الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مضطربٌ، وقد تغيَّر بأخرة فكان ربَّما يتلقَّن، ولم أقف على من تابعه على روايته هذه. انظر بقية الأحاديث في كتاب الأدب واللباس.
9 - باب ما جاء في الختان
• عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنةً بالقدُّومِ".
متفق عليه: رواه البخاريّ في أحاديث الأنبياء (3356) ومسلم في كتاب الفضائل (2370) كلاهما عن قتيبة بن سعيد، حدَّثنا مغيرة بن عبد الرحمن القرشي، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة فذكر مثله.
وقوله: "بالقدُّوم" بالمشدَّدة في هذه الرواية. وفي رواية أخرى: عن شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزّناد:"بالقَدُوم" مخفَّفةٌ. رواه البخاري (6298) عن أبي اليمان، عن شعيب بن أبي حمزة به.
والقدوم مخففًا اسم موضع بالشام، وبالتشديد: اسم للآلة وهو الفأس، والظاهر أنّ المقصود به إنّما هو الآلة، وهو الذي رجَّحه ابن القيم وغيره.
وحديث الباب لا يعارضه ما رُوي في بعض الأحاديث بأنَّه عليه السلام اختتن وهو ابن مائة وعشرين سنةً؛ فإنّه معلولٌ، رواه يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قوله. والمرفوع رواه أبو أويس وهو عبد اللَّه بن عبد اللَّه المدني، عن أبي الزّناد، فخالف المغيرةَ بن شعبة، وشعيبَ ابن أبي حمزة في روايتهما عن أبي الزّناد كما مضى. وروايتُهما أولى من رواية أبي أويس. وأبو أويس وإن كان من رجال مسلم إلَّا أنّه اختلفت فيه الرواية عن ابن معين؛ ففي رواية الدوري: في حديثه ضَعفٌ. ورُوِي عنه توثيقه. انظر للمزيد: "تحفة الودود بأحكام المولود"(96 - 98).
وأمّا توقيت الختان فلم يثبت فيه شيءٌ، إلَّا أنَّ وجوبه يكون عند البلوغ لأنّه حينئذٍ تجب عليه العبادات. وقد سئل ابن عباس: مثل من أنت حين قُبض النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "أنا يومئذٍ مختونٌ". قال: "وكانوا لا يختنون الرجل حتى يُدرك". رواه البخاريّ في الاستئذان (6299).
واختُلف في سنِّ ابن عباس عند وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فقال الزبير والواقدي: وُلد في الشِّعب قبل خروج بني هاشم منه قبل الهجرة بثلاث سنين، وتوفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وله ثلاث عشرة سنة. وقيل غير ذلك.
قال الحافظ ابن القيم: والذي عليه أكثر أهل السير والأخبار: أنّ سِنَّه كان يوم وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة.
وأحاديث هذا الباب والذي قبله تدلُّ على أن الختان من سنن الفطرة وهو من شعائر الإسلام فلا ينبغي التهاون بها، وعلى الأولياء أن يبادروا إلى ختان صبيانهم قبل دخولهم في سن البلوغ.
أما إن أسلم مجوسيّ أو نصرانيّ فلا يؤمر بالختان لأنه ليس من شروط صحة دخوله في
الإسلام، ولكن إن تيسّر له ذلك بدون مشقة تتعلق بالمجتمع الذي يعيش فيه مثل المجتمع الإسلامي فليختتن، أما إذا كان في مجتمع كافر ويخشى إن اختتن أن يلحقه ضرر منهم فلا يختتن.
وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل الختان شرط من شروط صحة الإسلام؟ فأجابت بقولها: "الختان من سنن الفطرة، في حق الرجال وفي حق النساء، وينبغي للدعاة إلى اللَّه سبحانه الإغضاء عن الكلام في الختان عند دعوة الكفار إلى الإسلام، إذا كان ذلك ينفره من الدخول في الإسلام، فإن الإسلام والعبادة تصح من غير المختون، وبعدما يستقر الإسلام في قلبه يشعر بمشروعية الختان" اهـ. (فتاوى اللجنة الدائمة 5/ 135، 136).
انظر مزيدًا من التفصيل في "المنة الكبرى"(7/ 389 - 393).
وأمّا ما رُوي عن جابر: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام؛ فهو ضعيف. رواه الطبراني في الأوسط (6704) والصغير (891) عن محمد بن أحمد بن الوليد البغدادي، قال: حدّثنا محمد بن أبي السري العسقلاني، قال: حدَّثنا الوليد بن مسلم، قال: حدّثنا زهير بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن جابرٍ فذكر مثله.
قال الطبراني: "لم يقل في هذا الحديث أحد من الرواة: "وختنهما لسبعة أيام إلَّا زهير بن محمد".
وقال الهيثمي في "المجمع"(4/ 59): رواه الطبراني في الصغيرة والكبير باختصار الختان، وفيه محمد بن أبي السري، وثّقه ابن حبان وغيره، وفيه لين".
قلت: محمد بن أبي السري هو: ابن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي مولاهم، العسقلاني المعروف بابن أبي السري، وثّقه ابن معين. وقال أبو حاتم: ليِّن الحديث. وقال ابن عدي: كثير الغلط. وفي التقريب: "صدوق عارف له أوهام كثيرة".
ومن هذا الوجه رواه ابن عدي في الكامل (3/ 1075) في ترجمة زهير بن محمد الخراساني، عن الحسن بن سفيان، حدثني محمد بن المتوكل (وهو ابن أبي السري) به مثله. وعنه البيهقي (8/ 324).
قال ابن عدي: "لا أعلم رواه عن الوليد غير محمد بن المتوكل، وهو محمد بن أبي السري". وظهر من قول الطبراني وابن عدي أنّ قوله: "وختنهما لسبعة أيام" منكرٌ؛ لأنّه تفرّد به محمد بن أبي السري، ولم يتابعه أحد على هذه الزيادة.
وفي الإسناد أيضًا زهير بن محمد الخراساني، سكن الشام ثمَّ الحجاز، رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضُعِّف بسببها. وقد ضعّفه النسائي وغيره. قال أبو حاتم: حدّث بالشام من حفظه فكثر غلطه.
قلت: والوليد بن مسلم الراوي عنه من الشاميين، فلعلَّ هذا مما غلط فيه زهير بن محمد.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن ابن عباس موقوفًا عليه: "سبعة من السنة في الصبي يوم السابع: يُسمى، ويُختتن، ويُماط عنه الأذى، وتثقب أذنه، ويُعقُّ عنه، ويُحلق رأسه، ويُلطَّخ بدم عقيقته،
ويُتصدَّق بوزن شعره في رأسه ذهبًا أو فضة". رواه الطبراني في الأوسط -مجمع البحرين- (1913)؛ فإنّ في إسناده روَّاد بن الجراح مختلَف فيه؛ فمشاه ابن معين وأحمد وأبو حاتم، وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: "عامة ما يرويه لا يُتابعه النّاس عليه، وكان شيخًا صالحًا". وفي "التقريب":"صدوقٌ اختلط بآخره فتُرك".
قال ابن المنذر: "ليس في هذا الباب نهي يثبت، وليس لوقوع الختان خبر يرجع إليه، ولا سنة تستعمل، فالأشياء على الإباحة، ولا يجوز حظر شيءٍ منها إلَّا بحجَّةٍ، ولا نعلم مع من منع أن يختن الصبي لسبعة أيام حجَّةً". انتهى من "تحفة المودود بأحكام المولود"(113).
وكذلك لا يصح ما رُوي عن ابن جريج قال: أُخبرتُ عن عُثيم بن كليب، عن أبيه، عن جدِّه، أنّه جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: قد أسلمتُ. فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ألقِ عنك شعر الكفر". يقول: احلق. قال: وأخبرني آخر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر معه: "ألق عنك شعر الكفر واختتن". فإنّه ضعيفٌ، رواه أبو داود (356) عن مخلد بن خالد، حدّثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، قال: فذكر مثله.
والحديث في مصنَّف عبد الرزاق (9835) وعنه رواه الإمام أحمد (15432).
وعُثيم بن كُلَيب -بضم العين- هو عُثيم بن كثير بن كليب الحضرمي، ويقال: الجهني، وقد نُسب إلى جده، هو وأبوه مجهولان، كما أنّ الواسطة بين ابن جريج وبين عثيم غير معروف.
وقال ابن عدي في "الكامل": "وهذا الذي قاله ابن جريج في هذا الإسناد: وأُخبرتُ عنه، عن عثيم بن كُليب، إنّما حدّثه إبراهيم بن أبي يحيى، فكنَّى عن اسمه".
وإبراهيم بن محمد أبي يحيى الأسلمي ضعيف جدًّا جدًّا، وقد كذَّبه مالك وغيره.
قال أبو الحسن ابن القطّان الفاسي: "هذا إسناد غاية في الضعف، مع الانقطاع الذي في قول ابن جريج: "أُخبرت". وذلك أنّ عثيم بن كليب وأباه وجدَّه مجهولون". "بيان الوهم والإيهام"(3/ 43).
قلت: إن ثبت كون جده صحابيًا فجهالته لا تضر، وقد ذكره ابن حجر في القسم الأول من حرف الكاف في الإصابة. واللَّه أعلم.
وأخرجه ابن قانع في ترجمة كلاب (942) من وجهٍ آخر عن محمد بن زياد الزيادي، نا إبراهيم ابن أبي يحيى، عن غُنيم بن كثير بن كلاب، عن أبيه، عن جدِّه، أنّه قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال له:"أحلق شعر الكفر عنك".
ولم يذكر: "اختتن". وفيه: "غُنَيم" وهو تصحيف.
والصّواب "عُثيم" كما في سائر مصادر التخريج، وكذلك جاء ضبطه في الإكمال لابن ماكولا.
وأخرجه أيضًا ابن قانع في ترجمة كليب الجهني (931) من وجه آخر عن كثير بن كليب، عن أبيه فذكر الحديث، ولم يذكر فيه:"واختتن".
وترجمة الحافظ في "الإصابة" في الكنى (4/ 167): أبو كليب وقال: جد عثيم بن كليب. وعثيم نسب إلى جده، وإنّما هو: عثيم بن كثير بن كليب، والصحبة لجده كليب. وروايته في سنن أبي داود. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن أبي أيوب: "أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتعطُّر، والسواك، والنكاح". فإنّه ضعيفٌ أيضًا، رواه الترمذيّ (1080) عن سفيان بن وكيع، حدّثنا حفص ابن غياث، عن الحجاج، عن مكحول، عن أبي الشمال، عن أبي أيوب فذكر مثله، إلَّا أنّ فيه:"الحياء" بدلا من "الختان". قال الترمذيّ: "حسن غريب. وروى هذا الحديث هُشيم ومحمد بن يزيد الواسطي وأبو معاوية وغير واحد، عن الحجاج، عن مكحول، عن أبي أيوب، ولم يذكروا فيه: "عن أبي الشمال" والأول أصحُّ".
قلت: وأخرجه الإمام أحمد (5/ 420) كالثاني عن يزيد، ثنا الحجاج بن أرطاة، عن مكحول قال: قال أبو أيوب فذكر مثله. وهذا مرسلٌ.
قال الدارقطني في "العلل"(6/ 123): "هذا الاختلاف من الحجاج بن أرطاة؛ فإنّه كثير الوهم".
ولذا تكلم النّاس في تحسين الترمذيّ لهذا الحديث؛ فإن الحجاج بن أرطاة ضعيف، وأبو الشمال مجهول، سئل عنه أبو زرعة فقال:"لا أعرفه إلا في هذا الحديث، ولا أعرف اسمه". وضعّفه أيضًا النووي في "شرح المهذّب"(1/ 339).
تنبيهٌ: وقع في بعض نسخ سنن الترمذيّ: "الختان" بالخاء والنون، وقال بعضهم:"الحناء" بالحاء والنون، وهذه كلُّها مصحَّفة، وإنّما هو:"الحياء" بالياء كما في مسند الإمام أحمد وغيره.
وكذلك لا يصح أيضًا ما رُوي من ختان النساء عن أم عطية الأنصارية، أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تُنهكي، فإنّ ذلك أحظى للمرأة، وأحبُّ إلى البعلِ". رواه أبو داود (5271) عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، وعبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي، قالا: حدّثنا مروان، حدّثنا محمد بن حسان -قال عبد الوهاب: - الكوفي، عن عبد الملك بن عُمير، عن أم عطية فذكرت مثله.
قال أبو داود: "رُوي عن عبيد اللَّه بن عَمرو، عن عبد الملك بمعناه وإسناده".
قال أبو داود: "ليس هذا بالقوي، وقد رُوي مرسلًا".
قال أبو داود: "ومحمد بن حسان مجهولٌ، وهذا الحديث ضعيفٌ" انتهى.
وضعَّفه أيضًا النووي في "الخلاصة"(117).
وقوله: "لا تُنهكي" معناه: لا تُبالغي في الخفض. والنهك: المبالغة في الضرب، والقطع، والشتم. وجاء في رواية أخرى:"أشِمِّي ولا تنهكي".
قال الحافظ ابن القيم: "وفي الحديث ما يدل على الأمر بالإقلال من القطع؛ فإنَّ قوله: "أشِمِّي
ولا تنهكي" أي اتركي الموضع أشم. والأشم: المرتفع". (تحفة المودود (191)).
وللحديث إسناد آخر رواه ابن عدي في "الكامل"(3/ 1083) من طريق زائدة بن أبي الرقاد، ثنا ثابت، عن أنس، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم عطية:"إذا خفضتِ فأشمي، ولا تنهكي؛ فإنَّه أسرى للوجه، وأحظى عند الزوج".
قال ابن عدي: "هذا يرويه عن ثابتٍ زائدةُ بن أبي الرقاد، ولا أعلم يرويه غيره، وزائدة بن أبي الرقاد له أحاديث حسان، يروي عنه المقدمي، والقواريري، ومحمد بن سلام، وغيرهم، وهي أحاديث إفرادات، وفي بعض أحاديثه ما يُنكر".
وروى الحاكم 3/ 525 من طريق هلال بن العلاء الرقي، عن أبيه، عن عبيد اللَّه بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الملك بن عُمير، عن الضحاك بن قيس، قال:"كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية، تخفض النساء، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اخفضي ولا تُنهِكي؛ فإنّه أنضر للوجه، وأحظى عند الزوج". والعلاء أبو محمد الرقي، قال فيه الحافظ: "فيه لين" ونقل في التهذيب كلام أهل العلم فيه يظهر منه أنَّه ضعيفٌ جدًّا، بل متَّهم؛ وقد ذكره سبط بن العجمي في "الكشف الحثيث عمَّن رُمِي بوضع الحديث".
قلت: وفي إسناده الضّحاك بن قيس، جزم ابن معين، والخطيب وغيرهما أنه غير الفهريّ الصّحابي الصّغير، فإذا كان كذلك فهو مجهول لا يعرف، وهذه علّة أخرى، واللَّه أعلم.
ورُوي عن عبد اللَّه بن عمر مرفوعًا: "يا نساء الأنصار! اختضبن غمسًا، واخفضن، ولا تنهكن، فإنّه أحظى عند أزواجكن، وإياكنَّ وكفران النعم".
رواه البزار في "البحر الزّخار"(6178)، وفي إسناده مندل بن علي العنزي، وهو ضعيف. ورواه ابن عدي في "الكامل"(3/ 900) وفي إسناده خالد بن عمرو القرشي، وهو أضعف من مندل. انظر "التلخيص الحبير"(4/ 83).
وقال ابن عدي: "وخالد بن عمرو هذا له غير ما ذكرت من الحديث عن من يحدث عنهم، وكلها أو عامتها موضوعة، وهو بين الأمر في الضعفاء".
ورُوي أيضًا عن علي بن أبي طالب وغيره ولا يثبت.
وكذلك لا يصح ما رُوي مرفوعًا: "الختان سنة في الرجال، مكرمة في النساء". رواه الإمام أحمد (20719) عن سريج، حدَّثنا عبَّاد -يعني ابن العوام-، عن الحجاج، عن أبي المليح بن أسامة، عن أبيه، مرفوعًا.
وأبو المليح اسمه: عامر، وقيل: زيد، وقيل: زياد. ثقة. روى له الجماعة. والحجاج هو ابن أرطاة، مدلس، وقد عنعن.
واضطرب فيه حجّاج، فرواه هكذا تارة، وتارة رواه بزيادة "شداد بن أوس" بعد والد أبي المليح،