الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث في المسح على الخف المخرق
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• شروط العبادة كأصلها لا يثبت منها شيء إلا بدليل صحيح صريح.
• أكثر شروط المسح على الخفين هي من صنع الفقهاء، ليس عليها أثر، ولا نظر صحيح.
[م-261] إذا كان الخفان أو أحدهما مخرقًا، فهل يصح المسح عليه؟
أما على قول من يجيز المسح على الخف المخرق فلا إشكال تخرق الخفان أم لا، وهو قول سفيان الثوري، وإسحاق، وابن المبارك، وابن تيمية وغيرهم وقد سبق بحث مسألة المسح على الخف المخرق.
وأما على قول من يمنع المسح على الخف المخرق مطلقًا كالشافعية والحنابلة، أو يفرق بين الخرق اليسير والكبير كالحنفية والمالكية، باعتبار أن الخرق اليسير معفو عنه، فللمسألة صور عندهم:
الصورة الأولى: أن يكون الخفان مخرقين، الأعلى والأسفل، فيجب نزع الجميع، وهو مذهب الحنفية، ومذهب المالكية، ووجه في مذهب الشافعية، والمشهور من
مذهب الحنابلة
(1)
.
وعللوا ذلك:
بأنه لو انفرد كل خف ما جاز المسح عليه، فكذلك إذا اجتمعا.
وقيل: يجوز المسح عليهما إن كان الخرقان في موضعين متفاوتين، ويكون أحد الخفين بمنزلة الظهارة والثاني بمنزلة البطانة، وإذا تخرقت البطانة وبقي شيء من الظهارة يستر القدم لم يمنع المسح عليه
(2)
.
ولأن القدم استترا بهما فكانا كخف واحد.
والصحيح جواز المسح عليهما مطلقًا، سواء كان الخرقان متحاذيين أم لا، لأن خرق الخف لا يمنع من المسح عليه، وليس التعليل بأن أحدهما ظهارة والأخرى بطانة كما علل.
الصورة الثانية: أن يكون الأسفل مخرقًا، والأعلى سليمًا، فهذا يجوز المسح عليه قولًا واحدًا عند من يجيز المسح على الخف فوق الخف.
وعللوا ذلك: بأن الحكم للأعلى، والأسفل أصبح في حكم الملغي أو بمنزلة
(1)
جاء في الجوهرة النيرة ضمن ذكره لشروط المسح على الجرموق فوق الخف (2/ 28): «الشرط الثاني: أن يكون الجرموق لو انفرد جاز المسح عليه، حتى لو كان به خرق كبير لا يجوز المسح عليه» . وانظر البحر الرائق (1/ 191)، حاشية ابن عابدين (1/ 268).
وجاء في المدونة (1/ 40)، قال سحنون:«فإن لبس جرموقين على خفين ما قول مالك في ذلك؟ قال: إذا كان الجرموقان أسفلهما جلد حتى يبلغا مواضع الوضوء مسح على الجرموقين، فإن كان أسفلهما ليس كذلك لم يمسح عليهما وينزعهما ويمسح على الخفين، وقوله الآخر: لا يمسح عليهما أصلًا» .
وانظر وجه الشافعية في المجموع (1/ 535).
وانظر في مذهب الحنابلة الإنصاف (1/ 183)، شرح منتهى الإرادات (1/ 65)، كشاف القناع (1/ 117)، الفروع (1/ 159)، المبدع (1/ 147).
(2)
المبدع (1/ 147).
اللفافة، وهو القول القديم للشافعي
(1)
، والمشهور في مذهب الحنابلة
(2)
.
الصورة الثالثة: أن يكون الأعلى مخرقًا والأسفل صحيحًا.
فقيل: إن كان الخرق مانعًا من المسح كما لوكان بمقدار ثلاثة أصابع فأكثر لم يجز المسح على الأعلى، بل يمسح على الأسفل، وهو مذهب الحنفية
(3)
.
وقيل: المسح يتعلق بالأسفل دون الأعلى إذا تخرق الأعلى مطلقًا، وهو قول في مذهب الشافعية
(4)
، واختاره بعض الحنابلة
(5)
.
ووجهه: أن الأعلى لم يمكن المسح عليه لكونه مخرقًا فوجب المسح على الأسفل.
وقيل: يصح المسح على الفوقاني، ولو تخرق الأعلى وهو وجه في مذهب الشافعية، ورواية عن أحمد
(6)
.
(1)
المجموع (1/ 533).
(2)
الإنصاف (1/ 183)، المغني، شرح منتهى الإرادات (1/ 65)، كشاف القناع (1/ 117)، الفروع (1/ 159)، الكافي لابن قدامة (1/ 36).
(3)
قال في البحر الرائق (1/ 191): «ولا يجوز المسح على الجرموق المتخرق، وإن خفاه غير متخرق، وينبغي أن يقال: إن كان الخرق في الجرموق مانعًا لا يجوز المسح عليه، وإنما يجوز المسح على الخف لا غير، لما علم أن المتخرق خرقًا مانعًا وجوده كعدمه، فكانت الوظيفة للخف، فلا يجوز المسح على غيره، وقد صرح به في السراج الوهاج» . اهـ
(4)
هذا هو الأصح في مذهب الشافعية إلا أنهم اختلفوا إذا تخرق الأعلى، هل المسح يتعلق بالأسفل دون أن يجب عليه شيء، أو يجب عليه مسح الأسفل لبقاء الطهارة، أو يستأنف الوضوء بحيث يكون تخرق الأعلى يبطل الطهارة، ولا يبطل مسح الأسفل. انظر المجموع (1/ 535)، روضة الطالبين (1/ 127).
(5)
الإنصاف (1/ 183).
(6)
قال النووي في روضة الطالبين (1/ 127): «إن جوزنا المسح على الجرموق، فقد ذكر ابن سريج فيه ثلاثة معان. أظهرها: أن الجرموق بدل عن الخف، والخف بدل عن الرجل. والثاني: الأسفل كلفافة، والأعلى هو الخف. والثالث: أنهما كخف واحد، فالأعلى ظهارة، والأسفل بطانة. وتتفرع على المعاني مسائل: ..... منها: لو تخرق الأعلى من الرجلين جميعًا
…
فإن قلنا بالمعنى الأول، لم يجب نزع الأسفل، بل يجب مسحه، وهل يكفيه مسحه أم يجب استئناف الوضوء؟
فيه القولان في نازع الخفين. وإن قلنا بالمعنى الثالث، فلا شيء عليه (يقصد الظهارة والبطانة). وإن قلنا بالثاني، وجب نزع الأسفل أيضا وغسل القدمين. وفي استئناف الوضوء القولان»، وانظر المجموع (1/ 534).
وانظر في مذهب الحنابلة: الإنصاف (1/ 183)، شرح منتهى الإرادات (1/ 65)، كشاف القناع (1/ 117)، الفروع (1/ 159).
وجهه:
أن الأعلى بمنزلة الظهارة، والأسفل بمنزلة البطانة، ولو تخرقت الظهارة وبقيت البطانة تستر البشرة لم يمنع من المسح عليها.
وقيل: في توجيه المسح على الأعلى: أنهما كنعل مع جورب يمسح عليهما معًا
(1)
.
وقيل: يمسح على أيهما شاء، وهو قول في مذهب الحنابلة
(2)
.
وقد بينت في مسألة المسح على الخف المخرق أنه يصح المسح عليه؛ لأنه لا يشترط أن يستر الخف محل الفرض. والله أعلم.
* * *
(1)
الإنصاف (1/ 183)، شرح منتهى الإرادات (1/ 65)، كشاف القناع (1/ 117)، الفروع (1/ 159).
(2)
الإنصاف (1/ 183).