الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الحديث الرّابع]
(1):
[358]
: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عليه السلام: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقِيلَ لَهُ: قُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، فَطَافَ بِهِنَّ، فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، نِصْفَ إنْسَانٍ". قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ"(2).
قوله: "عن أبي هريرة": أي: "روي عن أبي هريرة أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم". وتقدّم له نظائر، فلينظر في مواضعها.
وفاعل "قال": ضمير "النبي صلى الله عليه وسلم". و"قال" الثانية فاعلها: "سليمان".
و"سليمان": لا ينصرف؛ للعلمية وزيادة الألف والنون، وفيه العجمة. وكذلك "داود"، فيه العُجمة والعَلمية. (3)
و"عليهما السلام" مبتدأ. والخبر مُقدّم ليفيد تخصيصًا وحصرًا. ومثله ما رُوي أنّ رجُلا سَبّ آخر فأعرَض عنه المسبوب، فقال السّاب:"إياك أعني"، فقال له الآخر:"وعنك أعرض". (4)
قوله: "لأطوفن": جوابُ قسَم محذوف، أي:"واللَّه لأطوفن". ويؤيد هذا التقدير: قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: "لو قال إن شاء اللَّه لم يحنث، وكان دركًا لحاجته". ويُروى: "لَأطِيفَنّ"(5)، وهما لُغتان فصيحتان، "طاف بالشيء" و"أطاف به"(6).
(1) بياض بالأصل، وسوف يتغير على أساسه ترقيم الثلاثة أحاديث التالية.
(2)
رواه البخاري (3424) في أحاديث الأنبياء، ومسلم (1654) في الأيمان.
(3)
انظر: البحر المحيط (1/ 511)، (2/ 580)، المنهاج المختصر (ص 35).
(4)
انظر: البحر المحيط (1/ 42).
(5)
صحيح مسلم (1654/ 24).
(6)
انظر: رياض الأفهام (5/ 292)، الإعلام لابن الملقن (9/ 264)، مطالع الأنوار =
و"الليلة": نصب على الظّرف.
قوله: "على سبعين امرأة": "امرأة" تمييز. و"سبعين" محمولٌ على جمع المذكر السالم؛ فرفعه بـ "الواو"، ونصبه وجرّه بـ "الياء". (1)
وقد عُومل مُعامَلة المفرَد، فجُرّ بالكَسر (2) في نحو قوله:
وَمَاذَا تَبْتَغِي الشُّعَرَاءُ مِنِّي
…
وَقَدْ جَاوزتُ حَدَّ الأرْبَعِينِ (3)
كما فتحت "نون" التثنية في نحو قوله:
عَلى أَحْوذِيَّيْنَ استَقَلَّتْ عشية
…
فَما هيَ إِلا لمحةٌ وتَغِيبُ (4)
بفتح "نون" التثنية (5).
قوله: "تلد كُلّ امرأة منهن غُلامًا": يحتمل أن يكون التقدير: "فتلد كل واحدة
= (3/ 285)، مجمع بحار الأنوار (3/ 467)، المصباح المنير (2/ 380).
(1)
انظر: غريب الحديث للخطابي (3/ 30)، الكتاب (3/ 232)، شرح المفصل (3/ 229)، سر صناعة الإعراب (2/ 269)، شرح ابن عقيل (1/ 63)، شرح التسهيل (1/ 81)، همع الهوامع (1/ 193)، تداخل الأصول اللغوية وأثره في بناء المعجم (1/ 269)، النحو الوافي (4/ 522، 523)، جامع الدروس العربية (3/ 117).
(2)
انظر: شرح التصريح (1/ 76، 77، 80)، أوضح المسالك (1/ 76 وما بعدها)، شرح ابن عقيل (1/ 67 وما بعدها).
(3)
البيت من الوا فر، وهو لسحيم بن وثيل. انظر: شرح التصريح على التوضيح (1/ 76)، شرح الأشموني (1/ 65)، المعجم المفصل (8/ 261).
(4)
البيت من الطويل، وهو لحميد بن ثور. انظر: شرح التسهيل (1/ 61 وما بعدها)، شرح التصريح (1/ 78)، اللمحة (1/ 190)، المعجم المفصل (1/ 337).
(5)
انظر: شرح التسهيل (1/ 61 وما بعدها)، سر صناعة الإعراب (2/ 151)، شرح التصريح (1/ 78)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 82 وما بعدها)، شرح ابن عقيل (1/ 69)، شرح الأشموني (1/ 68).
منهن"، ثم حذفها.
وقد حذفت "الواو" العاطفة في قول عمر: "لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَهُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَر"(1) بالجر، وفي بعض النسَخ:"والصّوَر". (2) وكما حُذفت من قوله:
مَنْ يَفْعَلِ الحسناتِ اللَّهُ يَشْكُرُها
…
. . . . . . . . . . . . . . (3)
أي: "فاللَّه يشكرها". (4)
وأنكر ابن مالك على مَن قال: ذلك مخصوصٌ بالشِّعر. (5) وتقدّم ذلك في الثاني من "الوصايا" مُستوفى.
ويحتمل أن يكون هنا محذوف يدلّ عليه المعنى، أي: "أطوف على سبعين
(1) رواه البخاري (1/ ص 94) معلقًا عن عمر.
(2)
انظر: شواهد التوضيح (ص 252، 254)، نيل الأوطار (2/ 169).
(3)
صدر بيت من البسيط، وهو للحطيئة، وعجزه:"لا يَذْهَبُ العُرفُ عند اللَّه والناس". ورواه البعض: "من يفعلِ الخير فالرحمن يشكره".
وهناك بيت آخر من البسيط أيضًا، وهو لكعب بن مالك، أو لعبد الرحمن بن حسان، أو لحسان بن ثابت، وهوة "مَنْ يَفْعَل الحَسَناتِ اللَّه يَشْكُرُها. . . والشَّرُّ بالشَّرَّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلانِ". ويروى فيه:"وَالشَّرُّ بالشَّرَّ عِنْدَ اللَّهِ سِيَّانِ".
انظر: الكتاب (3/ 64، 65)، أمالي ابن الشجري (2/ 144)، سر صناعة الإعراب (1/ 275)، المعجم المفصل (4/ 73)، (8/ 182، 207).
(4)
انظر: شواهد التوضيح (ص 193)، إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث (ص 55)، سر صناعة الإعراب (1/ 275)، شرح التسهيل (4/ 76)، خزانة الأدب (9/ 49)، أمالي ابن الشجري (1/ 124)، مغني اللبيب (ص 80)، الهمع (2/ 555 وما بعدها).
(5)
انظر: البحر المحيط (9/ 45)، علل النحو (ص 440)، شرح التصريح (2/ 406)، الهمع للسيوطي (2/ 555 وما بعدها).
امرأة، فتحْمِل؛ تَلِد. . . "؛ فتكُون "تلد" بدَلًا من "تحمل" المقدّر.
ويحتمل أن تكون "تلد" جملة في محلّ الحال من "امرأة"، وتكون حالًا مقدّرة، مثل قوله تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27](1).
ويجوز الحَال عند سيبويه (2) من النكرة بغير شَرط. وقد تخصّصت بالعَدَد الذي ميزته أو بصفة مُقدّرة، أي:"من نسائي" أو "منهن"، وهذا كثير شائع (3).
ولك أن تجعل "تلد" في محلّ صفة لـ "امرأة"، بمعنى ما يصير إليه في ظنه، وقد يوصَف الشيء بمعنى ما يقع له ويَؤول أمره إليه.
ومتى جعلتها صفة جاز أن تكون لـ "سبعين" أو لـ "امرأة"، ويختلف المعنى، كما تقدّم في قوله تعالى:{سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 43] بالجر، و"سمانا" بالنصب؛ فيلزم من وصف البقرات بـ "السمان" وصف "السبع" به، ولا يلزم من وصف "السبع" به وصف "البقرات". (4)
وفرق بين ["ثلاثُ رجال كرام" و](5)"ثلاثةُ رجال كرام" برفعهما، يقدّر الأوّل:"ثلاثة من الرجال الكرام"؛ فيلزم وصف الثلاثة بالكرم. وعلى الثاني يكون التقدير: "ثلاثة كرام من الرّجال"؛ فلا يلزم منه وصف الرّجال بالكَرَم (6).
(1) انظر: مغني اللبيب (ص 606)، شرح الأشموني (2/ 45).
(2)
انظر: شرح التسهيل (2/ 333)، شرح الكافية الشافية (2/ 740)، شرح ابن عقيل (2/ 263)، الهمع (2/ 304).
(3)
انظر: البحر المحيط (6/ 280)، الهمع (2/ 304)، النحو الوافي (2/ 403).
(4)
انظر: البحر المحيط (6/ 280).
(5)
سقط من النسخ. والمثبت من المصدر.
(6)
انظر: البحر المحيط (6/ 280).
ويحتمل أن تقدّر هنا "إذا"، وتكون "تلد" جوابها، أي "إذا طفت تلد"، كما قيل في قوله تعالى:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ} [الماعون: 1، 2]، أي:"إذا رأيته فذلك". (1)
و"غلامًا": مفعول "تلد". و"منهن": يتعلّق بصفة لـ "امرأة".
وجملة "يقاتل في سبيل اللَّه": في محلّ صفة لـ "غلامًا".
قوله: "فقيل له: قُل: إن شاء اللَّه": "قيل" تقدّم في الحديث الخامس من "العرايا". والمجرور قائم مقام المفعول الذي لم يُسمّ فاعله
أو يكون المفعول الجملة، على قوله:"بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ: زَعَمُوا"(2)(3).
وجاء في الحديث أنّ الذي قال له: "قُل. . . ": "الملَك"(4).
و"إن شاء اللَّه" شرط جوابه محذوف، أي:"فعل" أو "قدّر".
قوله: "فلم يقُل": مفعوله محذوف، أي:"فلم يقل ذلك"؛ لأنه تعدّى إلى المقول.
قوله: "فطاف بهن، فلم تلد": جمل معطوفات على ما قبلها، والضمائر تعود على "السبعين" المتقدّم ذكرها. و"من" للتبعيض، وتتعلّق بـ "تلد".
قوله: "إلا امرأة واحدة": فاعل "تلد"، والاستثناء مُفرغ. و"واحدة" صفة مؤكدة.
قوله: "نصف إنسان": منصوب بفعل مُقدّر، أي:"ولدت نصف إنسان".
ولا يجوز فيه الرفع على أنه بَدَل؛ لأنه لا يحلّ محلّه.
(1) راجع: تفسير الزمخشري (4/ 804).
(2)
صحيح: سنن أبي داود (4972)، من حديث حذيفة أو أبي مسعود، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (866).
(3)
راجع: مغني اللبيب (ص 525، 559)، الهمع (1/ 29).
(4)
متفقٌ عليه: صحيح البخاري (6720)، ومسلم (1654/ 23).