الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دمِ الحيضة، يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن:"لا تعجلنَ حتَّى ترينَ القَصَّة البيضاء" تريد بذلك الطهر من الحيضة. رواه مالك في الطهارة (97) عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه مولاة عائشة، عنها. وأورده البخاري في كتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره. وفي سنده والدة علقمة، واسمها مرجانة، وهي "مقبولة".
والقَصَّة البيضاء - بفتح القاف وتشديد المهملة - هي: النورة، أي: تخرج القطنة بيضاء نقية لا يخالطها صفرةٌ. وفيه دلالة على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيضِ حَيضٌ وفي أيام الطُّهرِ طهرٌ.
وقولها: "لا نعُدّ" أي: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيكون له حكم الرفع، وعلى هذا مشى البخاري، وإن لم يصرّح الصحابي بذكر زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه البعض؛ فلم يجعل له حكمَ الرفع، كالخطيب.
وقولها: "الكدرة والصفرة" أي: الماء الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار.
وأم عطية: هي نُسيبة بنت كعب، وقيل: بنت الحارث الأنصارية، بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تغسل الميتات، وهي التي غسلت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
16 - باب ما جاء في غسل المستحاضة وصلاتها وغشيان زوجها
• عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حُبَيش: يا رسول الله! إنِّي لا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال لها رسول الله:"إنَّما ذلك عرق، وليست بالحَيضة؛ فإذا أقبلت الحَيضةُ فاتُركِي الصلاة، فإذا ذهب قدرُها فاغسِلي عن الدم وصلِّي".
متَّفقٌ عليه: رواه مالك في الطهارة (104) عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، ومن طريقه البخاري في الحيض (306) ومسلم في الحيض (333). ورواه البخاري أيضًا مختصرًا في الحيض (331) ولفظه:"إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلّي"، وهو مختصر من قصة فاطمة المذكورة.
• عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة كانت تُهراقُ الدماء في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أمُّ سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لتنظر إلى عددِ الليالي والأيام التي كانت تحيضُهُنّ من الشَّهر قبل أن يُصِيبَها الذي أصابها؛ فلتتركِ الصلاةَ قدرَ ذلك من الشهر، فإذا خلَّفت ذلك فلتغتَسِل، ثم لتستنفر بثوب، ثم لتصلي".
صحيح: رواه مالك في الطهارة (105) عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة. ومن طريق مالك رواه أبو داود (274) والنسائي (355).
وتابعه عبيد الله بن عمر فرواه عن نافع به، رواه النسائي (354) وابن ماجه (326).
وأعله البيهقي بالانقطاع بعد أن روى الحديث من جهة الشافعي عن مالك: "لفظ حديث الشافعي هذا حديث مشهور، أودعه مالك بن أنس في الموطأ، وأخرجه أبو داود في كتاب السنن، إلَّا أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة". انتهى. "السنن الكبرى"(1/ 333).
قلت: سليمان بن يسار ولد سنة 34، وماتت أمُّ سلمة سنة 64، وكان مُكاتبًا لها؛ فلا يبعد سماعه منها، وقد رَوَي عن ميمونة وعائشة وفاطمة بنت قيس وزيد بن ثابت وغيرهم من الصحابة، وكان أحد الفقهاء السبعة، وقد اعتمد روايته مالك في الموطأ، عن نافع، وكذلك رواه أيوب السخيتاني عن سليمان بن يسار كما رواه مالك عن نافع سواء.
وكون الليث بن سعد وصخر بن جويرية وعبيد الله بن عمر أدخلوا بين سليمان بن يسار وبين أم سلمة رجلًا، وأحاديث هؤلاء أخرجه أبو داود والبيهقي لا يضرّ ما رواه نافع وأيوب؛ لما في إسناد هؤلاء من اضطراب، كما أنه من المحتمل أنه سمع منها أوَّلًا بالواسطة، ثم سمع منها مباشرة؛ فروى على وجهين، وهو أمر سائغ في رواية الحديث، واعتماد الشافعي وأبي داود يُقوي هذا الجانب.
وفي حديث أيوب السختياني: إن المرأة التي استفتت لها أم سلمة عن استحاضها هي فاطمة بنت أبي حُبَيش المذكورة في حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، على ما رواه مالك وغيره.
وحديث أيوب رواه أبو داود (278) من طريق وُهَيب، والحميدي في مسنده (1/ 144 رقم 302) قال: حدَّثنا سفيان، كلاهما عن أيوب السختياني، عن سليمان بن يسار، أنه سمعه يحدّث عن أم سلمة قالت: كانت فاطمة بنت أبي حُبَيش تستحاض، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إنه ليس بالحيضة، ولكنه عِرق" وأمرها أن تدع الصلاة قدر أَقرائها، أو قدر حيضتها، ثم تغتسل؛ فإن غلبها الدمُ استنفرت بثوب وصلَّت، لفظ الحميدي. ورواه ابن عبد البر من طريق محمد بن إسماعيل بن يوسف، عن الحميدي. "الاستذكار"(3/ 235).
والاستثفار: أن يَشُدَّ ثوبًا تحتجز به، يُمسك موضع الدم ليمنع السيلان، وهو مأخوذ من الثفر.
• عن عائشة قالت: استفتت أمُّ حبيبة بنت جحش - ختنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف - رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنِّي أستحاض، فقال:"إنَّما ذلك عِرْق، فاغتسلي ثم صَلّي". فكانت تَغتَسِلُ عند كلِّ صلاةٍ.
قال الليث بن سعد: لم يذكر ابن شهاب الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أمَّ حبيبةَ بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيءٌ فعلته هي.
وفي رواية: أُستحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق؛ فاغتسلي وصلِّي".
قالت عائشة: فكانت تغتسل في مِركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتَّى
تعلُو حمرةُ الدمِ الماءَ.
قال ابن شهاب: فحدّثت بذلك أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال: يرحم الله هندًا! لو سمعت بهذه الفتية، والله! إن كانت لتبكي لأنها كانت لا تصلي.
وفي رواية: قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتُكِ، ثم اغتسلي وصلِّي".
متَّفقٌ عليه: هذه الروايات كلها أخرجها مسلم في الحيض (334)، ورواه البخاري في الحيض (327) مختصرًا: أن أم حبيبة اُستحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأمرها أن تغتسل فقال:"هذا عرق"، فكانت تغتسل لكل صلاة.
وفي سنن أبي داود (381): "فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها".
• عن عروة بن الزبير قال: حدثتني فاطمة بنت أبي حُبَيش أنها أمرت أسماءَ، أو أسماءُ حدثتني أنها أمرتها فاطمةُ بنت أبي حُبَيش أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد، ثم تغتسل.
حسن: رواه أبو داود (281) قال: حدَّثنا يوسف بن موسى، ثنا جرير، عن سهيل - يعني ابن أبي صالح - عن الزهري، عن عروة بن الزبير، فذكر الحديث.
وإسناده حسن ورجاله ثقات غير سهيل بن أبي صالح، إلَّا أنه صدوق، قال أبو حاتم: يكتب حديثه.
وأسماء هذه هي أسماء بنت عميس كما في رواية أبي داود (296).
إلَّا أن سياق هذا الحديث يختلف، وسيأتي.
ثم قال أبو داود: ورواه قتادة، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أم سلمة، أن أم حبيبة بنت جحش اُستحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدع الصلاة أيامَ أقرائها، ثم تغتسل وتُصلي.
قال أبو داود: لم يسمع قتادة من عروة شيئًا. وزاد ابن عيينة في حديث الزهري، عن عَمرة، عن عائشة أن أم حبيبة كانت تُستحاض، فسألتِ النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها.
قال أبو داود: وهذا وهم من ابن عيينة، ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهري، إلَّا ما ذكر سهيل بن أبي صالح، وقد روى الحميدي هذا الحديث عن ابن عيينة لم يذكر فيه:"تدع الصلاة أيام أقرائها" انتهى.
قلت: ليس هناك فرق في معنى الحديث، وأما الفرق في ألفاظ الحديث، ولعل أبا داود قصد بذلك اهتمام المحدثين بضبط لفظ الحديث؛ يتضح ذلك جليًّا فيما ذكره أبو داود نفسه في الباب الذي يليه. انظر الحديث (285).
وأمَّا وطء الرجل زوجته المستحاضة فلم يثبت فيه شيءٌ مرفوعًا.