الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني في مقدار المسافة التي يسوغ فيها مسح المسافر
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• السفر في النصوص مطلق غير مقيد بزمن ولا مسافة؛ والسفر إذا لم يكن له حقيقة شرعية، ولا لغوية كان الرجوع فيه إلى عرف الناس فما عده الناس سفرًا فهو سفر.
• إذا قيل: المرجع في ذلك إلى العرف، فالمقصود به العرف المنضبط التي يمكن أن تناط به الأحكام، والذي لا يختلف فيه أكثر الناس.
• الرجوع إلى عرف الناس في معرفة ما يعد سفرًا مع سعة البلاد وكثرة العباد يؤدي إلى التلاعب في ركنين من أركان الإسلام، وهما القصر والفطر.
• إذا كان الفقهاء يحيلون المستفتي إلى عرف الناس، مع أنهم من جملة أهل العرف فلو كان العرف منضبطًا لوجدوه معلومًا معروفًا لهم، فلم يبق بعد الفقهاء إلا العوام، وهم لا يصح تقليدهم في الدين.
• من العرف ما هو مطرد منضبط، كالرجوع إلى العرف في مدلولات ألفاظ الناس ومرادهم منها، وتقدير النفقات، ومعرفة الشروط العرفية في المعاملات إذا
كانت مطردة، وصفة القبض والحرز ونحوها.
ومنه ما لا يمكن انضباطه واطراده كالشأن في التنقل بين الأماكن المختلفة، في البلدان المختلفة، وما يعد منها سفرًا في العرف وما لا يعد، وأين اطراد العرف في مثل هذا مع اتساع رقعة البلاد، وكثرة الناس واختلافهم، ففي الوقوف على عرف منضبط لدى الناس اليوم فيه صعوبة لا تخفى.
• يؤخذ في تقدير المسافة في السفر بأكثر مدة قالها الفقهاء، وما دونها يكون مختلفًا فيه، وإذا اختلف العلماء في مبيح القصر والفطر رجعنا إلى الأصل وهو أن الأصل عدم السفر، وأنه مقيم حتى نتيقن السفر.
• ليس المقصود أنه لا يترخص إلا فيما أجمع المسلمون على القصر والفطر فيه، فهذا ليس خلافًا في المسافة، وإنما هو خلاف في نوع السفر الذي يترخص فيه، لا في مسافته، والراجح أنه يترخص في كل سفر، مباحًا كان أو غيره.
• إذا شك، هل السفر مبيح للقصر أو لا؟ لم يبح له القصر؛ لأن الأصل وجوب الائتمام فلا يزول بالشك.
[م-253] اختلف العلماء في المسافة التي يسوغ فيها الترخص بالمسح ثلاثة أيام ولياليهن، إلى أقوال:
فقيل: المعتبر مسيرة ثلاثة أيام للسير الوسط، بسير الإبل محملة بالأثقال، مع اعتبار النزول المعتاد للنوم والأكل والصلاة، وهو مذهب الحنفية
(1)
.
وقيل: المعتبر أربعة برد، وهي ثمانية وأربعون ميلًا، وهو مذهب الجمهور من
(1)
شرح فتح القدير (2/ 27، 28)، وحاشية ابن عابدين (1/ 122)، فتاوى الهندية (1/ 138)، مجمع الأنهر شرح متلقى الأبحر (1/ 161).
المالكية
(1)
،
والشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
.
وقيل: مسيرة يوم وليلة، روي هذا عن مالك، وقيل: إنه رجع عنه
(4)
.
وقيل: أقل مسافة للترخص ثلاثة أميال
(5)
.
وقيل: إن مشى ميلًا قصر الصلاة، وإن مشى أقل من ميل صلى أربعًا، وهذا اختيار ابن حزم
(6)
.
وقيل: جوازه في كل ما يسمى سفرًا عرفًا، وهو اختيار ابن تيمية
(7)
.
وقيل: أقوال غير ذلك حتى حكى ابن المنذر عشرين قولًا في المسألة
(8)
.
(1)
قال مالك في المدونة (1/ 207): «لا يقصر الصلاة إلا في مسيرة ثمانية وأربعين ميلًا، كما قال
ابن عباس: في أربعة برد». اهـ
وانظر القوانين الفقهية لابن جزي (ص: 100)، منح الجليل (1/ 402)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 477)، حاشية الدسوقي (1/ 358)، حاشية العدوي (1/ 363، 364)، الفواكه الدواني (1/ 253).
(2)
قال الشافعي في الأم (1/ 118): «وإذا سافر الرجل سفرًا يكون ستة وأربعين ميلًا هاشميًا فله أن يقصر الصلاة» .
(3)
مسائل أحمد رواية عبد الله (2/ 386) رقم 546، ومسائل ابن هانئ (1/ 81) رقم 404. وقال أبو داود في مسائل أحمد (1/ 106) رقم 514:«سمعت أحمد يسأل: في كم تقصر الصلاة؟ قال: في أربعة برد: ستة عشر فرسخًا. قيل له: وأنا أسمع، ويفطر فيه، قال: نعم» .
(4)
جاء في المنتقى للباجي (1/ 262): «المشهور عن مالك أن أقل سفر القصر أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخًا، وهي ثمانية وأربعون ميلًا، وإلى ذلك ذهب الشافعي.، وروي عنه مسيرة يوم وليلة. وروى ابن القاسم أن مالكًا رجع عنه.
قال القاضي أبو محمد عن بعض أصحابنا أن قوله: مسيرة يوم وليلة، ومسيرة أربعة برد واحد، وأن اليوم والليلة في الغالب هو ما يسار فيه أربعة برد، فيكون معنى قول ابن القاسم ترك التحديد باليوم والليلة، أنه ترك ذلك اللفظ إلى لفظ هو أبين منه
…
». إلخ كلامه.
(5)
فتح الباري (2/ 567).
(6)
المحلى (3/ 192).
(7)
مجموع الفتاوى (19/ 243).
(8)
الدرر السنية في الأجوبة النجدية (4/ 422)، سبل السلام (1/ 388).