الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جموع أبواب صفة الصّلاة من التكبير، والقيام، والقراءة
قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [سورة الأحزاب: 21].
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24].
1 - باب قوله صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي
"
• عن مالك بن الحويرث قال: أتينا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلةً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رفيقًا، فلمّا ظنَّ أنَّا قد اشتهينا أهلنا - أو قد اشتقنا - سألنا عَمن تركنا بعدنا، فأخبرناه قال:"ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلِّموهم، ومروهم" وذكر أشياء أحفظُها، أو لا أحفظُها - "وصلُّوا كما رأيتموني أصَلِّي، فإذا حضرتِ الصّلاةُ فليؤذِّنْ لكم أحدُكم ولْيؤمَّكم أكبرُكم".
متفق عليه: رواه البخاريّ في الأذان (631) واللّفظ له، ومسلم في المساجد (674) كلاهما عن أبي قِلابة، عن مالك بن الحويرث فذكر مثله، ولم يذكر مسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي".
والحديث قد سبق ذكره في أبواب الأذان، وسيأتي أيضًا في باب رفع اليدين عند الركوع، وعند رفع الرأس منه.
2 - باب ما جاء في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام
• عن البراء بن عازب قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلَّى نحو بيت المقدس ستة عشر - أو سبعة عشر - شهرًا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يُوَجِّه إلى الكعبة، فأنزل الله:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [سورة البقرة: 148] فتوجه نحو الكعبة. وقال السفهاء من الناس - وهم اليهود -: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سورة البقرة: 142]. فصلى مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رجل، ثمّ خرج بعد ما صلَّى فمَرَّ على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت.
المقدس، فقال: هو يشهد أنه صلَّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه توجه نحو الكعبة. فتحرف القومُ حتَّى توجهوا نحو الكعبة.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الصّلاة (399)، ومسلم في المساجد (525) كلاهما من حديث أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، واللّفظ للبخاريّ، وذكره مسلم مختصرًا نحوه، وانفرد البخاريّ فذكر في كتاب الإيمان (40): وهم راكعون، فداروا كما هم قِبَل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يُصَلِّي قبل بيت المقدس وأهلُ الكتاب، فلمّا ولَّى وجْهَه قِبل البيتِ أنكروا ذلك.
• عن البراء بن معرور، قال: إنه قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إني خرجتُ في سفري هذا، وقد هداني الله للإسلام، فرأيتُ ألا أجعل هذه البِنيةَ مني بظهر، فصليتُ إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتَّى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى؟ قال:"قد كنت على قبلة لو صبرتَ عليها".
قال فرجع البراء إلى قبلة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وصلى معنا إلى الشّام.
حسن: رواه ابن خزيمة (429) من طريق ابن إسحاق، قال: حَدَّثَنِي معبد بن كعب بن مالك - وكان من أعلم الأنصار -، حَدَّثَنِي أن أباه كعبًا حدَّثه.
وخبر كعب بن مالك في خروج الأنصار من المدينة إلى مكة في بيعة العقبة. وذكر في الخبر أن البراء بن معرور قال (فذكره). وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق، وقد صرَّح بالتحديث.
وقوله: "هذه البِنيةَ مني بظهر" يعني الكعبة.
وفيه دليل على أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس.
وهو قول ابن عباس كما سيأتي.
• عن عبد الله بن عمر أنه قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصُّبْحِ، إذ جاءهم آتٍ فقال: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوهُهم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة.
متفق عليه: رواه مالك في القبلة (6) عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر فذكره، ومن طريقه أخرجه البخاريّ في الصّلاة (403)، ومسلم في المساجد (526).
• عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلي نحو بيت المقْدِس فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة: 144]، فمرَّ رجل من بني سلمة، وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلَّوا ركعة فنادى: ألا إن القبلة حُوِّلَتْ، فمالُوا كما هم نحو القبلة.
صحيح: رواه مسلم في المساجد (527) عن أبي بكر بن أبي شيبة، ثنا عفّان، ثنا حمّاد بن
سلمة، عن ثابت، عن أنس فذكر مثله، وبقية الأحاديث في تحويل القبلة ستأتي في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى.
ولا منافاة بين حديث البراء المتقدم فإن فيه: أنهم كانوا في صلاة العصر، وبين حديث ابن عمر وأنس بأنهم كانوا في صلاة الفجر، لاحتمال أن الخبر وصل إلى من هو في داخل المدينة وهم بنو حارثة، وقت العصر، ووصل الخبر إلى من هو في خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء وقت الصبح. انظر "الفتح"(1/ 506).
• عن أنس بن مالك، قال: جاء منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّ القبلة قد حوِّلتْ". والإمام في الصّلاة قد صلّى ركعتين. فقال المنادي: "قد حوّلتِ القبلة إلى الكعبة". فصلّوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة.
حسن: رواه أبو بكر بن أبي شيبة (1/ 334)، والبزّار - كشف الأستار (421) - كلاهما من حديث زيد بن الجباب، ثنا جميل بن عبيد أبو النّضر، ثنا ثمامة، عن جدّه أنس بن مالك، فذكره.
قال البزّار: "لا نعلم رواه عن ثمامة إِلَّا جميل".
وقال الهيثميّ في "المجمع"(2/ 13): "إسناده حسن".
قلت: وهو كما قال، فإنَّ جميل بن عبيد وشيخه ثمامة بن عبد الله بن أنس صدوقان. وقد قال ابن معين في جميل:"ثقة"، وثمامة بن عبد الله بن أنس وثَّقه أحمد والنسائي. قال ابن عدي:"له أحاديث عن أنس، وأرجو أنه لا بأس به".
• عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس، والكعبة بين يديه، وبعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرًا، ثمّ صُرف إلى الكعبة.
صحيح: رواه أحمد (2991)، والبزّار - كشف الأستار (418) -، والطَّبرانيّ في "الكبير"(11/ 67) كلّهم من طريق يحيى بن حمّاد، حَدَّثَنَا أبو عوانة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، فذكره. وإسناده صحيح.
وأبو عوانة هو وضّاح بن عبد الله اليشكري البزّار، المشهور بكنيته.
• عن سهل بن سعد، قال: لما حوِّلت القبلة إلى الكعبة، مرّ رجل بأهل قباء، وهم يصلّون. فقال لهم: قد حولت القبلة إلى الكعبة، فاستداروا وإمامهم نحو الكعبة.
حسن: رواه الدَّارقطنيّ (1074)، والطَّبرانيّ في الكير (6/ 200) كلاهما من حديث عبيد الله بن موسى، حَدَّثَنَا عبد السّلام بن حفص، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، فذكره.
قال الهيثميّ في "المجمع"(2/ 14): "رجاله موثقون".
• عن ابن عباس قال: كان أولَ ما نسخ اللهُ من القرآن القبلة، وذلك أنَّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهودُ، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرًا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ قبلة إبراهيم، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله تبارك وتعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} إلى قوله: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]. فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا:{مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} ، فأنزل الله عز وجل:{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة: 142]. وقال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115].
صحيح: رواه ابن جرير في "تفسيره"(2/ 450)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 248)، والبيهقي (2/ 12 - 13) كلّهم من طريق أبي صالح، عن معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، فذكره.
وعلي بن أبي طلحة لم يدرك ابن عباس، إِلَّا أن الواسطة بينهما معروفة، ولذا صحح أهل العلم هذا الإسناد. وأخرجه أيضًا ابن أبي حاتم في "تفسيره"، والبيهقي من وجه آخر عن عطاء الخراسانيّ، عن ابن عباس، قال:"أوّل ما نُسخ من القرآن فيما ذكرنا - والله أعلم - شأن القبلة" فذكره بنحوه. وعطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن ابن عباس، قال: لما صُرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة - وصُرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهرًا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رفاعةُ بنُ قيس، وقردمُ بنُ عمرو، وكعبُ بن الأشرف، ونافع بن أبي نافع - هكذا قال ابن حميد، وقال أبو كريب: ورافع بن أبي رافع -، والحجاج بن عمرو - حليف كعب بن الأشرف -، والربيع بن الربيع بن أبي الحُقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فقالوا: يا محمد! ما ولَّاك عن قبلتكَ التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملّة إبراهيم ودينه، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعُك ونصدِّقك. وإنّما يريدون فتنته عن دينه، فأنزل الله فيهم:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} إلى قوله: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143 - 143].
رواه البيهقيّ في "الدلائل"(2/ 575)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 247 - 248)، والطبري في تفسيره (2/ 618 - 619) كلّهم من طريق محمد بن إسحاق، قال: حَدَّثَنِي محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: حَدَّثَنِي سعيد بن جبير - أو عكرمة، شك محمد بن أبي محمد -، عن ابن عباس، قال (فذكره).
والقصة هذه بكاملها ذكرها ابن هشام في السيرة (1/ 550) مع حذف إسنادها. وفيه محمد بن أبي محمد الأنصاري مولى زيد بن ثابت لم يرو عنه غير ابن إسحاق. قال أبو حاتم: "مجهول".
وقال الذّهبيّ: "لا يعرف". وقال الحافظ: "مجهول". وأمّا ابن حبان فذكره في "الثّقات".