الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: لعله التبس عليه أبو نَعامة اسمه قيس بن عباية بأبي نعامة الآخر: واسمه عمرو بن عيسى بن سُوَيد الذي كان من أتباع التابعين، روى له مسلم وغيره، وأما قيس بن عَباية فهو من التابعين مات ما بين عشر إلى عشرين ومائه، روي عن عبد الله بن مغفل وابنه، وعنه سعيد الجُريري. قال ابن عبد البر: هو ثقة عند جميعهم، ووثقه أيضًا ابن معين.
وأما الحديث المشهور الذي كان يرويه سعد، أنه كان يتوضأ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما هذا السرف؟ "، فقال: أفي الوضوء إسراف؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم، وإن كنت على نهر جار". فهو حديث ضعيف، رواه ابن ماجه (425) من طريق ابن لهيعة، عن حُييّ بن عبد الله المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلِّي، عن عبد الله بن عمرو، عن سعد.
قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف؛ لضعف حيّى بن عبد الله وعبد الله بن لهيعة.
وكذلك الحديث المشهور الذي يرويه أُبَي بن كعب مرفوعًا: "إن للوضوء شيطانًا يقال له: وَلَهان، فاتقوا وسْواس الماء"، فهو ضعيف أيضًا.
رواه الترمذي (75) وابن ماجه (421)، وفيه خارجة بن مصعب ضعيف، قال الترمذي: حديث أُبَي بن كعب حديث غريب، وليس إسناده بالقوي، لا نعلم أحدًا أسنده غير خارجة، وقد رُوِي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن قوله، ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا، وضعَّفه ابن المبارك. انتهى.
وقال ابن أبي حاتم في العلل (رقم 130): سئل أبو زرعة عن هذا الحديث، فقال: رَفْعُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مُنكر.
16 - باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة
• عن أبي هريرة قال: أسْبِغوا الوضوء؛ فإنَّ أبا القاسم قال: "ويلٌ للأعقاب من النار".
متفق عليه: رواه البخاري في الوضوء (165) واللفظ له، ومسلم في الطهارة (242) كلاهما من طريق شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة أنه رأى قومًا يتوضؤون من المِطْهَرة. وفي مسلم من طريق الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا لم يغسل عقِبيه فقال:"ويلٌ للأعقاب من النار".
• عن جابر بن عبد الله قال: أخبرني عمر بن الخطاب أن رجلًا توضّأ فترك موضع ظُفْر على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ارجع! فأحسن وضوءك". فرجع ثم صلَّى.
رواه مسلم في الطهارة (243) عن سلمة بن شبيب، حدَّثنا الحسن بن محمد بن أعين، حدَّثنا معقل، عن أبي الزبير، عن جابر فذكر الحديث.
• عن عائشة، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ويلٌ للأعقاب من النار".
صحيح: رواه مسلم في الطهارة (240) عن سالم بن عبد الله مولى شدَّاد قال: دخلت على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يوم توفي سعد بن أبي وقاص، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر فتوضأ عندها، فقالت: يا عبد الرحمن! أسبغ الوضوء؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فذكرت الحديث.
وفي رواية عند ابن ماجه (452) وأحمد (24123) كلاهما من طريق ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة، قال: رأتْ عائشةُ عبدَ الرحمن وهو يتوضأ فقالت: أسبغ الوضوء؛ فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويلٌ للعراقيب من النار". وابن عجلان صدوق.
(والعراقيب) جمع عرقوب، والعرقوب من الإنسان هو: وتر غليظ فوق عقبه، ومن الدابة: ما يكون في رجلها بمنزلة الركبة في يدها. "المعجم الوسيط".
• عن عبد الله بن عمرو قال: تخلف النبي صلى الله عليه وسلم عنا في سفرةٍ سافرناها، فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته:"ويلٌ للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثًا.
متفق عليه: رواه البخاري في الوضوء (163) واللفظ له، ومسلم في الطهارة (241) كلاهما عن أبي عوانة، عن أبي بشْر، عن يوسف بن ماهَك، عن عبد الله بن عمرو به. وعند مسلم: وقد حضرت صلاةُ العصر. وفي رواية قال: رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، حتَّى إذا كنا بماء بالطريق تعجّل قوم عند العصر، فتوضّأوا وهم عِجال، فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسَّها الماءُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ويلٌ للأعقاب من النار؛ أسبغوا الوضوء". وتم تخريجه في "المنة الكبرى"(1/ 154).
• عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويلٌ للأعقاب وبُطونِ الأَقدامِ من النار".
حسن: رواه الإمام أحمد (17710) قال: حدَّثنا حسن (وهو ابن موسى) قال: حدَّثنا ابن لهيعة، حدَّثنا حيوة بن شُريح، عن عُقبة بن مسلم قال: سمعتُ عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي فذكر الحديث.
وإسناده ضعيف لأجل ابن لهيعة، ولكنه توبع، فقد رواه ابن خزيمة (163) والدارقطني (1/ 95) والحاكم (1/ 162) والبيهقي (1/ 70) كلهم من طريق الليث بن سعد، عن حيوة بن شريح به مثله.
قال الحاكم: حديث صحيح ولم يخرجا ذكر بطون الأَقدام.
ولعل الحافظ الهيثمي لم يقف على هذا المرفوع، وإنما وقف على الموقوف الذي أخرجه الإمام أحمد (17706) عن هارون، حدَّثنا عبد الله بن وهب، قال: حدثني حيوةُ، عن عقبة بن مسلم التجيبي، قال: سمعتُ عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ويلٌ للأعقاب وبطون الأَقدام من النار يوم القيامة.
فقال في "مجمع الزوائد"(1/ 240) رواه أحمد هكذا، وقال الطبراني في الكبير عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويلٌ للأعقاب وبطون الأَقدام من النار" وقال: رجال أحمد والطبراني ثقات.
قلت: وهو كذلك إلَّا أنه رُوِي مرفوعًا من طريق ابن لهيعة كما مضى. وتم تخريجه في "المنة الكبرى"(1/ 155)، وقال ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2484): لا نعلم بطون الأَقدام إلَّا في هذا الحديث وحده. وهذا يوجب غسل الرجلين، ولا نعلم أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سُمع منه غيره". انتهى.
• عن جابر بن عبد الله قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويلٌ للعراقيب من النار". صحيح: رواه ابن ماجه (454) عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال: حدَّثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن أبي كرْب، عن جابر بن عبد الله فذكر الحديث.
ورجاله ثقات غير أبي إسحاق فإنه مُدلِّس وقد عنعن كما أنه اختلط، إلَّا أن أبا الأحوص سمع منه قبل الاختلاط اعتمد عليه الشيخان في صحيحيهما، وأما عنعنته فقد صرح بالسماع في رواية الإمام أحمد (14965) عن محمد بن جعفر، حدَّثنا شعبةُ، عن أبي إسحاق أنه سمع سعيد بن أبي كرِب، أو شُعيب بن أبي كرِب، قال: سمعت جابر بن عبد الله وهو على جمل فذكر الحديث.
• عن عبد الله بن عباس قال: والله! ما خصَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس، إلَّا ثلاثة أشياء؛ فإنه أمرنا أن نُسبغ الوضوء، ولا نأكل الصدقة، ولا نُنْزي الحمرَ على الخيل.
حسن: رواه أبو داود (808) في الصلاة في حديث طويل، وسوف يعاد في باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر. والنسائي (141) والترمذي (1710) واللفظ لهما، وابن ماجه (426) كلهم من حديث أبي جَهْضَم موسى بن سالم، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن ابن عباس.
قال الترمذي: حسن صحيح.
قلت: إسناده حسن لأجل أبي جَهْضم موسى بن سالم مولى آل عباس؛ فإنه صدوق، قال موسى بن سالم: فلقيت عبد الله بن حسن، فقلت: إن عبد الله بن عبيد الله حدثني بكذا وكذا، فقال: إن الخيل كانت في بني هاشم قليلة، فأحبّ أن يكثر فيهم. رواه ابن خزيمة (1/ 89 رقم 175).
• عن أنس أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد توضأ وترك على قدمه مثل موضع الظفر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ارجع، فأحسن وضوءَك".
صحيح: أخرجه أبو داود (173) وابن ماجه (665) كلاهما من طريق عبد الله بن وهب، عن جرير بن حازم، أنه سمع قتادة بن دعامة، حدَّثنا أنس فذكره.
قال أبو داود: هذا الحديث ليس بمعروف عن جرير بن حازم، ولم يروه إلَّا ابن وهب وحده.
قلتُ: هذا إعلالٌ من أبي داود لحديث ابن وهبٍ، عن جرير، عن قتادةَ .. فيقال: إنَّه روى عن
قتادةَ، عن أنسٍ بما لا يُتابعُ عليه.
وعبد الله بن وهب، هو القرشي مولاهم، أبو محمد المصري، ثقة حافظ، فلا يضرُّ تفرُّده.
وأمَّا جرير بن حازم، وهو الأزدي، فهو أحد الثقات، من رجال الكتب الستَّة، إلَّا أنَّه اختُلِف في حديثه عن قتادة؛ قال عبد الله بن أحمد: سألت يحيى بن معين، عن جرير بن حازم، فقال: ليس به بأس. فقلت له: إنَّه حدَّث عن قتادة عن أنسٍ أحاديث مناكير. فقال: "ليس بشيءٍ، وهو عن قتادة ضعيف".
وأورد ابن عديّ الحديث المذكور في الكامل: (2/ 550)، وقال: ولجرير غير ما ذكرت غرائب.
وقال الذهبي في "الميزان": وفي الجملة: لجريرٍ عن قتادة أحاديث منكرة.
وقال أيضًا: هو أحد الأئمَّة الكبار، ولولا ذكر ابن عديٍّ له لما أوردته.
وهذا يدلُّ على أنَّ الذهبي - وهو صاحب الاستقراء التامِّ - لم يرض بإدخال جرير بن حازم في الضعفاء، وإن كان وافق على أنَّ له عن قتادة أحاديث منكرة، ولكن ليس عندنا ما يدلُّ على أنَّ جرير بن حازم قد وهِم في رواية الحديث المذكور، بل فيه ما يدلُّ على أنَّه سمع هذا الحديث من قتادة، كما أنَّ أحاديث الباب تشهد له بأنَّه حفظه، وضبطه، وقد صحّحه ابن خزيمة (164)، وأخرجه من طريق ابن وهب، عنه. وقال الدارقطني:(1/ 180): تفرَّد به جرير بن حازم، وهو ثقة.
أي: ما دام هو ثقة فلا يضرُّ تفرُّده. والله تعالى أعلم بالصواب.
ثم قال أبو داود: وقد روي عن معقل بن عبد الله الجزري، عن أبي الزبير، عن جابر، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال:"ارجع فأحسن وضوءك".
قلت: حديث معقل بن عبد الله وصله مسلم في صحيحه فرواه عن سلمة بن شبيب عنه كما مر ذكره، وهو الحديث الثاني في هذا الباب. فلعلَّ أبا داود جعله شاهدًا لحديث أنسٍ.
• عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي، وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماءُ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة.
حسن: رواه أبو داود (175) قال: حدَّثنا حيوة بن شريح، حدَّثنا بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فذكره.
وأخرجه البيهقي (1/ 83) من طريق أبي داود.
ورجاله ثقات غير بقية، وهو ابن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي الحمصي المحدث المشهور المكثر، له في مسلم حديث واحد، وكان كثير التدليس عن الضعفاء والمجهولين، ولذا إذا عنعن فلا يقبل.
وأما إذا قال: حدَّثنا أو أخبرنا فهو ثقة كما قال النسائي.
وقد صرَّح بالتحديث عند الحاكم، فقال: حدَّثني بَحير. كذا قال ابن التركماني، ولم أجده في المستدرك.
ثمَّ قال ابن التركماني: فكان الوجه أن يُخرجه البيهقي من طريق الحاكم ليسلم الحديث من تُهمة بقية.
وقال الحافظ في تلخيصه (1/ 96): "قال الأثرم: قلت لأحمد: هذا إسناد جيد؟ ، قال: نعم، فقلت: إذا قال رجل من التابعين؛ حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمه، فالحديث صحيح؟ قال: نعم.
وأعله المنذري بأن فيه بقية قال: عن بحير، وهو مُدلِّس، لكن في المسند (15495) والمستدرك تصريح بقية بالتحديث، وفيه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال ابن المديني: بقية صالح فيما روى عن أهل الشام، وأما عن أهل الحجاز والعراق فضعيف جدًّا.
قلت: بَحير شامي. قال الإمام أحمد: "ليس بالشام أثبت من حريز إلَّا أن يكون بَحيرًا".
وأما قول خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال فيه الحاكم (2/ 600): خالد بن معدان من خيار التابعين صحب معاذ بن جبل فمن بعده من الصحابة، فإذا أسند حديثًا إلى الصحابة فإنه صحيح الإسناد وإن لم يخرجاه. انتهى.
فيه رد على قول البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 83) بعد أن أخرج الحديث من طريق أبي داود: وقال: وهو مرسل، وروي في حديث موصول. قال ابن التركماني: تسمية هذا مُرسَلًا ليس بجيد؛ لأن خالدًا هذا أدرك جماعة من الصحابة، وهم عدول؛ فلا يضرهم الجهالة. انتهى.
• عن ابن مسعود قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء.
حسن: رواه ابن خزيمة (1/ 90 رقم 176) من طريق سفيان، عن سماك، عن عبد الرحمن بن عبد الله - وهو ابن مسعود - عن أبيه، فذكر الحديث.
وإسناده حسن؛ فإنَّ سماكامختلف فيه ولكن رواية سفيان عنه صحيحة كما قال يعقوب بن شيبة: "روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع منه قديمًا مثل شعبة وسفيان فحديثهم عنه صحيح مستقيم".
ورواه أيضًا البزار كما قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 84).
ثم اعلم رحمك الله أن حديث ابن مسعود بهذا الإسناد رُوِي جزء منه مرفوعًا منه: إسباغ الوضوء، وجزء منه موقوفًا مثل: لا تصلح سفْقتان في سفْقةٍ. وسيأتي تفصيل ذلك في كتاب البيوع.
وأحاديث الباب تدل على وجوب الموالاة في الوضوء، وإليه ذهب مالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه، والقول الثاني عنده أن الموالاة مستحبة. انظر: ما كتبته مُفصَّلًا في "المنة الكبرى"(1/ 166، 167).