الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثنى عليه شعبة. وبهذا ارتفع عنه الجهالة، لأنه لم يرو عنه غير زيد بن الحباب. وحسَّن إسنادَه الحافظ في الفتح (1/ 313) وقال:"أغرب ابن شاهين فجعل حديث أنس ناسخًا لحديث ابن عباس، ولم يذكر من قال فيه بالوجوب حتَّى يحتاج إلى دعوى النسخ" انتهى.
وأمَّا ما رواه ابن ماجه (501) عن إسحاق بن إبراهيم السّواق، قال: حدّثنا الضّحاك بن مخلد، قال: حدّثنا زمعة بن صالح، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال: حلب رسول الله شاة وشرب من لبنها، ثم دعا بماء فمضمض فاه وقال:"إنّ له دسمًا" فهو ضعيف؛ من أجل زمْعة - بكون الميم - ابن صالح الجنديّ اليماني نزيل مكة، أهل العلم مطبقون على تضعيفه، قال البخاريّ: يخالف في حديثه، وقال ابن حبان: كان رجلًا صالحًا يهم ولا يعلم ويخطئ ولا يفهم حتى غلب في حديثه المناكير التي يرويها عن المشاهير، ولذا قال المزي في "تحفة الأشراف" (1/ 378): رواه غير واحد عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، وهو المحفوظ" اهـ.
قلت: وكذلك لا يصح ما رُوي عن أمّ سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شربتم اللبن فمضمضوا؛ فإنَّ فيه دَسَمًا".
رواه ابن ماجه (499) قال: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا خالد بن مَخْلَد، عن موسى بن يعقوب، حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن زَمْعة، عن أبيه، عن أم سلمة.
ورجاله ثقات غير خالد بن مَخْلَد القطواني، كان صدوقًا في نفسه، ولكن نقم عليه التشيع.
وموسى بن يعقوب المطلبي الزَمْعي مختلف فيه؛ فوثقه ابن معين. وقال أبو داود: صالح. وقال ابن عدي: لا بأس به عندي. وذكره ابن حبان في الثقات. وضعّفه ابن المديني وقال: ضعيف منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أحمد: لا يعجبني حديثه.
والخلاصة فيه كما قال الحافظ: "صدوق سيئ الحفظ".
فمثله لا يقبل حديثه إذا تفرّد أو خالف؛ حيث تفرّد بلفظ الأمر، والصّواب أنه من فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأمَّا قول البوصيري: "رجاله ثقات" فهو ليس على إطلاقه.
وفي الباب ما رُوي عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد السّاعديّ، عن أبيه، عن جدّه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مضمضوا من اللّبن، فإنّ له دسمًا".
رواه ابن ماجه (500) عن أبي مصعب، قال: حدّثنا عبد المهيمن بن عباس، بإسناده. وإسناده ضعيف من أجل عبد المهيمن هذا، فإنّ أهل العلم مطبقون على تضعيفه، وبه أعلّه البوصيريّ في "الزوائد" فقال:"هذا إسناد ضعيف، عبد المهيمن قال البخاري: منكر الحديث".
28 - باب أن النوم ليس حَدَثًا بل مَظِنَّةٌ للحدث
• عن أنس قال: أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلًا في جانب المسجد، فما
قام إلى الصلاة حتَّى نام القوم.
متفق عليه: رواه البخاري في الأذان (642) وفي الاستئذان (6292) ومسلم في الحيض (376) كلاهما من طريق عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، واللفظ للبخاري، وفي رواية مسلم عن قتادة قال: سمعت أنسًا يقول: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يصلون ولا يتوضأون".
قال: قلت: سمعته من أنس؟ قال: إي والله! . وفي رواية أبي داود (200): "ينتظرون العشاء الآخرة حتَّى تخفق رؤوسُهم، ثم يصلون ولا يتوضأون". وفي رواية عنده عن ثابت، عن أنس قال:"أقيمت صلاة العشاء، فقال رجل: لي حاجة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه حتَّى نام القوم - أو بعض القوم - ثم صلوا". وفي البخاري (642): "فحبسه بعدما أقيمتِ الصلاة".
قال الخطابي: "وفي هذا الحديث من الفقه أن عين النوم ليس بحدث، ولو كان حَدَثًا لكان على أي حال وجد ناقضًا للطهارة كسائر الأحداث التي قليلها وكثيرها وعمدها وخطؤها سواء في نقض الطهارة، وإنما هو مَظِنَّة للحدث، موهم لوقوعه من النائم غالبًا
…
".
• عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شُغل عنها (أي صلاة العشاء) ليلة، فأخّرها حتَّى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال:"ليس أحد من أهل الأرض ينتظر الصلاة غيركم".
متفق عليه: رواه البخاري في مواقيت الصلاة (570) ومسلم في المساجد (639) كلاهما من حديث عبد الرزاق قال: أخبرني ابن جريج، قال: أخبرني نافع، قال: حدّثنا عبد الله بن عمر فذكر الحديث.
وسيأتي الحديث بكامله في كتاب الصلاة.
قوله: "حتَّى رقدنا" ليس معناه مستلقيًا، كما هو المتبادر، بل معناه: رقدنا قاعدين، أي: نِمنا ونحن جلوسٌ. ونوم الجلوسِ لا ينقض الوضوء كما هو الظاهر من هذا الحديث.
• عن عائشة قالت: أَعْتَم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتَّى ناداه عمرُ: الصلاةَ؛ نام النساء والصبيانُ. فخرج فقال: "ما ينتظرها من أهل الأرض غيركم". قال: لا يُصلَّي يومئذ إلَّا بالمدينة.
متفق عليه: رواه البخاري في المواقيت (569) ومسلم في المساجد (638) كلاهما من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قالت، فذكرت الحديث. ومن وجه آخر عند مسلم: حتَّى نام أهل المسجد.
قال النووي رحمه الله تعالى: "هذا محمول على نوم لا ينقض الوضوء، وهو نوم الجالس ممكنّا مقعده، وفيه دليل على أن نوم مثل هذا لا ينتقض، وبه قال الأكثرون، وهو الصحيح من مذهبنا".
• عن عبد الله بن عباس قال: بِتُّ عند خالتي ميمونة ليلة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، فلما كان في بعض الليل قام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شنٍّ معلَّق وضوءًا خفيفا - يخفِّفه عمرو ويقلِّله - وقام يصلي فتوضأتُ نحوا مما توضأ، ثم جئتُ فقمت عن يساره - وربما قال سفيان: عن شماله - فحوَّلني فجعلني عن يمينه، ثم صلَّي ما شاء الله، ثم اضطجع فنام حتَّى نَفَخَ، ثم أتاه المنادي فآذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصلاة، فصلَّى ولم يتوضّأ.
قلنا لعمرو: إن ناسًا يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنامُ عينُه ولا ينام قلبه؟ قال عمرو: سمعت عبيد بن عمير يقول: رؤيا الأنبياء وحي، ثم قرأ:{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102]
متفق عليه: رواه البخاري في الوضوء (138) واللفظ له، من حديث عمرو بن دينار، قال أخبرني كُريب، عن ابن عباس، فذكره. وفي مسلم، صلاة المسافرين (763): صلَّى من الليل ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتَّى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة، فقام فصلى ولم يتوضأ. من حديث سلمة بن كُهَيل، عن كريب، عن ابن عباس، فذكر الحديث، وفيه ذكر للدعاء. ومن هذا الوجه اخرجه أيضًا البخاري في كتاب الدعاء (6316)، وسيأتي في كتاب الدعاء.
• عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام حتَّى ينفُخ، ثم يقوم فيُصلِّي ولا يتوضأ. قال الطنافسي: قال وكيع: تعني وهو ساجد.
صحيح: رواه ابن ماجه (474) قال: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، فذكر الحديث. والحديث في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 132). وإسناده صحيح.
وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي الفقيه. وعلي بن محمد هو ابن إسحاق الطَّنافسي - بفتح المهملة وتخفيف النون وبعد الألف فاء مكسورة - ثقة عابد.
• عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينام مستلقيا حتَّى ينفُخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ.
صحيح: رواه أبو يعلى (3570) والبزار (في زوائده 2437) كلاهما من طريق منصور بن أبي الأسود، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، فذكره.
قال البزار: لم يتابع منصور على هذا الإسناد، على أنه كوفي لا بأس به.
قلت: ولا يضرّ تفرده؛ فإنه ثقة، وثقه ابن معين وغيره.
وأما ما رواه ابن ماجه (475) من وجه آخر عن الحجاج، عن فُضيل بن عمرو، عن إبراهيم به