الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى من طريق ابن عجلان قال: سمعتُ النعمان بن أبي عياش يقول: "لكل شيء زينةٌ، وزينة الصلاة أن ترفع يديك إذا كَبَّرْتَ، وإذا ركعتَ، وإذا رفعتَ رأسك من الركوع". (ص 152). انظر للمزيد: "المنة الكبرى"(1/ 492).
وقول البخاري: "وليس أسانيده أصح من رفع الأيدي" إشارة إلى رد ما أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 236) عن عبد الله بن مسعود وعَلِيّ وأصحابهما، وما رواه غيره عن ابن عمر بأنهم ما كانوا يرفعون أيديهم إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة. ففي قوله إشارة واضحة بأن أحاديث الثبوت أولى من أحاديث النفي.
8 - باب من قال: لا يُسن رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه
• عن جابر بن سمرة، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنّها أذناب خيل شُمْسْ؛ اسكنوا في الصّلاة".
صحيح: رواه مسلم في الصلاة (430) من طرق عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طَرفة، عن جابر بن سمرة، فذكره.
إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد به المنع من رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه؛ لأنه جاء تفسيره في صحيح مسلم نفسه، وهو قول جابر بن سمرة، قال: كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله - وأشار إلى الجانبين - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"علامَ تؤمئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شُمْس؛ إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله".
وقال أيضًا: صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا سلمنا قلنا بأيدينا: السلام عليكم السلام عليكم، فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ما شأنكم؟ تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل شُمس! إذا سلَّم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه، ولا يومئ بيده".
وقوله: "شُمْس" بضم الأول وسكون الثاني - جمع شموس، وهو النّفور من النواب الذي لا يستقر لشغبه وحدته.
وفي الباب ما روي عن عبد الله بن مسعود، قال:"ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى، فلم يرفع يديه إلا في أول مرة".
رواه أبو داود (748)، والترمذي (257)، وأحمد (1/ 388) كلهم من حديث وكيع، عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، قال: قال عبد الله بن مسعود، فذكره. قال الترمذي:"حسن".
ونقل عن ابن المبارك بعد إخراج حديث ابن عمر أنه قال: قد ثبت حديث من يرفع يديه، وذكر حديث الزهري، عن سالم، عن أبيه، ولم يثبت حديث ابن مسعود: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه إلا
أول مرة". انتهى.
وقال أبو داود: "هذا حديث مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح على هذا اللفظ". انتهى.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه الثوري، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فكبَّر فرفع يديه، ثم لم يَعُد.
قال أبي: هذا خطأ؛ يقال: وهم فيه الثوري. روى هذا الحديث عن عاصم جماعة، فقالوا كلهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع يديه ثم ركع فطبَّق، وجعلهما بين ركبتيه، ولم يقل أحد ما رواه الثوري". انتهى. "العلل" (258).
وكذلك جعل البخاري في جزء رفع اليدين (برقم: 31) - الخطأ من الثوري، فقد روى من طريق ابن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، ثنا علقمة أن عبد الله قال: علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فقام فكبَّر، ورفع يديه، ثم ركع فطبّق يديه فجعلهما بين ركبتيه، فبلغ ذلك سعدًا فقال: صدق أخي، قد كنا نفعل ذلك في أول الإسلام ثم أمرنا بهذا.
قال البخاري: "وهذا هو المحفوظ عند أهل النظر من حديث عبد الله بن مسعود". انتهى. ونقل عن الإمام أحمد ويحيى بن آدم أنهما ضعَّفا هذا الحديث.
ونقل الدارقطني (1/ 293) قول ابن المبارك: "لم يثبت عندي حديث ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه أول مرة، ثم لم يرفع، وقد ثبت عندي حديث من يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع. قال ابن المبارك: ذكره عبيد الله العمري ومالك ومعمر وسفيان ويونس ومحمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم". انتهى.
وثبت من هذا أن صحة الإسناد لا تستلزم صحة الحديث لاحتمال وجود شذوذ في المتن كما وقع هنا في رواية الثوري.
وعلى فرض ثبوت الصحة فإن المثبت مقدم على النافي، وقد صحت الأحاديث الكثيرة في إثبات رفع اليدين عند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام إلى الركعة الثالثة، فلا يجوز ترك العمل على هذه الأحاديث الصحيحة المخرجة في الصحيحين وغيرهما لحديث ابن مسعود لاحتمال خطأ بعض الرواة، سواء كان ذلك من سفيان كما قال أبو حاتم والبخاري، أو من تلميذه والراوي عنه وهو وكيع كما قال غيرهما، ومن الجائز كما قال ابن الجوزي في التحقيق (3/ 25):"أن يكون علقمة لم يضبط، أو ابن مسعود قد خفي عليه هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما خَفِي على غيره مثل نسخ التطبيق". انتهى.
ونقل الزيلعي (1/ 397) عن صاحب "التقيح"(2/ 140 - 141) أنه قال: قال الفقيه أبو بكر بن إسحاق: "وليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يُستغرب، قد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد وهي المعوذتان، ونسي ما اتفق العلماء على نسخه كالتطبيق، ونسي
كيف قيام الاثنين خلف الإمام، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم النحر في وقتها، ونسي كيف جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الأرض في السجود، ونسي كيف كان يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم:{وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [سورة الليل: 3] وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة، كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين". انتهى.
وفي الباب ما رُوي أيضًا عن البراء: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود".
رواه أبو داود (749) حدثنا محمد بن الصباح البزار، حدثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء فذكره.
وفيه يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم ضعيف، قال أبو حاتم:"ليس بالقوي"، وقال ابن معين:"ليس بالقوي"، وقال الإمام أحمد:"ليس حديثه بذاك"، وقال ابن حبان:"كان صدوقًا إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان يلقن ما لُقِّن فوقعت المناكير في حديثه. وقال الدارقطني (1/ 294): "وإنما لُقن يزيد في آخر عمره، [ثم لم يعد] فتلقنه وكان قد اختلط"، ورواه أيضًا من طريق علي بن عاصم، نا محمد بن أبي ليلى، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب فذكر الحديث، قال علي بن عاصم، فلما قدمت الكوفة، قيل لي إن يزيد حي فأتيته فحدَّثني بهذا الحديث فقال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة فكبَّر، ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه، فقلت له: أخبرني ابن أبي ليلى أنك قلت: ثم لم يعد، قال: لا أحفظ هذا، فعاودتُه فقال: ما أحفظه".
وقال الحافظ في التلخيص: "اتفق الحفاظ على أن قوله: "ثم لم يعد" مدرج في الخبر من قول يزيد بن أبي زياد. ورواه عنه بدونها شعبة، والثوري، وخالد الطحان، وزهير، وغيرهم من الحفاظ، وقال الحميدي: إنما روى هذه الزيادة يزيد، ويزيد يزيد، وقال عثمان الدارمي عن أحمد بن حنبل: لا يصح، وكذا ضعَّفه البخاري، وأحمد، ويحيى، والدارمي، والحميدي، وغير واحد. وقال يحيى بن محمد بن يحيى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: هذا حديث واه، قد كان يزيد يحدث به برهة من دهره لا يقول فيه: "ثم لا يعود". فلما لقَّنوه تلقَّن فكان يذكرها". انتهى.
قال البخاري: "وكذلك روى الحفاظ الذين سمعوا من يزيد قديمًا منهم: الثوري وشعبة وزهير ليس فيه: "ثم لا يعود". انتهى.
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، حدثنا سفيان، عن يزيد نحو حديث شريك لم يقل "ثم لا يعود" قال سفيان: قال لنا بالكوفة بعد: "ثم لا يعود".
قال أبو داود: وروى هذا الحديث هُشيم، وخالد، وابن إدريس، عن يزيد لم يذكروا "ثم لا يعود".