الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني في تكرار المسح على الجبيرة إذا كانت على موضع يستحب تكرار غسله
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
• كل ممسوح في الطهارة لا يشرع تكراره إلا الاستجمار بالحجارة فإنه يستجمر ثلاثًا، ولو أنقى بما دونها
(1)
.
[م-290] سبق لنا أن تكلمنا عن تكرار المسح على الخفين، وسقنا الخلاف في تكرار المسح عليه،
فقيل: لا يسن تكرار المسح، وهو مذهب الحنفية
(2)
، والشافعية
(3)
.
وقيل: يكره، وهو مذهب المالكية
(4)
والمشهور من مذهب الحنابلة
(5)
.
(1)
الكليات الفقهية للمقري (ص: 82).
(2)
تبيين الحقائق (1/ 48)، المبسوط (1/ 100)، شرح فتح القدير (1/ 148) وقال:«إن تكرار المسح على الخفين غير مشروع» . وانظر الفتاوى الهندية (1/ 33).
(3)
المجموع (1/ 549)، روضة الطالبين (1/ 130).
(4)
حاشية الدسوقي (1/ 145)، مواهب الجليل (1/ 322)، وحاشية العدوي على الخرشي (1/ 181، 182) التاج والإكليل (1/ 472)، الشرح الصغير (1/ 156).
والمالكية إنما يكرهون تكرار المسح إذا كان بماء جديد، فإن كان بدون أخذ ماء جديد فلا كراهة عندهم، وقد نص عليه في حاشية الدسوقي (1/ 145)، وإذا جفت يد الماسح أثناء المسح لم يجدد، وكَمُلَ العضو الذي حصل فيه الجفاف.
(5)
مسائل أحمد رواية أبي داود (1/ 16) رقم 53، وانظر الإنصاف (1/ 185)، شرح الزركشي (1/ 404)، حاشية العنقري (1/ 64)، كشاف القناع (1/ 118).
وقيل: يشرع تكراه المسح ثلاثًا قياسًا على الغسل، وهو اختيار عطاء
(1)
.
وأظن الخلاف في تكرار المسح على الجبيرة كالخلاف في الخف؛ بجامع أن كلًا منهما مسح على حائل.
(2)
.
* * *
(1)
رواه عبد الرزاق في المصنف عن عطاء بسند صحيح (856)، وانظر الأوسط (1/ 456).
(2)
مواهب الجليل (1/ 361).
الخاتمة
أهم النتائج التي توصلت إليها في البحث:
بعد نهاية التطواف في أحكام المسح على الخفين والجوربين والعمامة والجبيرة نخرج من هذا البحث بفوائد منها:
الفائدة الأولى: أن جل مسائل أحكام المسح على الخفين نجد أن قول الجمهور فيها خلاف القول الراجح، مما يؤكد لطالب العلم أن الكثرة لا تدل على الإصابة، فكم من قول تبناه الجمهور، وهو قول ضعيف من جهة الأثر والنظر، فينبغي لطالب العلم أن يكون نظره في الدليل، وفي الدليل فقط ولا ينظر من قال به، وكنت أزعم أن طالب العلم لو جمع في أحكام العبادات ما خالف فيها الجمهور القول الراجح لخرج من ذلك بمجلد كبير، بل مجلدات.
الفائدة الثانية: أن مسائل الإجماع في هذا الباب قليلة جدًّا، وذلك لأن أصل الباب، وهو المسح على الخفين أنكره بعض السلف، وبعضهم ادعى أنه منسوخ بآية المائدة.
الفائدة الثالثة: أكثر شروط المسح على الخفين لا دليل عليها من الأثر، ولا من النظر الصحيح.
الفائدة الرابعة: كثرة الأحاديث في المسح على الخفين، بل إن الأحاديث الواردة في المسح على الخفين أعظم بكثير من أحاديث الحيض والاستحاضة والنفاس، وأكثر من أحاديث التيمم، مع أن هذين البابين أهم بكثير من المسح على الخفين، كل ذلك من أجل توكيد المسح على الخفين، ورفع الريبة في حكمهما، والله أعلم.
الفائدة الخامسة: ما رجحته في مباحث هذا الكتاب كالتالي
رجحت جواز المسح على الخفين والجوربين والنعل والعمامة والخمار، كما ملت إلى ترجيح الغسل على المسح من بعض الوجوه.
كما رجحت أن المسح على الخفين رافع للحدث.
وأن من به حدث دائم يحق له المسح كغيره.
وأنه يجوز المسح على الخف المتنجس في استباحة مس المصحف ونحوه مما لا تشترط له الطهارة من النجس، بخلاف الصلاة، فإنه يجب عليه أن يكون طاهرًا في بدنه وثوبه وبقعته، والله أعلم.
ورجحت المسح على الخف المحرم، سواء كان التحريم لحق الله أم لحق الآدمي، وذلك لأن التحريم عائد على أمر خارج عن المسح.
كما رجحت جواز المسح على الخف المخرق، سواء كان الخرق يسيرًا أم كبيرًا ما دام يمكن له أن يلبسه، وينتفع به.
كما رجحت جواز المسح على الجوارب التي تصف البشرة لرقتها، وأنه لا يوجد دليل على اشتراط أن يكون الجورب صفيقًا.
كما بينت ضعف مذهب المالكية في اشتراط كون الخف من جلد.
ورجحت أن يكون لبسه للخف على طهارة مائية، فلو تيمم، ولبس الخف، فإذا وجد الماء وجب خلع الخف، لعود الحدث السابق للبدن.
كما رجحت جواز لبس الخف بعد طهارة إحدى القدمين، وأنه لا يشترط أن
تكون القدمان كلتاهما طاهرتين، وإن كان الأحوط مراعاة ذلك.
والمسح على الحائل لا مجال للقياس فيه، فلا يمسح إلا ما ورد به النص من خف وجورب وعمامة، فلا يجوز أن يمسح على القفازين، ولا على ما تطلي به المرأة أظفارها، ونحو ذلك.
كما رجحت بأن نية الوضوء شرط في صحة المسح على الخفين، فلو مسحهما بلا نية لم يصح الوضوء.
وأما صفة المسح فيكفي مسح أكثر ظاهر الخف، وأكره غسل الخف بدلًا من مسحه، ولا يشرع تكرار المسح على الخفين، وأن يبدأ باليمنى حال المسح، وإن بدأ بهما معًا فلا حرج، وأن تبدأ المدة من أول مسح بعد الحدث، وأن الراجح في المسح على الخفين بأنه عبادة مؤقتة، يومً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ورجحت جواز لبس الخف على الخف، وإذا مسح خفًا تعلق الحكم به، فإذا خلعه، ثم أعاده، لم يمسح عليه إلا إن لبسه على طهارة مائية، ولا تنتقض الطهارة بمجرد خلع الخف.
ورجحت جواز المسح على العمامة، وعلى خمار المرأة، وعلى القلانس، وأن المسح على العمامة لا يشترط أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة، ولا يشترط لبس العمامة على طهارة، ومسحها غير مؤقت على الصحيح، وإذا خلع العمامة لم تبطل طهارته، ولا يشترط استيعاب العمامة بالمسح.
وفي المسح على الجبيرة رجحت أن المسح لم يرد فيه نص مرفوع مع كثرة ما يصيب المسلمين من جراح، وهم أهل جهاد، فلو كان مشروعًا لجاء ما يبين هذا الحكم، خاصة أنه يتعلق بأعظم العبادات العملية، وهي الصلاة، وأن المشروع في الجبيرة أن يعطى الأكثر حكم الكل، فإن كان أكثر الأعضاء سليمًا سقط غسل الباقي، وإن كان أكثر الأعضاء عليه جبيرة شرع التيمم، وسقط الغسل، والله أعلم.
وهذه المسائل التي رجحتها لا تعدو أن تكون فهمًا معرضًا للخطأ والصواب،
والتقصير والقصور، وهذا الفهم قد توافقني عليه، وقد تخالفني، ولا يكلف الإنسان إلا بما ظهر له، فإن أصاب فله أجران، وإلا كان له أجر، وهذا من لطف الله سبحانه وتعالى حيث لم يحرم المجتهد إذا أخطأ من الأجر، فهو على النصف من أجر المصيب، وما على الإنسان إلا أن يستفرغ وسعه في البحث والتحري للقول الراجح، وأن يبذل ما يستطيع في فهم النصوص، وأن يتحرى العدل والإنصاف، وأن يكون كالقاضي بين الخصوم، ينظر في حجة كل قول، ويتحرى أقربها للحق والعدل، وأن يبتعد عن التقليد الأعمى، فما وهنت الأمة، ولا ذلت، إلا بتركها الجهاد والاجتهاد في دينها، ففي الجهاد كمال القوة، وفي الاجتهاد كمال العلم والمعرفة. قال سبحانه وتعالى:(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[التوبة: 122].
وفي الختام أسأل الله سبحانه وتعالى بلطفه ورحمته وكرمه وعفوه أن يتجاوز عني، وأن يغفر لي ذنبي كله، وأن يسددني في القول والعمل، وأن يجعل ما علمنا حجة لنا لا علينا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه ولي ذلك والقادر عليه. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
* * *