الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• ويجاب عن هذا الأثر بجوابين:
أحدهما: أن الراجح من حديث حماد أنه موقوف على عمر، وإذا كان كذلك فقد ذكرت قول عمر في الدليل الأول، وأجبت عنه، ولا يعارض المرفوع بالموقوف.
الجواب الثاني: على فرض أن يكون صحيحًا فالصحيح إذا عارضه ما هو أصح منه، فإن أمكن الجمع، وإلا عمل بالأرجح، ولا شك أن أحاديث التوقيت أرجح من غيرها؛ لكثرة رواتها، وقوة إسنادها، وقد سقت جملة من الأحاديث المرفوعة على أن المسح على الخفين عبادة مؤقتة، وسقت جملة من الآثار ذكرتها في القول الأول، والله أعلم.
الدليل الرابع:
استدلوا ببعض الآثار عن الصحابة رضوان الله عليهم، من ذلك.
الأثر الأول:
(612 - 109) ما رواه ابن المنذر، قال: حدثنا إسحاق -يعني: ابن إبراهيم- عن عبد الرزاق، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: امسح على الخفين ما لم تخلعهما
(1)
.
= ووجه ترجيح الأثر الموقوف على عمر:
أن أسد بن موسى قد اختلف عليه فيه، فرواه مرفوعًا من حديث أنس، وموقوفًا من قول عمر رضي الله عنه، وقد توبع في كلا الطريقين، تابعه على الرفع عبد الغفار بن داود، وفي إسناده المقدام بن داود رجل ضعيف، بينما تابعه على الوقف على عمر إمام من الأئمة، وهو عبد الرحمن ابن مهدي، فإن كانت التقوية من أجل المتابعة فلا مقارنة بينهما، فيكون المحفوظ من حديث حماد، هو الموقف على عمر، خاصة أن قول عمر في عدم التوقيت مشهور أيضًا من غير هذا الطريق، وهذا مرجح بأمر خارج، وهو متبع، وقد سبق تخريج أثر عمر، والله أعلم.
ونفسي تميل إلى أن الأثر موقوف على عمر كما رجحه ابن حزم، وإذا كان كذلك فقد أجبت في الدليل الأول عن قول عمر لعقبة:(أصبت) حين مسح من الجمعة إلى الجمعة، والله أعلم.
(1)
الأوسط (1/ 438).
[صحيح]
(1)
.
قال ابن حزم: «لا حجة فيه؛ لأن ابن عمر لم يكن عنده المسح، ولا عرفه، بل أنكره حتى أعلمه به سعد بالكوفة، ثم أبوه بالمدينة في خلافته، فلم يكن في علم المسح كغيره، ومع ذلك فقد روى عنه التوقيت،
(613 - 110) روينا من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن نافع،
عن ابن عمر، قال: أين السائلون عن المسح على الخفين؟ للمسافر ثلاثًا، وللمقيم يومًا وليلة»
(2)
.
• ونوقش هذا:
بأن محمد بن عبيد الله العرزمي متروك، كما في التقريب.
لكن جاء بسند حسن عن ابن عمر القول بالتوقيت،
(614 - 111) فقد روى ابن أبي شيبة، حدثنا هشيم، قال أخبرنا غيلان بن عبد الله مولى بني مخزوم، قال:
سمعت ابن عمر سأله رجل من الأنصار عن المسح على الخفين، فقال: ثلاثة أيام للمسافر، وللمقيم يوم وليلة
(3)
.
(1)
وهو في مصنف عبد الرزاق (804، 763) إلا أنه قال: عبد الله بن عمر بدلًا من عبيد الله، وعبد الله ضعيف، وعبيد الله ثقة، فإن لم يكن الحديث جاء من طريق الاثنين، وإلا فالراجح عبيد الله؛ لأنه هكذا في رواية البيهقي (1/ 280)، وابن حزم (1/ 212) من طريق هشام ابن حسان، وعند البيهقي أيضًا (1/ 280) من طريق عبد الله بن رجاء، كلاهما عن عبيد الله بالتصغير.
وقال ابن حزم في المحلى (1/ 328): «ولا يصح خلاف التوقيت عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر فقط» .
(2)
المحلى (1/ 329).
(3)
المصنف (1/ 164).
[حسن]
(1)
.
الأثر الثاني:
(615 - 112) ما رواه ابن أبي شيبة، قال حدثنا أبو بكر الحنفي، عن أسامة بن زيد، عن إسحاق مولى زائدة،
أن سعد بن أبي وقاص خرج من الخلاء، فتوضأ، ومسح على خفيه، فقيل له: أتمسح عليهما، وقد خرجت من الخلاء، قال: نعم، إذا أدخلت القدمين الخفين، وهما طاهرتان، فامسح عليهما، ولا تخلعهما إلا لجنابة
(2)
.
[ضعيف، وقد ثبت عن سعد القول بالتوقيت]
(3)
.
(1)
غيلان بن عبد الله، جاء في ترجتمه:
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: غيلان بن عبد الله مولى قريش الذي حدثنا عنه هشيم وروى عنه شعبة، هو أحب إلي من سهيل بن ذكوان. الجرح والتعديل (7/ 53).
وسهيل بن ذكوان حسن الحديث، فإذا كان غيلان مقدمًا عليه لم ينزل حديث غيلان عن مرتبة الحسن.
وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 219)، فالإسناد حسن إن شاء الله تعالى.
(2)
المصنف (1/ 168).
(3)
فيه أسامة بن زيد، وثقه يحيى بن معين، والعجلي. وقال ابن عدي: ليس بحديثه ولا برواياته بأس، وهو خير من أسامة بن زيد بن أسلم بكثير. الكامل (1/ 394). ترك يحيى بن سعيد حديث أسامة بن زيد بأخرة. الجرح والتعديل (2/ 284). وقال عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل: قال أبي: روى أسامة بن زيد، عن نافع أحاديث مناكير. قلت له: إن أسامة حسن الحديث، فقال: إن تدبرت حديثه، فستعرف النكرة فيها. المرجع السابق.
وقال أحمد: ليس بشيء. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه، ولا يحتج به. المرجع السابق.
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (1/ 17).
وقال النسائي: ليس بالقوي. تهذيب التهذيب (1/ 183).
…
وقال الحاكم في المدخل: روى له مسلم واستدللت بكثرة روايته له على أنه عنده صحيح الكتاب، على أن أكثر تلك الأحاديث مستشهد بها، أو هو مقرون في الإسناد. المرجع السابق.
وقال ابن القطان الفاسي: لم يحتج به مسلم، إنما أخرج له استشهادًا. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق يهم، فالإسناد ضعيف، على أنني خرجت في القول السابق عن سعد بن أبي وقاص بسند حسن قوله بالتوقيت.
وعلى فرض ثبوته فقد يكون مقصود سعد رضي الله عنه أن الحدث الأصغر لا يوجب نزع الخف، بخلاف الحدث الأكبر؛ لأن الإنكار عليه كان متوجهًا إلى المسح، وقد خرج من الخلاء، ولم يقصد سعد رضي الله عنه أن يتكلم في توقيت المسح، والله أعلم.
الأثر الثالث:
(616 - 113) رواه الدارقطني من طريق أسد بن موسى، أخبرنا حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن زبيد بن الصلت، قال:
سمعت عمر رضي الله عنه يقول: إذا توضأ أحدكم، ولبس خفيه، فليمسح عليهما، وليصل فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة
(1)
.
[سبق الكلام عليه، وبيان الاختلاف فيه على حماد في الدليل الثالث من هذا القول].
• الجواب على هذه الآثار:
اتضح لنا أن الصحابة الذين قالوا بعدم التوقيت، نقل عنهم أيضًا القول بالتوقيت، فعمر وسعد بن أبي وقاص وابن عمر جاء عنهم القولان، وإن كان الراجح عن سعد وابن عمر القول بالتوقيت، ولم يصح عنهما القول بعدم التوقيت، ولو فرضنا أنه لم ينقل عنهم إلا قول واحد، وهو القول بعدم التوقيت، فيقابل أقوالهم بأقوال غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، كعلي، وابن مسعود، وصفوان بن
(1)
سنن الدارقطني (1/ 203)، انظر تخريجه ضمن تخريج حديث أنس (ص: 257).