الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نوع خامس
7974 -
(خ م ت) سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد الليثي أنَّ أبا
⦗ص: 441⦘
هريرة أخبرهما: «أنَّ الناس قالوا: يا رسولَ الله، هل نرى ربَّنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سَحاب؟ قالوا: لا يا رسولَ الله، قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك، يُحشَر الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعْبُدُ شيئاً فليتّبع، فمنهم منْ يتبع الشمس، ومنهم من يتَّبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمَّةُ فيها منافقوها، فيأتيهم الله، فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: هذا مكانُنا حتى يأتينا ربُّنا، فإذا جاء ربُّنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربُكم، فيقولون: أنت ربُّنا؟ فيدعوهم، ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أولَ من يجُوزُ من الرُّسلِ بأُمّته، ولا يتكلّم يومئذ أحد إلا الرُّسلُ، وكلام الرُّسُلِ يومئذ: اللهم سلّم سَلّم، وفي جهنم كلاليب، مثل شوكِ السَّعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم، قال: فإنها مثلُ شَوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدْرَ عِظَمِها إلا الله تعالى، تخطَفُ الناس بأعمالهم، فمنهم من يُوبَق بعمله، ومنهم يُخَرْدَلُ، ثم ينجو، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار - وفي رواية: فمنهم المؤمن بقي بعمله، ومنهم المجازى حتى يُنَجَّى - حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يُخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود، وحرَّم الله على النار أن تأكل أثر
⦗ص: 442⦘
السجود، فيُخرجون من النار، [فكلُّ ابن آدمَ تأكله النار، إلا أثر السجود، فيخرجون من النار] قد امتُحِشُوا، فيُصَبُّ عليهم ماء الحياة، فيَنْبتُون كما تَنْبُتُ الحبَّةُ في حَميل السيل، ثم يَفرُغ الله من القصاص (1) بين العباد، ويبقى رجل بين الجنة والنار، وهو آخر أهلِ النار دخولاً الجنة - مقبلٌ (2) بوجهه قِبَل النار، فيقول: يا ربِّ، اصرف وجهي عن النار، قد قشَبني ريحُها، وأحرقني ذَكاها [فيدعو الله بما شاءَ أن يدعوه] فيقول: هل عسيتَ إن أفعل ذلك أن تسألَ غير ذلك؟ فيقول: لا وعِزَّتِكَ، فيعطي الله ما شاءَ الله من عهد وميثاق، فيصرفُ الله وجهه عن النار، فإذا أقبل بوجهه على الجنة، ورأى بهْجَتها، سكتَ ما شاء الله أن يسكت، ثم قال: يا ربِّ، قدِّمني عند باب الجنة، فيقول الله له: أليس قد أعطيتَ العهود والمواثيق (3) أن لا تسألَ غير الذي كنتَ سألتَ؟ فيقول: يا رب لا أكون أشقى خلْقكَ، فيقول: فما عَسيتَ إن أعطيْتَ ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا وعِزَّتِكَ، لا أسألك غير هذا، فيعطي ربَّه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدِّمه إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها، رأى زهرتها وما فيها من النُّضْرة والسُّرور.
- وفي رواية: فإذا قام إلى باب الجنة انفهَقتْ له الجنة، فرأى ما فيها من الحبرة والسرور، فسكت ما شاء الله أن يسكتَ، - فيقول: يا رب
⦗ص: 443⦘
أدخلني الجنة، فيقول الله: ويحك! يا ابنَ آدم ما أغْدَرَكَ؟ أليس قد أعطيت العهود أن لا تسأل غير الذي قد أُعطيت؟ فيقول: يا رب، لا تجعلني أشقى خلْقِكَ، فيضحك الله منه، ثم يأذنُ له في دخول الجنة، فيقول: تمَنَّ: فيتمنى، حتى إذا انقطع أمنيتُهُ، قال الله تعالى: تمَّن من كذا وكذا - يُذكِّره ربُّه - حتى إذا انتهت به الأماني قال الله: لك ذلك ومثله معه» .
قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله: لَكَ ذلك وعشرة أمثاله» قال أبو هريرة: لم أحْفَظْ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلا قوله «لك ذلك ومثله معه» قال أبو سعيد: إني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: لك ذلك وعشرة أمثاله، قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخرُ أهل النار دخولاً الجنة.
أخرجه البخاري، وأخرجه مسلم عن عطاء بن يزيد.
وأخرجه عن عطاء وابن المسيب، وقال: قال أبو هريرة: «إنَّ الناس قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ الله، هل نرى ربَّنا يوم القيامة؟
…
» وساق الحديث بمثله، هكذا قال مسلم، ولم يذكر لفظه، وأخرجه البخاري عن عطاء وحده بنحوه.
وأخرجه الترمذي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أخصر من هذا: «أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: يجْمعُ الله الناس يوم القيامة
⦗ص: 444⦘
في صعيد واحد، ثم يطَّلع عليهم ربّ العالمين، فيقول: ألا لِيَتْبَع كلُّ إنسان ما كان يعبُدُ، فيتمثل لصاحب الصليب صليبه، ولصاحب التصاوير تصاويره، ولصاحب النار ناره، فيتَّبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون، فيطَّلع عليهم ربُّ العالمين، فيقول: ألا تتَّبِعون الناس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك [نعوذ بالله منك] الله ربُّنا، وهذا مكاننا حتى نرى ربَّنا، وهو يأمرهم ويُثَبِّتهم، [ثم يتوارى ثم يطلع، فيقول: ألا تتبعون الناس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك نعوذ بالله منك، الله ربُّنا وهذا مكاننا حتى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبِّتُهم] قالوا: وهل نراه يا رسولَ الله؟ قال: وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنَّكم لا تضارُّون في رؤيته تلك الساعة، ثم يتوارَى، ثم يطلع، فيعرِّفهم نفسه، ثم يقول: أنا ربكم فاتَّبعوني فيقوم المسلمون، ويوضع الصراط، فيُمرُّ عليه مثل جياد الخيل والركاب وقولهم عليه: سَلّم سلم، ويبقى أهل النار، فيطرح منهم فيها فوج، فيقال: هل امتلأتِ؟ فتقول: هل من مزيد؟ [ثم يُطرح فيها فوج، فيقال: هل امتلأتِ؟ فتقول: هل من مزيد] ؟ حتى إذا أُوعِبُوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها، وأزْويَ بعضُها إلى بعض، ثم قال: قط، قالت: قَطٍ قَطٍ، فإذا دخلَ أهلُ الجنةِ الجنة، وأهلُ النارِ النارَ: أُتي بالموتِ مُلَبَّباً، فيوقَف على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار، ثم يقال: يا أهل الجنة، فيطلعون خائفين، ثم يقال: يا أهل النار، فيطلعون مستبشرين، يرجون الشفاعة،
⦗ص: 445⦘
فيقال لأهل الجنة و [أهل] النار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون - هؤلاء وهؤلاء - قد عرفناه، هو الموت الذي وُكّلَ بنا، فيُضجَع، فيُضجَع، فيذبح ذبحاً على السور، ثم يقال لهم: يا أهل الجنة، خلودٌ لا موتَ، ويا أهل النار، خلودٌ لا موتَ» .
وأخرج النسائي منه طرفاً من وسطه، وهو قوله:«فتأتي الملائكةُ فتشفع ويشفع الرسل، وذكَرَ الصراط، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: فأكون أول من يجيز، فإذا فرغ الله من القضاء بين خلقه، وأخرج من النار مَنْ يريد أن يخرج، أمرَ الله الملائكة والرسل أن تشفَعَ، فيشفعون بعلاماتهم، إنَّ النار تأكل كلَّ شيء من بني آدم إلا موضع السجود، فيصب عليهم ماءُ الحياة، فينبتون كما تنبت الحِبة في السيل» هذا القدر أخرج منه النسائي، ولقلة ما أخرج منه لم نُثبت له علامة، على أن رواية الترمذي أيضاً مباينة لرواية البخاري ومسلم، فإن فيها زيادة ليست فيها، ونقصاً هو فيها، ولو أُفرِدَتْ عنها لجاز (4) .
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
(السعدان) : نبت ذو شوك معقف من مراعي الإبل الجيدة.
(يوبق) أوبقتْه الذنوب، أي: أهلكته.
⦗ص: 446⦘
(يخردل) المخردل: المرمي المصروع، وقيل: هو المقطّع، والمعنى أنه تقطعه كلاليب الصراط، حتى يقع في النار.
(امتحشوا) الامتحاش: الاحتراق، وقيل: هو أن تُذهِبَ النارُ الجلد، وتبدي العظم.
(الحِبَّة) بكسر الحاء: البزورات، وبفتحها: كالحنطة والشعير.
(حميل السيل) : الزبد وما يلقيه على شاطئه، وهو فَعيل بمعنى مفعول.
(قَشَبني ريحها) : آذاني، والقشب: السّم، والقشيب: المسموم، فكأنه قال: قد سَمَّني ريحها.
(ذكاها) ذكا النار: مفتوح الأول مقصوراً: اشتعالها ولهبها.
(الزهرة) : الحسن والنضارة والبهجة.
(انفهقت) أي: انفتحت واتسعت.
(الحبرة) : السرور والنعمة.
(زويت) الشيء إلى الشيء: ضممت بعضه إلى بعض، وجمعته إليه.
(قط قط) بمعنى حسبي وكفاني.
(ملبَّباً) كأنه أخذ بتلابيبه، وهو استعارة، والأخذ بالتلابيب: أن يجمع على الإنسان ثوبه، ويأخذ بمقدَّمه فيجرُّ به.
(1) في نسخ البخاري ومسلم المطبوعة: القضاء.
(2)
في نسخ البخاري المطبوعة: مقبلاً.
(3)
في الأصل: والميثاق.
(4)
رواه البخاري 11 / 387 - 403 في الرقاق، باب الصراط جسر جهنم، وفي صفة الصلاة، باب فضل السجود، وفي التوحيد، باب قول الله تعالى:{وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة} ، ومسلم رقم (182) في الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، والترمذي رقم (2560) في صفة الجنة، باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار.
[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: أخرجه الدارمي (2804) . والبخاري (1/204) و (8/146) . ومسلم (1/114) قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي.
كلاهما - عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ومحمد بن إسماعيل البخاري - عن أبي اليمان، الحكم بن نافع، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي، فذكراه.
(*) أخرجه أحمد (2/775 و 533) قال: حدثنا عبد الرزاق. قال: حدثنا معمر. وفي (2/293) قال: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي. قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد. (ح) وأبو كامل. قال: حدثنا إبراهيم ابن سعد. والبخاري (8/147) قال: حدثني محمود. قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر. وفي (9/156) قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله. قال: حدثنا إبراهيم بن سعد. ومسلم (1/112) قال: حدثني زهير بن حرب. قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم. قال: حدثنا أبي. وابن ماجة (4326) قال: حدثنا محمد بن عبادة الواسطي. قال: حدثنا يعقوب بن محمد الزهري. قال: حدثنا إبراهيم بن سعد. والنسائي في الكبرى «تحفة الأشراف» (10/14213) عن عيسى بن حماد، عن ليث، عن إبراهيم ابن سعد. (ح) وعن محمد بن عبد الأعلى، عن محمد بن ثور، عن معمر.
كلاهما - معمر بن راشد، وإبراهيم بن سعد - عن ابن شهاب الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هريرة، فذكره. ليس فيه «سعيد بن المسيب» .
(*) وأخرجه النسائي (2/229) . وفي الكبرى (639) قال: أخبرنا محمد بن سليمان لوين بالمصيصة، عن حماد بن زيد، عن معمر، والنعمان بن راشد، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، قال: كنت جالسا إلى أبي هريرة وأبي سعيد، فحدث أحدهما حديث الشفاعة والآخر منصت
…
فذكر الحديث مختصرا.
(*) وأخرجه النسائي في الكبرى «الورقة 102» قال: أخبرنا عمرو بن يزيد. قال: حدثنا سيف بن عبيد الله قال: وكان ثقة عن سلمة بن عيار، عن سعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، فذكره. ليس فيه «عطاء بن يزيد» وهو مختصر على بداية الحديث.
أما رواية الترمذي عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه فقد أخرجها أحمد (2/368) قال: حدثنا هيثم. قال: حدثنا حفص بن ميسرة. (ح) وحدثنا قتيبة. قال: حدثنا عبد العزيز. والترمذي (2557) قال: حدثنا قتيبة. قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد. والنسائي في الكبرى «تحفة الأشراف» (10/14055) عن قتيبة، عن عبد العزيز بن محمد.
كلاهما - حفص بن ميسرة، وعبد العزيز بن محمد - عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، فذكره.
7975 -
(خ م س) أبو سعيد الخدري- رضي الله عنه قال: إن
⦗ص: 447⦘
ناساً في زمن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية: قال قلنا - يا رسولَ الله، هل نرى ربَّنا يوم القيامة؟ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فهل تضارُّون في رؤية الشمس بالظهيرة صَحْواً ليس معها سحاب؟ وهل تضارُّونَ في رؤية القمر ليلة البدر صَحواً ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا، يا رسولَ الله، قال: فما تضارُّون في رؤية الله تعالى يوم القيامة إلا كما تضارُّون في رؤية أحدهما، إذا كان يومُ القيامة أذَّن مؤذِّن: لِتَتَّبعْ كلُّ أُمَّة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبُدُ غير الله - من الأصنام والأنصاب - إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبقَ إلا من كان يعبد الله مِنْ بَرٍّ وفاجر، وغُبَّرِ أهل الكتاب، فيُدَعى اليهودُ، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عُزَيراً ابنَ الله، فيقال: كذبتم، ما اتخذَ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطِشْنا يا ربَّنا فاسْقِنا، فيشار إليهم: ألا ترِدُونَ؟ فيُحْشَرون إلى النار كأنها سراب يحْطِم بعضها بعضاً، فيتساقطون في النَّار، ثم يُدعى النَّصارى، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنَّا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتَّخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ فيقولون: عَطِشْنا يا ربَّنا فاسقنا، فيشار إليهم: ألا ترِدُونَ؟ فيُحْشَرون إلى جهنَّم كأنَّها سرَاب يحطِم بعضُها بعضاً، فيتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من برٍّ وفاجر، أتاهم الله في أدنى صورة من التي رَأوْها فيها، قال: فما تنظرون؟ تَتْبَعُ كلُّ أُمَّة
⦗ص: 448⦘
ما كانت تعبد، قالوا: يا ربَّنا، فارقْنا الناس في الدنيا أفقرَ ما كُنَّا إليهم، ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نُشرك بالله شيئاً - مرتين أو ثلاثاً - حتى إنَّ بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فَيُكشَفُ عن ساق، فلا يبقى من كان يسجدُ لله من تلقاء نفسه إلا أذِن الله لهُ بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد الله اتقاء ورياء، إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجدَ خرَّ على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحوَّل في صورته التي رأوه فيها أولَ مرة، فقال: أنا ربكُم، فيقولون: أنتَ ربُّنا، ثم يُضْرَبُ الجِسْرُ على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سَلمْ سلمْ، قيل: يا رسولَ الله، وما الجِسْرُ؟ قال: دَحضٌ مَزِلَّة، فيه خطاطيف وكلاليبُ وحَسَكة تكون بِنَجد، فيها شُوَيْكة، يقال لها: السعدان، فيمرُّ المؤمنون كطرف العين، وكالبرق والريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناجٍ مسلَّم [ومخدوش مُرْسَل، ومَكْدوس في نار جهنم، حتى إذا خَلَصَ المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده، ما من أحد منكم بأشدَّ مناشدةً لله في استيفاء (1) الحق من المؤمنين يوم القيامة لإخوانهم الذين في النَّار - وفي رواية: فما أنتم بأشد مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار، إذا رأَوّا أنَّهم قد نجوا في إخوانهم - فيقولون: ربَّنا كانوا يصومون معنا، ويصلُّون ويحجُّون، فيقال
⦗ص: 449⦘
لهم: أخرجوا من عَرَفتم، فتحرم صورُهم على النّار، فيخرِجون خلقاً كثيراً قد أخذت النارُ إلى نصف ساقه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربّنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيُخرِجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربَّنا، لم نَذَرْ فيها أحداً ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيُخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربَّنا لم نَذَر فيها ممن أمرتنا أحداً، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقالَ ذرَّة من خيْر فأَخرجوه، فَيخْرِجونَ خلقاً كثيراً، ثم يقولون: رَبَّنا لم نَذَرْ فيها خيراً - وكان أبو سعيد يقول: إن لم تُصدِّقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم {إنَّ الله لا يَظْلِمُ مِثْقال ذرَّة وإن تَكُ حسنةً يُضَاعِفْهَا ويُؤتِ من لَدُنْهُ أجراً عظيماً} [النساء: 40]- فيقول الله عز وجل: شفعَتِ الملائكة، وشفعَ النبيون، [وشفعَ المؤمنون] ، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبضُ قبضة من النار، فيُخرج منها قوماً لم يعْمَلُوا خيراً قط، قد عادوا حُمماً، فيلقيهم الله في نهر في أفواه الجنة، يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرجُ الحبَّةُ في حميل السَّيل، ألا ترَونها تكون إلى الحجَر أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أُصَيْفِرُ وأُخَيْضرُ، وما يكون منها إلى الظل، يكون أبيضَ؟ فقالوا: يا رسولَ الله، كأنك كنتَ ترعى بالبادية، قال: فيخرجون
⦗ص: 450⦘
كاللؤلؤ، في رقابهم الخواتيم، يعرفهم أهلُ الجنة، هؤلاء عُتقاء الله الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عمِلوه، ولا خير قدَّمُوه، ثم يقول: ادخلوا الجنة، فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربَّنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين، فيقول:«لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربَّنا أيُّ شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رِضايَ، فلا أسخطُ عليكم بعده أبداً» .
قال مسلم: قرأت على عيسى بن حماد - زُغْبَة (2) - المصري هذا الحديث في الشفاعة، وقلتُ له: أحدِّث بهذا الحديث عنك، أنكَّ سمعتَهُ من الليث بن سعد؟ فقال: نعم.
وقال مسلم عن أبي سعيد: إنَّه قال: «قلنا: يا رسولَ الله، أنرى ربَّنا؟ قال: هل تضارُونَ في رؤية الشمس إذا كان يوم صحْو؟ قلنا: لا
…
» وساق الحديث، حتى انقضى إلى آخره، وزاد بعد قوله:«بغير عمل عملوه، ولا قَدَم قدَّموه» : «فقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه» . قال أبو سعيد: بلغني أن الجِسْرَ أدقُّ من الشعرة، وأحدُّ من السيف، وليس فيه «فيقولون: ربَّنا أعطيتنا ما لم تُعط أحداً من العالمين» وما بعده.
وفي رواية قال: «قلنا: يا رسولَ الله، هل نرى ربَّنا؟ قال: هل تضارُّون في رؤية الشمس إذا كانت صحْواً؟ قلنا: لا قال: فإنكم لا تضارُّون في رؤية ربكم يومئذ، إلا كما تضارُّون في رؤيتها؟
⦗ص: 451⦘
قال: ثم ينادي مُنادٍ: ليذهبْ كلُّ قوم إلى ما كانوا يعْبُدون، فيذهَبُ أصحابُ الصليب مع صليبهم، وأصحابُ الأوثان مع أوثانهم، وأصحابُ كلِّ آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله عز وجل من برٍّ وفاجر، وغُبَّرَاتٍ من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم تُعرَضُ كأنها السراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً ابنَ الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقِينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فُيقَال: اشربوا، فيتساقطون، حتى يبقى من كان يعبد الله من بَرٍّ وفاِجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليهم اليومَ، فإنا سمعنا مُنادياً ينادي: لِيَلْحَقْ كلُّ قوم ما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربَّنا، قال: فيأتيهم الجبّار في صورةٍ غيرِ صورته التي رَأَوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: أنت ربُّنا؟ فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقال: هل بينكم وبينه آية تعرفونها؟ فيقولون: نعم، الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كلُّ مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمُعة، فيذهب كيما يسجد، فيعود ظهره طبقاً واحداً، ثم يؤتى بالجسر، فيجعله بين ظهري جهنم، قلنا: يا رسولَ الله، وما الجسر؟
⦗ص: 452⦘
قال: مَدْحَضةٌ مَزِلَّة، عليها خطاطيفُ وكلاليبُ، وحَسَكةٌ مُفلْطَحة، لها شوكةٌ عقيفة تكون بنجد، يقال لها: السعدان، يمرُّ المؤمن عليها كالطَّرْف وكالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل والركاب، فناجٍ مُسَلَّم، وناجٍ مَخْدُوش، ومَكدُوسٌ في نار جهنم، حتى يمرَّ آخرُهم، يُسحَب سَحباً، فما أنتم بأشدَّ لي مناشدة في الحق قد تبين لكم مِنَ المؤمن يومئذ للجبار، فإذا رأوْا أنهم قد نَجوْا شَفَعوا في إخوانهم، يقولون: ربَّنا، إخوانُنا كانوا يُصلَّون معنا، ويصومون معَنا، ويعملون معنا، فيقول الله عز وجل: اذهَبُوا، فمن وجدْتُم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرّم الله صورهم على النار بذنوبهم، فبعضُهم قد غاب في النار إلى قدميه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرَّة من إيمان فأخرجوه، فيُخرِجون من عرَفُوا - قال أبو سعيد: فإن لم تصدَّقوني، فاقرؤوا {إن الله لا يظلم مثقال ذَرَّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفْها} [النساء: 40]- فيشفع النبيون، والملائكة، والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيتْ شفاعتي، فيقبض قبضة من النار، فيخرجُ أقواماً قد امتُحِشُوا، فيُلْقَوْن في نهر بأفواه الجنة، يقال له: ماءُ الحياة، فينبتون في حافَّتيه كما تنبت الحبَّة في حَميل السيل، قد رأيتموها إلى
⦗ص: 453⦘
جانب الصخرة، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر، وما كان إلى جانب الظل منها كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل في رقابهم الخواتيم، فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاءُ الرحمن، أدْخِلْهم الجنةَ بغير عمل عملوه، ولا خير قدَّموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه» أخرج الأولى مسلم، والثانية البخاري.
وفي رواية النسائي طَرَف منه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ما مُجَادَلة أحدِكم في الحق يكون له في الدنيا بأشدَّ مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أُدِخلوا النار، قال: فيقول: ربَّنا، إخوانُنا كانوا يصلُّون مَعنَا، ويصومون معنا، ويحجُّون معنا، فأدخلتَهم النار؟ قال: فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم، قال: فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى كعبيه، فيخرجونهم، فيقولون: ربَّنا قد أخرجنا من أمَرتنا، قال: ثم يقول: أخرِجوا مَنْ كان في قلبه وزن دينار من إيمان، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار، حتى يقول: مَنْ كان في قلبه [وزن] ذرَّة، قال أبو سعيد: فمن لم يصدِّق، فليقرأ هذه الآية {إنَّ الله لا يظلمُ مثقالَ ذَرَّةٍ وإن تَكُ حسنةً يُضَاعِفْها ويُؤتِ مِن لَدُنْه أجراً عظيماً} [النساء: 40] (3) .
⦗ص: 454⦘
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
(غُبّر) جمع غابر، وهو الباقي، وغُبّرات جمع الجمع.
(الحطم) : الكسر والدق، أي: ينكسر بعضها على بعض.
(اتقاء) فَعَلْت ذلك اتقاءً، أي: خوفاً.
(طبقة) الطبقة والطبق: الصحيفة الواحدة.
(دحض) الدَّحضُ: الزلق، وهو الماء والطين.
(مزلّة) : موضع الزلل، وأن لا يثبت القدم على شيء فيسقط صاحبها.
(خطاطيف) الخطاطيف كالكلاليب المعقَّفة المعوجة.
(كأجاويد الخيل) الجواد: الفرس الرائع للذكر والأنثى، والجمع جياد وأجاويد، وكأنَّ أجاويد جمع الجمع.
(مخدوش) المخدوش: المجروح، و «المكدوس» قال الحميدي: كذا وقع في الروايات: مكدوس، وقد سمعت بعضهم يقول: إنه تصحيف من الرواة، وإنما هو مُكَردَس، فإن صَحَّت الرواية في مكدوس، فلعله من الكدس، وهو المجتمع من الطعام، فكأن الإنسان تجمع يداه ورجلاه ويشدُّ، ويُلقَى
⦗ص: 455⦘
في النار، وهو بمعنى المكردس، وقد جاء في بعض نسخ مسلم «مكدوش» بالشين المعجمة، فإن صح، فهو من الكدش بمعنى الخدش، والكدش أيضاً: السوق الشديد، والكدس - بالسين المهملة - إسراع المثقل في السير، فيجوز أن يكون منه، كأنه مثقل بذنوبه، وله من يحثُّه على المشي، وذلك آكد في تعذيبه وتعبه.
(حمماً) جمع حممة، وهي الفحمة.
(مفلطحة) المفلطح: الذي فيه عرض.
(عقيفة) المعقَّف: الملويُّ مثل الصنَّارة، والتعقيف: التعويج.
(مناشدة) المناشدة: المسألة.
(1) في نسخ مسلم المطبوعة: في استقصاء.
(2)
في الأصول المخطوطة: ابن زغبة، والتصحيح نسخ مسلم المطبوعة، وكتب الرجال، و " زغبة " لقب له.
(3)
رواه البخاري 13 / 358 - 360 في التوحيد، باب {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة}
⦗ص: 454⦘
وفي تفسير سورة النساء، باب {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} ، وفي تفسير سورة {ن والقلم} ، ومسلم رقم (183) في الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، والنسائي 8 / 112 و 113 في الإيمان، باب زيادة الإيمان.
[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح:
1 -
أخرجه أحمد (3/16) قال: حدثنا ربعي بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق.
2 -
وأخرجه أحمد (3/94) . وابن ماجة (60) قال: حدثنا محمد بن يحيى. والترمذي (2598) قال: حدثنا سلمة بن شبيب. والنسائي (8/112) قال: أخبرنا محمد بن رافع.
أربعتهم - أحمد، وابن يحيى، وسلمة، وابن رافع - قالوا: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر.
3 -
وأخرجه البخاري (6/56) قال: حدثني محمد بن عبد العزيز. ومسلم (1/114) قال: حدثني سويد بن سعد. كلاهما 0 محمد، وسويد - عن أبي عمر حفص بن ميسرة.
4 -
وأخرجه البخاري (6/198) قال: حدثنا آدم. وفي (9/158) قال: حدثنا يحيى بن بكير. ومسلم (1/117) قال: قرأت على عيسى بن حماد.
ثلاثتهم - آدم، وابن بكير، وعيسى - عن الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال.
5 -
وأخرجه مسلم (1/117) قال: حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: حدثنا هشام بن سعد.
خمستهم - عبد الرحمن، ومعمر، وحفص، وسعيد، وهشام - عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، فذكره.
(*) رواية معمر، وآدم مختصرة.