الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: "فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم": أي: "بالمرأة"، ظاهره يقتضي أنّ أنيسًا لم يتقدّم للرّجم حتى راجَع النبي صلى الله عليه وسلم وذَكَر له ما قالت، يدلّ عليه:"فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم"، والمراد:"فأمر برجمها فرُجمت".
الحديث الثالث:
[346]
: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْد اللَّه بْن عُتبَة بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجهَنِيِّ رضي الله عنهما، قَالا: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ؟ قَالَ: "إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ".
قالَ ابنُ شِهابٍ: ولا أَدري، أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعةِ (1).
و"الضّفير": "الحبلُ".
قوله: "قالا": قد تقدم مثله في الحديث قبله من تطويل السّند بـ "عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود"، ولا يجيء هنا العُذر الذي تقدّم في الحديث قبله، وتظهر لذلك فائدة أخرى، وهي المقصود واللَّه أعلم، أنّ عبيد اللَّه هذا فيما ذكر ابن الأثير ولَد أخي عبد اللَّه بن مسعود وأحَد الفُقهاء السّبعة، وأحد أعلام التابعين لقي خلقًا كثيرًا من الصحابة، وهو في الطبقة الأولى من التابعين (2)؛ فذكره الشّيخ لما علم منه ليتمكّن الحديث في إسناده، ويتقوّى الاستدلال به.
قوله: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم": الفعل مبني لما لم يسم فاعله، وتقدم أن "سأل" يتعدّى بـ "عن"، وأنه [تعلق](3) بهمزة الاستفهام، كقوله تعالى: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ
(1) رواه البخاري في العتق، (6837)، (6838) في الحدود، ومسلم (1703)(1704) في الحدود.
(2)
انظر: جامع الأصول (12/ 689).
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
زَعِيمٌ} (1). وتقدّم الكلام عليها في الحديث الثاني عشر من "باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم".
و"إذا زنت" تقدّم الكلام على "إذا"، وجوا بها يؤخَذ من جواب السائل؛ لأنّ التقدير:"سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة ماذا -أو ما- يجب عليها؟ "، فهذا الاستفهام هو المعلّق لـ "سأل". وجوا به:"فاجلدوها"؛ لأنّ السّائل بـ "إذا" يتوقّف جواب "إذا" في كلامه على جواب المسئول، فكأنه قال:"إذا زنت تحد أم لا؟ ".
قوله: "ولم تحصن": في محلّ الحال من فاعل "زنت". وصحبت "لم" الواو على المختار عندهم، وقد جاءت بلا "واو" في قوله تعالى:{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} (2)، وقد تقدّم ذلك في الحديث الثالث من "باب المذي".
وتقييد حَدّها بـ "الإحصان" ليس بقيد، وإنما هي حكاية حال -والمراد بالإحصان: ما هي عليه من عِفّة أو حُريّة؛ لأنّ الإحصان بالتزويج (3) - لأنّ حَدّها الجلد، سواء تزوّجت أم لا.
قوله: "فقال": أي: "النبي صلى الله عليه وسلم": "إن زنت فاجلدوها" كرّر ذلك ثلاثًا أو أربعًا. وانظر كيف وقع السؤال بـ "إذا" وجوا به صلى الله عليه وسلم بـ "إن"، وإنما ذلك؛ لأنه تقدّم منها الزّنا وتكرّر؛ فهُم على ترقّب مِن تكرّر زِناها، وأمّا النبي صلى الله عليه وسلم فبنى على أنها قد لا تعُود وتنكف؛ فإن وقع منها جُلدت، وكذلك إن تكرّر منها.
و"الفاء" في الجواب معناها السببية.
قوله: "ثم بيعوها": أتى بـ "ثم"؛ لأنّ الترتيب مطلوبٌ لمن يريد التمسّك بأَمَته
(1) انظر: البحر المحيط (2/ 349).
(2)
انظر: البحر المحيط (2/ 635).
(3)
انظر: إرشاد الساري (10/ 28).
الزّانية، وأمّا من يريد بيعها من أوّل مرة فله ذلك، لكن لا يحكم بثبوت العَيب فيها إلّا بتكرّره منها؛ إذ قد ترجع بعد أوّل فِعْلَة.
قوله: "ولو بضفير": "لو" هنا شرطية بمعنى "إن"، أي:"وإن كان بضفير"؛ فيتعلق "بضفير" بخبر "كان" المقدّرة. وتحذف "كان" بعد "لو" هذه كثيرًا. ويجوز أن يكون التقدير: "ولو تبيعونها بضفير"؛ فيتعلّق حرف الجر بالفعل. ومثل ذلك قولهم: "ائتني بتمر ولو حشفًا"(1)، وتقدّم ذلك في الثاني من "باب الصداق".
و"الضّفير": "فعيل" بمعنى "مفعول"، وهو:"الحبل المضفور". (2)
قوله: "قال ابن شهاب: لا أدري أبعد الثالثة": "الهمزة" في "أبعد" تسمّى "همزة" التسوية، وتجيء بعد "لا أدري" و"سواء على أقمت أم قعدت"، و"ليت شعري" و"لا أبالي"(3). وتقدّم ذكرها في الأوّل من "باب المرور".
قالوا: وأصلها الاستفهام، لكن لمّا كان المستفهم يَستوي عنده الوجُود والعَدم، وكذا المستفهم، سُمّيت بذلك.
(1) انظر: البحر المحيط (4/ 95).
(2)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 239).
(3)
انظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 31)، والجنى الداني (ص 32) وهمع الهوامع (3/ 197) وجامع الدروس العربية (2/ 246).