الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - باب ما جاء في صيغ التّشهد
تشهد ابن مسعود:
• عن عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا صلَّينا خلف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قلنا: السّلام على جبريل وميكائيل، السّلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إنَّ الله هو السّلام، فإذا صلَّى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السّلام عليك أيها النَّبِيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين - فإنكم إذا قلتموها أصابت كلَّ عبد لله صالح في السماء والأرض - أشهد أن لا إله إِلَّا الله، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسولُه".
متفق عليه: رواه البخاريّ في الأذان (831) عن أبي نعيم، قال: حَدَّثَنَا الأعمش، عن شقيق بن سلمة، قال: قال عبد الله
…
فذكر الحديث.
وفي رواية يحيى، عن الأعمش حَدَّثَنِي شقيق، عن عبد الله (835) قال: كنا إذا كنا مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الصّلاة، قلنا: السّلام على الله من عباده، السّلام على فلان وفلان، فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"لا تقولوا السّلام على الله فإن الله هو السّلام ثمّ ذكر بقية التّشهد مثله، وقال في آخره: "ثمّ يتخيرُ من الدُّعاء أعجَبَه إليه فيدعو".
ورواه أيضًا في الدعوات (6328)، ومسلم في الصّلاة (402) كلاهما عن عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: كنا نقول في الصّلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ذكره مسلم وقال أيضًا: "تم يتخيَّرُ من المسألة ما شاء" وفي رواية: "ثمّ ليتخيَّر بعد من المسألة ما شاء".
وفي الصحيحين أيضًا - البخاريّ في الاستئذان (6265) واللّفظ له، ومسلم في الصّلاة كلاهما عن أبي نعيم، قال: حَدَّثَنَا سيف بن سليمان، قال: سمعت مجاهدًا يقول: حَدَّثَنِي عبد الله بن سَخْبَرة قال: سمعتُ ابن مسعود يقول: عَلَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفّي بين كفَّيه - التّشهُّدَ كما يُعلِّمني السورةَ من القرآن فذكر مثله إلى قوله: "وأشهد أن محمدًا رسول الله" وقال: وهو بين ظهْرانَينا، فلمّا قُبِض قلنا: السّلام - يعني على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
يعني أنهم كانوا يقولون في حياة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: السّلام عليك أيها النَّبِيّ" بكاف الخطّاب، فلمّا مات عليه السلام عدلوا عن ذلك وقالوا: "السّلام على النَّبِيّ" تركوا الخطّاب، وذكروه بلفظ الغيبة.
وقد صحَّ عن الصّحابة أنّهم كانوا يقولون والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حيٌّ: "السّلام عليك أيّها النَّبِيّ. فلمّا مات قالوا: السّلام على النَّبِيّ".
رواه عبد الرزّاق قال: أخبرنا ابن جريج، أخبرني عطاء، أن الصّحابة، فذكره.
وإسناده صحيح، كما قال الحافظ في "الفتح"(2/ 314).
ورواه أبو داود (970)، والدارقطني (1333)، وصحّحه ابن حبان (1962) كلّهم من حديث الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، قال: أخذ علقمة بيديّ، وأخذ ابن مسعود بيد علقمة، وأخذ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بيد ابن مسعود، فعلَّمه التّشهد كما ذكره الأعمش:"إذا قلت هذا، أو قضيت هذا، فقد قضيت صلاتك، إن شئتَ أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد".
هكذا قال أبو داود، وقال ابن حبان: قال عبد الله بن مسعود: "فإذا فرغت من هذا فقد فرغت من صلاتك، فإن شئت فاثبت، وإن شئت فانصرف".
فاختلف أهل العلم في هذه الزيادة، هل هي مرفوعة أو موقوفة على عبد الله بن مسعود؟ .
فذهب الدارقطني إلى أن مَنْ جعله مِنْ كلام ابن مسعود أشبه بالصّواب، وذكر عللها وتبعه في ذلك البيهقيّ.
وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي"(2/ 174، 175): "لا تعلل بها رواية من رفع؛ لأن الرّفع زيادة مقبولة على ما عرف من مذاهب أهل الفقه والأصول. فيحمل على أن ابن مسعود سمعه من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فرواه كذلك مرة، وأفتى به مرة أخرى، وهذا أولى من جعل كلامه، إذ فيه تخطئة الجماعة الذين وصلوه".
قلت: وفي حال ثبوته مرفوعًا فيه دلالة على أن الصّلاة على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في التّشهد غير واجبة، وهو رأي جمهور أهل العلم من المحدثين والفقهاء إِلَّا الشافعي ورواية عن أحمد فإنهما ذهبا إلى وجوبها. وسيأتي الكلام على هذه المسألة في الباب الذي يليه.
شرح ألفاظ الحديث:
قوله: "التشهد" سُمّي بالتشهد للنطق بالشهادة بالوحدانية والرسالة.
قوله: "إنَّ الله هو السلام" معناه أن السّلام اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه السالم من النقائص، وسمات الحدوث، ومن الشريك والنِّدّ.
قوله: "التحيات" جمع تحية وهي المِلك، يقال: حيَّاك الله - أي ملَّكك. كذا في "مختار الصحاح".
قال النوويّ: "التحيات جمع تحية وهي الملك، وقبل البقاء، وقيل العظمة، وقيل الحياة، وإنما قيل التحيات بالجمع، لأن ملوك العرب كان كل واحد منهم تحييه أصحابه بتحية مخصوصة، فقيل: جميع تحياتهم الله تعالى، وهو المستحق لذلك حقيقة". انتهى.
قوله: "فليقل التحيات لله": قال الخطّابي: "فيه إيجاب التّشهد؛ لأن الأمر على الوجوب". انتهى.
قلت: وإليه ذهب جمهور المحدثين بأن التشهدين واجبان، وذهب أبو حنيفة ومالك وجمهور الفقهاء إلى أنهما سنَّتان، وقال الشافعي: الأوّل سنة، والأخير واجب.
تشهد ابن عباس:
• عن ابن عباس أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمنا التّشهد كما يُعَلِّمنا السورة
من القرآن. فكان يقول: "التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله".
صحيح: رواه مسلم في الصلاة (403) عن قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث (هو ابن سعد) عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير وعن طاوس، عن ابن عباس فذكره، وذكر له وجهًا آخر عن عبد الرحمن بن حميد، حدثني أبو الزبير، عن طاوس، عن ابن عباس به، فذكره.
قال أبو عوانة في صحيحه (2024): سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: هذا أجود حديث رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد.
وقوله: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات" قال النووي: تقديره: "والمباركات والصلوات والطيبات كما في حديث ابن مسعود وغيره، ولكن حذفت الواو اختصارًا، وهو جائز معروف في اللغة، ومعنى الحديث: أن التحيات وما بعدها مستحقة لله تعالى، ولا تصلح حقيقتها لغيره" انتهى.
وأما ما رواه ابن ماجه (902)، والنسائي (1175، 1281)، والحاكم (1/ 266) وعنه البيهقي (2/ 141، 142) كلهم من طريق أيمن بن نابل، قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما بعلمنا السورة من القرآن: باسم الله وبالله التحيات
…
" فهو خطأ مع ما زاده في أول المتن.
قال البيهقي: تفرد به أيمن بن نابل، عن أبي الزبير، عن جابر. قال أبو عيسى: سألت البخاري عن هذا الحديث، فقال: هو خطأ، والصواب ما رواه الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير وطاوس، عن ابن عباس".
ذكره الترمذي في "العلل الكبير"(2/ 228).
وقال النسائي في الموضع الثاني (3/ 43): "لا نعلم أحدًا تابع أيمن بن نابل على هذه الرواية، وأيمن عندنا لا بأس به، والحديث خطأ".
تشهد أبي موسى الأشعري:
• عن أبي موسى الأشعري قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبيَّن لنا سنَّتنا، وعلَّمنا صلاتنا فقال:"وإذا كان عند القعدة فليكُن من أوّل قول أحدكم: التحيات الطيّبات الصلوات لله، السلام عليك أيُّها النبي ورحمةُ الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه".
صحيح: رواه مسلم في الصلاة (404) عن حِطَّان بن عبد الله الرقاشي قال: صليتُ مع أبي
موسى الأشعري صلاة، ثم ذكر حديثا طويلًا ومنه هذا.
تشهد ابن عمر:
• عن ابن عمر: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد: "التحيات لله، الصلوات الطيبات، السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته" - قال ابن عمر: زدتُ فيها: بركاته - السلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين، أشهد أن لا إله إلا الله" - قال ابن عمر: زدت فيها: وحده لا شريك له - "وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله".
صحيح: رواه أبو داود (971) عن نصر بن علي، حدثني أبي، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، سمعتُ مجاهدًا يحدث عن ابن عمر
…
فذكر الحديث.
وإسناده صحيح ورجاله ثقات غير أن شعبة تكلم في أبي بشر، وزعم أنه لم يسمع شيئًا من مجاهد، ولكن جاء في الإسناد: سمعتُ مجاهدًا. وهذا نص في السماع.
رواه أيضًا الدارقطني (1/ 351) عن أبي بكر بن أبي داود، ثنا نصر بن علي به مثله وقال: هذا إسناد صحيح، وقد تابعه على رفعه ابن أبي عدي، عن شعبة، ووقَّفه غيرهما. انتهى.
وقول ابن عمر: زدت فيه "وبركاته" و"وحده لا شريك له" هذه الزيادة ليست من عند نفسه، بل إنه لم يسمع هذه من النبيّ صلى الله عليه وسلم ولكنه سمعها من أبي موسى الأشعريّ كما يدل عليه ما رواه الإمام أحمد (5360) عن عفان، قال: حدثنا أبان بن يزيد، قال: حدثنا قتادة، حدثني عبد الله بن باباه المكي، قال: صليت إلى جنب عبد الله بن عمر، قال: فلما قضى الصلاة ضرب يده على فخذه، فقال: ألا أعلمك تحية الصلاة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا: قتلا على هؤلاء الكلمات. يعني قول أبي موسى الأشعري في التشهد. وإسناده صحيح.
وفي تشهد أبي موسى الأشعري هؤلاء الكلمات موجودة. فالذي يظهر أنه أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم مختصرًا، والباقي من أبي موسى الأشعريّ، وكلها مرفوعة.
وأما ما روي عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلم المُكتب الولدان، فهو ضعيف، رواه مسدد، ثنا هُشيم، عن عبد الرحمن بن إسحاق، ثنا محارب بن دثار، قال: سمعت ابن عمر
…
فذكره.
ورواه أيضًا عن عبد الواحد، ثنا عبد الرحمن به وزاد "على المنبر""المطالب العالية"(534) و "إتحاف الخيرة"(1974، 1975). وقال البوصيري: رجاله ثقات، وهشيم هو: ابن أبي بشير.
قلت: ليس كما قال فإن عبد الرحمن بن إسحاق وهو: أبو شيبة الواسطي الأنصاري ضعيف، ضَعَّفه أحمد وابن معين وابن سعد ويعقوب بن سفيان وأبو داود والنسائي وابن حبان، وقال البخاري: فيه نظر. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به، وضعَّفه أيضًا الساجي والعقيلي وغيرهم. فلعله اشتبه عليه برجل آخر.