الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سافرنا، وليلةً إذا أقمنا.
44 - باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين
• عن المغيرة بن شعبة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين.
حسن: رواه أبو داود (159) والترمذي (99) وابن ماجه (559) كلهم من حديث سفيان، عن أبي قيس الأودي، عن الهزيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة، فذكر الحديث. ورواه الإمام أحمد (18206) من هذا الوجه.
وصحّحه ابن خزيمة (198)، وعنه ابن حبان (1338) كلّهم من حديث سفيان بإسناده، مثله.
قال الترمذي: "حسن صحيح".
قلت: ورجاله ثقات غير أبي قيس، وهو عبد الرحمن بن ثَرْوان، اختلف فيه؛ فقال الامام أحمد: يخالف في أحاديثه، وقال أبو حاتم: ليس بقوِيٍّ. وقال النسائي: لا بأس به. ووثقه ابن معين والعجلي. وذكره ابن حبان في الثقات؛ فهو لا ينزل عن مرتبة "صدوق يهم"، وقال الحافظ في التقريب:"صدوق ربما خالف".
قال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين. وقال: ورُوي هذا الحديث عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين، وليس بالمتصل ولا بالقوي.
وقال أبو داود أيضًا: ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب، وابن مسعود، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أُمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حُرَيْث، ورُوي عن عمر بن الخطاب، وابن عباس. انتهى.
ونقل البيهقيّ عن مسلم بن الحجّاج، وعبد الرحمن بن مهدي، والإمام أحمد، وابن معين تضعيف هذا الحديث. "انظر السنن الكبري"(1/ 284).
وقال الدارقطني في "العلل"(7/ 112): "ولم يروه غير أبي قيس وهو مما يعدّ عليه به؛ لأنّ المحفوظ عن المغيرة المسح على الخفين".
وقد أطال الحافظ ابن القيم في "تهذيب السنن" في تعليل هذا الحديث، ونقل عن الإمام أحمد جواز المسح على الجوربين وتعليله رواية أبي قيس. وقال: "وهذا من إنصافه وعدله رحمه الله تعالى. وذكر ثلاثة عشر صحابيًّا ممن يروى عنهم المسح على الجوربين. وقال: عمدة هؤلاء الصّحابة صريح القياس، فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر، وقال: وهو قول أكثر أهل العلم منهم من سمينا من الصحابة، وأحمد، وإسحاق، وعبد الله بن المبارك، وسفيان الثوري، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصريّ، وسعيد بن المسيب، وأبو يوسف وقال: ولا نعرف في الصحابة مخالفًا لمن سميناه انتهى كلامه باختصار.
قلت: وأما الذين ذهبوا إلى تصحيح الحديث أو تحسينه رأوا أنه حديث مستقل؛ فإن المغيرة بن شعبة وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من روى عنه المسح على الخفين، وهؤلاء الأكثرون، ومنهم من روى عنه المسح على العمامة، ومنهم من روى عنه المسح على الجوربين، فهي أحاديث متعددة غير مخالفة، وإليه يشير الشيخ تقي الدين (ابن دقيق العيد) في الامام:"ومن يصحح يعتمد على تعديل أبي قيس على كونه ليس مخالفًا لرواية الجمهور مخالفة معارضة، بل هو أمر زائد على ما رووه، ولا يعارضه ولا سيما وهو طريق مستقل برواية هزيل عن المغيرة لم يشارك المشهورات في سندها". انظر: نصب الراية (1/ 185). والله أعلم بالصّواب.
• عن ثوبان قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتّساخين.
حسن: رواه أبو داود (146) عن أحمد بن محمد بن حنبل، ثنا يحيى بن سعيد، عن ثور، عن راشد بن سعد، عن ثوبان، فذكره. وهو في مسند الإمام أحمد (22383).
وإسناده حسن كما سبق في المسح على الخفين والعمامة.
و"التساخين": كلّ ما يُسخن به القدم من خُفٍّ وجورب وغير ذلك.
قال الترمذي: وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم تكن نعلين إذا كانا ثخينين. قال: وفي الباب عن أبي موسى. وقال: وسمعت صالح بن محمد الترمذي قال: سمعتُ أبا مقاتل السمرقندي يقول: دخلت على أبي حنيفة في مرضه الذي مات فيه، فدعا بماء فتوضأ وعليه جوربان، فمسح عليهما، ثم قال: فعلت اليوم شيئًا لم أكن أفعله؛ مسحت على الجوربين وهما غير منعَّلين. انتهى.
قال شيخ الإسلام في فتاويه: "يجوز المسحُ على الجوربين، إذا كان يمشي فيهما، سواء كانت مجلدة، أو لم تكن، في أصحِّ قولي العلماء. ففي السنن: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه. وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك. فإنَّ الفرق بين الجوربين والنعلين إنَّما هو كون هذا من صوفٍ، وهذا من جلودٍ. ومعلوم أنَّ مثل هذا الفرق غير مؤثِّرٍ في الشريعة، فلا فرق بين أن يكون جلودًا أو قطنًا، أو كتَّانًا، أو صوفًا، كما لم يُفرق بين سواد اللباس في الإحرام وبياضه، وغايته أنَّ الجلد أبقى من الصوف، فهذا لا تأثير له، كما لا تأثير لكون الجلد قويًّا، بل يجوز المسح على ما يبقى وما لا يبقى.
وأيضًا فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا الحاجة إلى المسح على هذا سواء. ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقًا بين المتماثلين. وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة، وما أنزل الله به من كتبه، وأرسل به رسله.