الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في السفر ركعتين إلا لمسافر، فعلم أنهم كانوا مسافرين». اهـ
(631 - 128) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن عيينة، عن إسماعيل ابن أمية، عن نافع،
عن ابن عمر أنه كان يقيم بمكة، فإذا خرج إلى منى قصر
(1)
.
[وإسناده صحيح].
قلت: ابن عمر ممن هاجر إلى المدينة، فالمقصود خروجه إلى منى في الحج.
الدليل الخامس:
أن الشيء إذا كان له حقيقة شرعية قدمت على غيرها من الحقائق، كالصلاة حقيقتها اللغوية: الدعاء، والإيمان حقيقته اللغوية: التصديق لكن جاء في الشرع بيان حقيقتهما الشرعية فقضى على حقيقتهما اللغوية.
والسفر ليس له حقيقة شرعية، فتقدم، وليس له حقيقة لغوية، واللفظ إذا لم يكن له حقيقة شرعية ولا لغوية قدمت الحقيقة العرفية، فما عده الناس في عرفهم سفرًا فهو سفر، وما لم يعتبره الناس سفرًا فليس بسفر.
• وأجيب:
بأن هذا الكلام جيد، ولكن تعليق الأمر بالعرف لا ينضبط، وقد يلتبس الأمر على عامة الناس، وقد يكون سببًا في تلاعب بعض الناس بفرائض الدين ممن لا يقدر الأمور بمقدارها، وأين اطراد العرف مع اتساع رقعة البلاد، وكثرة الناس، وقد كانت البلاد الإسلامية فيما سبق محدودة المكان وعدد الناس قليلًا، ويمكن ضبط العرف، أما الآن ففيه صعوبة.
قال ابن العربي: «لم يذكر حد السفر الذي يقع به القصر، لا في القرآن ولا في السنة، وإنما كان ذلك؛ لأنها كانت لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذي
(1)
المصنف (2/ 206) رقم 8184.
خاطبهم الله تعالى بالقرآن، فنحن نعلم قطعًا أن من برز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرًا لغة، ولا شرعًا. وإن مشى مسافر ثلاثة أيام فإنه مسافر قطعًا، كما أنا نحكم على أن من مشى يومًا وليلة كان مسافرًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم منها، وهذا هو الصحيح؛ لأنه وسط بين الحالين، وعليه عول مالك، ولكنه لم يجد هذا الحديث متفقًا عليه، وروي مرة (يومًا وليلة) ومرة (ثلاثة أيام) فجاء إلى عبد الله بن عمر، فعول على فعله، فإنه كان يقصر الصلاة إلى رئم، وهي أربعة برد؛ لأن ابن عمر كان كثير الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .... وفي البخاري: وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة برد: وهي ستة عشر فرسخًا
…
»
(1)
.
والتقدير في أربعة برد مع كونه هو أصح ما روي عن ابن عمر، وهو ثابت أيضًا عن ابن عباس، فهو أحب إلى نفسي من تحكيم العوام في الرجوع إلى عرف يصعب ضبطه، وبدلًا من ترك الناس يتلاعبون في ركنين من أركان الإسلام، يكون الرجوع إلى التحديد بالمسافة يضبط للناس ما يترخصون فيه، وما لا يترخصون فيه من أحكام السفر، والله أعلم.
ومع ذلك إن أمكن ضبط العرف فالقول به قوي أيضًا رغم ما اعترض به عليه، والله أعلم.
* * *
(1)
تفسير القرطبي (5/ 354).