تمكن
(1)
.
وصحح الحنابلة هنا الطهارة مع أنهم يمنعون الطهارة قبل الاستنجاء، وفرقوا بينهما: بأن النجاسة الموجبة للاستنجاء قد أوجبت طهارتين الحدث والخبث بخلاف الطهارة هنا، والصحيح أنه لا فرق بينهما.
والراجح صحة الطهارة إذا مسح على خف متنجس؛ لأن طهارة الحدث لا يشترط لها أن يكون البدن طاهرًا، وما دام أن النجاسة لا تمنع وصول الماء إلى العضو الواجب غسله أو مسحه، فطهارته صحيحة، ولولا ما حكي في المسألة من إجماع في الخف إذا كان نجس العين لقلت بصحة طهارته أيضًا، ويجوز له فيها مس المصحف على القول بوجوب الطهارة لمسه، وفي المسألة خلاف.
فإذا حضرت الصلاة وجب عليه تطهير الخف أو خلعه، والدليل على أنه لا يجوز الصلاة في الخف المتنجس،
(556 - 53) ما رواه أحمد من طريق أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى، فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا. قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثًا فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها فإن رأى بها خبثًا فليمسه بالأرض ثم ليصل فيهما
(2)
.
[صحيح]
(3)
.
وحكم الخفين حكم النعلين، فإذا كان لا يصلي في نعليه إذا كان بهما أذى، فكذلك
(1)
كشاف القناع (1/ 116).
(2)
المسند (3/ 20، 92).
(3)
سبق تخريجه في المجلد السابع (ح: 1499).
لا يصلي في خفيه إذا كان بهما خبث، إلا أن صحة المسح منفكة عن منع الصلاة بهما، فإذا حضرت الصلاة خلع خفيه، ولا يعيد المسح عليهما لصحته، والله أعلم.
(1)
.
كما أنه إذا اضطر إلى لبس الخف النجس عينًا كما لو كان في بلاد الثلوج، وخشي سقوط أصابعه بخلعه، ففي مذهب الحنابلة وجهان:
الأول: له أن يمسح عليه؛ لأنه لما أذن له في لبسه، جاز له أن يمسح عليه؛ ولأنه كالجنب إذا اغتسل، وعليه نجاسة لا تمنع وصول الماء ارتفع حدثه.
ورجحه ابن تيمية، قال: إن الخف الذي يتضرر بنزعه في حكم الجبيرة، وضرره يكون بأشياء، إما أن يكون في ثلج وبرد عظيم إذا نزعه ينال رجليه ضرر، أو يكون الماء باردًا لا يمكن معه غسلهما، فإن نزعهما تيمم، فمسحهما خير من التيمم، ووجه ترجيح المسح على التيمم، أن المسح يكون بالماء، والتيمم بالتراب، والمسح يكون على العضو المتعذر غسله، والتيمم يكون على عضوين فقط: الوجه واليدين، وليس على القدم، فإذا جاز له ترك طهارة الماء إلى التيمم، فلأن يجوز ترك طهارة الغسل إلى المسح أولى
(2)
.
الوجه الثاني: هو المشهور من مذهب الحنابلة أنه يتيمم، ولا يمسح.
اختاره ابن عقيل وابن عبدوس والمجد؛ لأنه منهي عنه في الأصل، وهذه ضرورة نادرة
(3)
.
(1)
الإنصاف (1/ 182).
(2)
مجموع الفتاوى (21/ 216).
(3)
انظر المبدع (1/ 146)، والإنصاف (1/ 181).
كما أن المشهور من مذهب الحنابلة أنه يصلي بالخف النجس، ويعيد ما صلى؛ لأنه صلى، وهو حامل للنجاسة، والطهارة من النجاسة شرط في صحة الصلاة عندهم، والراجح أنه لا يعيد؛ لأنه فعل ما أمره الله به بحسب وسعه وطاقته، فلا إعادة عليه، ولم يوجب الله على العباد الصلاة مرتين إلا بتفريط. والله أعلم.
* * *