الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل السابع:
(540 - 37) ما رواه ابن عدي في الكامل من طريق رواد بن الجراح، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار،
عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، ومسح على نعليه
(1)
.
[رواد مجروح في روايته عن سفيان إلا أنه لم ينفرد به، والحديث فيه اختلاف كثير في لفظه]
(2)
.
= وإن كان الأثر موقوفًا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إلا أن عليًا قد أمرنا باتباع سنته، ولم أقف على مخالف له، وهو يؤيد ما سبق من حديث المغيرة، وأبي أوس الثقفي، وابن عمر، وأبي موسى الأشعري.
ورواه عبد الرزاق (784) عن الثوري، عن الأعمش به.
وأخرجه البيهقي (1/ 288) من طريق ابن نمير، عن الأعمش به مطولًا، ولفظه:
رأيت علي بن أبي طالب بالرحبة بال قائمًا حتى أدعى، فأتى بكوز من ماء، فغسل يديه، واستنشق، وتمضمض، وغسل وجهه وذراعيه، ومسح برأسه، ثم أخذ كفًا من ماء، فوضعه على رأسه حتى رأيت الماء ينحدر على لحيته، ثم مسح على نعليه، ثم أقيمت الصلاة، فخلع نعليه، ثم تقدم، فأم الناس. قال ابن نمير: قال الأعمش: فحدثت إبراهيم، قال: إذا رأيت أبا ظبيان فأخبرني، فرأيت أبا ظبيان قائمًا في الكناسة، فقلت: هذا أبو ظبيان، فأتاه، فسأله عن الحديث.
ورواه عبد الرزاق (783) من طريق يزيد بن أبي زياد، عن أبي ظبيان به. ويزيد بن أبي زياد فيه ضعف.
ورواه ابن أبي شيبة (1/ 173) حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب، عن زيد، أن عليًا بال، ومسح على النعلين. ورجاله ثقات، وعنعنة حبيب بن أبي ثابت زالت بالمتابعة.
وفي هذا الأثر عن علي، ليس فيه ذكر الجوربين حتى يمكن أن يقال: إنه مسح على جوربين منعلين، وكذلك الأثر عن ابن عمر.
(1)
الكامل (3/ 177).
(2)
ومن طريق ابن عدي رواه البيهقي (1/ 286)، وقال:«هكذا رواه رواد بن الجراح، وهو يتفرد عن الثوري بمناكير، هذا أحدها، والثقات رووه عن الثوري دون هذه اللفظة» .
قلت: لم ينفرد به، فقد تابعه غيره كما سيأتي بيانه.
ورواد صدوق، إلا أنه تغير في آخره، وتكلم في روايته عن سفيان، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فوثقه يحيى بن معين، وقال في رواية: لا بأس به إنما غلط في حديث سفيان. الجرح والتعديل (3/ 524)، تهذيب التهذيب (3/ 249).
وقال أحمد: لا بأس به، إلا أنه حدث عن سفيان أحاديث مناكير. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: هو مضطرب الحديث تغير حفظه في آخر عمره وكان محله الصدق، قال ابن أبي حاتم: أدخله البخاري في كتاب الضعفاء، فقال: يحول عن ذلك. الجرح والتعديل (3/ 524).
وقال الحافظ: صدوق اختلط بآخرة فترك، وفي حديثه عن الثوري ضعف شديد.
قلت: لم ينفرد به عن سفيان، فقد تابعه زيد بن الحباب كما في سنن البيهقي (1/ 286)، كما لم ينفرد به سفيان عن زيد بن أسلم، فقد تابعه معمر، بالمسح على النعلين.
رواه عبد الرزاق (783) عن معمر، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي ظبيان، في قصة مسح أمير المؤمين علي بن أبي طالب على نعليه. قال معمر: ولو شئت أن أحدث أن زيد بن أسلم حدثني عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صنع كما صنع علي.
والحديث اختلف فيه على سفيان:
فرواه رواد بن الجراح وزيد بن الحباب عن سفيان، عن زيد بن أسلم كما سبق في المسح على النعلين،
ورواه جماعة عن سفيان، ولم يذكروا النعلين:
الأول: محمد بن يوسف، كما عند البخاري (157)، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة.
الثاني: يحيى بن سعيد، أخرجه أبو داود (138) والنسائي (80)، والترمذي (42) وابن ماجه (411)، وابن حبان (1195) ولفظه أيضًا كلفظ محمد بن يوسف (توضأ مرة مرة).
الثالث: وكيع، كما عند الترمذي (42) بالوضوء مرة مرة.
الرابع: أبو عاصم النبيل كما عند الدارمي (696) والطحاوي (1/ 29) بذكر الوضوء مرة مرة.
الخامس: أبو شهاب الحناط، كما عند أبي عبيد في كتاب الطهور (103).
السادس: المؤمل بن إسماعيل، كما عند البغوي في شرح السنة (226).
السابع: قبيصة بن عقبة، كما عند الدارمي (711)، فهؤلاء لا يختلفون على سفيان، رووه بالوضوء مرة مرة، وزاد قبيصة: ونضح على فرجه، ولم يذكرها أحد غيره، فذكر النضح غير محفوظ بهذا الحديث.
الثامن: عبد الرزاق كما في المصنف (128) بلفظ: (ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف بيده اليمنى، ثم صب على اليسرى صبة صبة). ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد (1/ 365).
وخالفهم رواد بن الجراح وزيد بن الحباب، في سفيان، عن زيد بن أسلم فذكرا المسح على النعل. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وانفرد محمد بن يزيد الجرمي، عن سفيان، وفيه:(وغسل رجليه وعليه نعله) والقطان وحده مقدم على رواد وزيد بن الحباب، كيف وقد وافقه وكيع والفريابي والضحاك وغيرهم ممن ذكرتهم.
هذا بيان الاختلاف على سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس
أما الاختلاف على زيد بن أسلم فكالتالي:
رواه عن زيد بن أسلم أحد عشر نفسًا
فبعض الروايات ذكرت غسل الرجلين، ولم تذكر الرش ولا النعلين:
رواه جماعة منهم:
- ابن عجلان عند ابن أبي شيبة (1/ 17) رقم 64، وأبي يعلى (2486)، والنسائي (103)، وابن ماجه (439)، وابن خزيمة (148)، وابن حبان (1078، 1086)، والبيهقي (1/ 55، 73) وغيرهم.
- محمد بن جعفر بن كثير عند البيهقي (1/ 73).
- ورقاء بن عمر، كما عند البيهقي (1/ 67، 73).
- أبو بكر بن محمد عند عبد الرزاق (129).
وروايات تذكر الرش حتى يبلغ الغسل:
كرواية سليمان بن بلال عند البخاري (140)، وأحمد (1/ 286) والبيهقي (1/ 72).
ورواية تذكر الرش على النعلين مع المسح: وذلك مثل:
- هشام بن سعد عند أبي داود (137) والحاكم (1/ 147)، والبيهقي (1/ 73) وفي المعرفة (1/ 222)، وانفرد هشام بن سعد بذكر مسح أسفل النعل، وليس بمحفوظ.
- الدراوردي، كما في الطهور لأبي عبيد (105) والطحاوي (1/ 35)، ورواه بعضهم عن الدراوردي، ولم يذكر مسح النعل، انظر النسائي (101)، وابن ماجه (403)، والدارمي (697)، ومسند أبي يعلى (2670، 2672)، والطحاوي (1/ 32) والبيهقي (1/ 50)، وابن حبان (1076).
- معمر، بذكر المسح على النعلين عند عبد الرزاق (783) وسبق أن ذكرت لفظها.
فما هو الراجح من هذه الروايات، هل يكون المسح على النعلين محفوظًا والاختلاف فيه كما ترى؟
أقول -والله أعلم-: إن هذا الحديث قد اتفق رواته على أن الوضوء فيه مرة مرة، سواء ذكروه بهذا اللفظ المختصر، أو ذكروه على سبيل التفصيل، وكلا الروايتين في البخاري، والذي ساقه مختصرًا لم يتعرض لذكر أعضاء الوضوء بما فيها الرجلان، والذين ذكروه مفصلًا ذكروا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأخذ غرفة واحدة لكل عضو، ويكتفي بها، بما في ذلك القدمان، وعند =
وقد وقف العلماء من أحاديث المسح على النعال على مواقف منها:
الأول: القول بالمسح على النعال. وهذا أسعدها بالدليل، وحمل الأحاديث
ابن تيمية على النعل التي يشق نزعها إلا بيد أو رجل
(1)
.
ولعله لحظ الحكمة من المسح على الخفين، وهي مشقة النزع فألحق بها ما يشق نزعها من النعال، والله أعلم.
الموقف الثاني:
ضعف بعضهم الأحاديث الواردة في المسح على النعل، وهذا وإن كان قد يُسَلَّم
= التأمل فلن يكفي في غسل القدم ظاهره وباطنه من أصابع القدمين حتى نهاية الكعبين من كف واحدة، فالذي ذكر الغسل نظر إلى غسل ظاهر القدم، والذي ذكر مسح النعل، نظر إلى أن غسل القدم لم يعم المحل المفروض، وهو باطن القدم، وبعض الروايات ذكرت الغسل والمسح معًا كطريق القاسم بن محمد الجرمي عن سفيان وهشام بن سعد عند البيهقي (1/ 73) فلو كان الغسل كافيًا فلماذا المسح؟ فإن قيل: وإذا كان المسح كافيًا فلماذا الغسل؟
أجيب: بأن النعل، وإن كان مسحها كافيًا كما جاء من حديث المغيرة وأبي موسى، وأوس بن
أبي أوس وابن عمر مرفوعًا وموقوفًا، ومن حديث علي بن أبي طالب موقوفًا عليه إلا أن الرش مع النعل جائز أيضًا، وهو درجة بين المسح والغسل، فإن مسح النعل أجزأه، وإن رش القدم مع النعل أجزأه أيضًا، وقد ذكر ابن القيم في معرض إجابته عن حديث المسح على النعلين ما يقوي هذا، فقال: «إن الرجل لها ثلاثة أحوال:
حال تكون في الخف، فيجزئ مسح سائرها.
وحال تكون حافية، فيجب غسلها، فهاتان مرتبتان: وهما كشفها وسترها.
ففي حال كشفها لها أعلى مراتب الطهارة، وهي الغسل التام.
وفي حال استتارها، لها أدناها، وهي المسح على الحائل.
ولها حال ثالثة، وهي حالما تكون في النعل، وهي حال متوسطة بين كشفها وبين سترها بالخف، فأعطيت حالًا متوسطة من الطهارة، وهي الرش؛ فإنه بين الغسل والمسح، وحيث أطلق لفظ المسح عليها فالمراد به الرش؛ لأنه جاء مفسرًا في الرواية الأخرى». اهـ
وهذا الكلام جيد، وحمل حديث ابن عباس على هذا متعين جمعًا بين الروايات، إلا أن الرش ليس واجبًا كما قدمت فالمسح كاف كما دلت عليه الأحاديث السابقة.
(1)
الفروع (1/ 160).
في أكثرها، لكن لا يسلم في الكل.
الموقف الثالث:
بعضهم أولها على أنه مسح على جوربين منعلين، وقد أجبت عن هذا التأويل فيما سبق، ومع أن هذا فيه تكلف فإن هذا ممكن أن يقال في أحاديث مسح على الجوربين والنعلين، وأما الأحاديث الكثيرة التي تفيد المسح على النعلين بدون ذكر الجوربين فلا يقبل هذا التأويل.
الموقف الرابع:
ذهب بعضهم إلى معارضة أحاديث المسح على النعلين بأحاديث وجوب غسل الرجلين، وهذا ضعيف؛ لأن أحاديث مسح النعلين لا تعارض غسل القدمين إلا إذا كان المسح على الخفين يعارض أحاديث غسل الرجلين.
الموقف الخامس:
ادعى بعضهم أن أحاديث مسح النعل منسوخة بأحاديث غسل الرجلين، ذكر ذلك ابن القيم في تهذيب السنن.
الموقف السادس:
حمل بعضهم أحاديث المسح على النعلين بأنه في حال تجديد الوضوء؛ وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على القدمين في تجديد الوضوء، فكذلك يحمل المسح على النعلين بأنه في حال تجديد الوضوء.
(541 - 38) فقد روى أحمد، قال: ثنا بهز، ثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت النزال بن سبرة، قال:
رأيت عليًا رضي الله تعالى عنه صلى الظهر، ثم قعد لحوائج الناس، فلما حضرت العصر أتى بتور من ماء، فأخذ منه كفا، فمسح وجهه وذراعيه، ورأسه ورجليه، ثم أخذ فضله، فشرب قائمًا، وقال: إن ناسًا يكرهون هذا، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يفعله، وهذا وضوء من لم يحدث
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
الموقف السابع:
قالوا: إن معنى: مسح على النعلين المقصود بالمسح هو الغسل الخفيف، قال
(1)
أحمد (1/ 153).
(2)
رجاله ثقات.
والحديث أخرجه النسائي في الكبرى (133)، وفي الصغرى (130) من طريق بهز بن أسد.
وأخرجه ابن الجعد في مسنده (459).
وأبو داود الطيالسي في المسند (148) ومن طريق الطيالسي أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5982).
وأخرجه أحمد (1/ 123) عن وكيع.
وابن جرير الطبري في تفسيره (6/ 113)، والبزار في مسنده (782) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 34) من طريق وهب بن جرير.
وأخرجه أحمد (1/ 139) وابن خزيمة (16) من طريق محمد بن جعفر.
وأخرجه البيهقي في السنن (1/ 75) من طريق آدم، كلهم (بهز، وابن الجعد، والطيالسي، ووكيع، ووهب بن جرير، ومحمد بن جعفر) رووه عن شعبة، عن عبد الملك به. وهو في البخاري (5616) من طريق آدم عن شعبة، لكن بقصة الشرب قائمًا فقط.
وأخرجه أحمد (1/ 159) وأبو يعلى (368) وابن خزيمة (1/ 11، 101) وابن حبان (1057، 1340) من طريق منصور،
وأخرجه أحمد (1/ 78) والترمذي في الشمائل (210) من طريق الأعمش، كلاهما عن عبد الملك به.
وأخرجه أحمد (1/ 144) حدثنا يزيد -يعني ابن هارون-.
وأبو يعلى في مسنده (309) من طريق محمد بن عبد الله بن الزبير
والبيهقي في السنن (7/ 281) من طريق أبي نعيم ثلاثتهم عن مسعر، عن عبد الملك به بذكر مسح أعضاء الوضوء.
وأخرجه البخاري (5615) حدثنا أبو نعيم،
وأبو داود (3718) من طريق يحيى،
والبزار (780) من طريق أبي أحمد، ثلاثتهم عن مسعر به، بقصة الشرب قائمًا فقط، وانظر (ح 324).
ابن الأثير: المسح يأتي بمعنى المسح باليد، وبمعنى الغسل
(1)
، ويكون معنى حديث علي رضي الله عنه:(مسح وجهه وذراعيه، ورأسه ورجليه) أي غسلهما غسلًا خفيفًا، والله أعلم.
• والجواب:
أولًا: حمل أحاديث المسح على النعلين على تجديد الوضوء حمل ضعيف؛ لأنه صح عن علي رضي الله عنه غسل الرجلين ثلاثًا، ومَسْحُ النعلين، ومَسْح القدمين بلا نعلين في طهارة تجديد الوضوء، وهذه الأحاديث لا يعارض بعضها بعضًا، مع اختلاف مخارجها.
ثانيًا: ثبت عن علي بسند صحيح كما خرجته عنه أنه بال، ثم توضأ، فمسح على نعليه، ثم أقام المؤذن فخلعهما، ثم صلى، كما في مصنف ابن أبي شيبة
(2)
، وهذا صريح في أنه مسح على نعليه بعد الحدث، وهو نفسه الراوي لمسح القدمين في طهارة تجديد الوضوء.
والقول: بأن المسح يأتي بمعنى الغسل، هذا أيضًا فيه إشكال، وهو أن عليًّا رضي الله عنه جعل هذا وضوء من لم يحدث، ولو كان المسح بمعنى الغسل لم يكن لقيد (ما لم يحدث) معنى، والأصل حمل المسح على حقيقته إلا لقرينة مانعة من حمل اللفظ على حقيقته، ولا قرينة، والله أعلم.
هذا ما أمكن جمعه في مسألة المسح على النعلين، والراجح عندي جوازه، بناء على أصل فقهي مشيت عليه، وهو الاحتجاج بما يثبت عن الصحابة، خاصة ما كان معدودًا من الفقهاء منهم إذا لم يخالف من مثله، ولو لم يأت في المسألة إلا الأثر عن علي ابن أبي طالب لانشرح الصدر بالقول به، ما دام أنه لم يعلم له مخالف، وكونه لم ينتشر
(1)
النهاية في غريب الحديث (4/ 92).
(2)
المصنف (1/ 173)، وانظر تخريجه ح:(539).
القول به كانتشار المسح على الخفين فهذا ليس كافيًا في رده، وقد أنكر بعض السلف المسح على الخفين من الصحابة ومن بعدهم، أيكون إنكارهم للمسح على الخفين رافعًا لما ثبت شرعًا من جواز المسح عليهما؟ وسواء مسح على النعل، أو رش القدم في النعل فكلاهما جائز، والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *