الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و"خُذي": أمرٌ لها، وعلامة بنائه حذف "النون"، و"من ماله" يتعلق به، و"بالمعروف" يتعلق به أيضا، ويجوز أن يتعلق بحال، أي:"خذي من ماله آكلةً بالمعروف"، أو:"متلبسةً بالمعروف"، فتكون "الباء" باء الحال.
قوله: "ما يكفيكِ": "ما" موصولة بمعنى "الذي"، و"يكفيكِ" صلتُه، والعائد ضمير الفاعل.
الحديث الثّالث:
[369]
: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ:"أَلا إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّمَا يَأْتِينِي الْخْصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ. فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمِ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ نَارِ، فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا"(1).
قوله: "سمع جلبة": فاعل "سمع" ضمير "النبي صلى الله عليه وسلم"، وتقدم "سمع" في أول حديث من الكتاب، وهي هنا متعلقة بالأصوات، فتتعدى إلى واحد، وهو:"جلبة".
و"بباب حجرته" يتعلق بصفة لـ "خصم"، أو بصفة لـ "جلبة".
فإن كانت صفة لـ "جلبة" قدَّرْتَ: "كائنةً بباب حجرته"، وإن كانت صفة لـ "خصم" قدّرتَ:"كائنين بباب حجرته".
و"الجَلَبَةُ" بفتح "اللام": "رفْعُ الصوتِ"، يقال منه:"جَلَّبوا" بالتشديد (2).
و"الخَصْمُ" يستوي فيه الواحد والاثنان، قال الجوهري: ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول: "خَصْمَانِ" و"خُصُوم"(3).
(1) رواه البخاري (2680) في الشهادات، ومسلم (1713)(5) في الأقضية.
(2)
انظر: الصحاح (1/ 101)، لسان العرب (1/ 269).
(3)
انظر: الصحاح (5/ 1912).
و"الحجرة": بضم "الحاء" وسكون "الجيم"، أصله:["حظيرة](1) الإبل"، ومنه: "حجرة الدار". تقول: "احتجرتُ حجرة"، أي: "اتخذتها"، والجمع: "حُجَرٌ" و"حُجُرات"، مثل: "غُرْفَة" و"غُرُفات" (2).
و"البَشَر": "الإنسان"، سُمِّيَ بذلك لظهور بشرته دون ما عداه من الحيوان (3).
و"باب" تقدم في "باب الاستطابة".
قوله: "فخرج" معطوف على "سمع".
قوله: "فقال": أي: "النبي صلى الله عليه وسلم".
"ألا إنما أنا بَشَرٌ": "ألا" هنا استفتاحية، يقال لها: استفتاح وتنبيه، قالوا: لا تكاد الجملة بعدها تُفتح إلا مُصَدَّرةً بنحو ما يُتلقى به القسم، نحو:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} [يونس: 62](4)، وهي هنا كذلك.
قوله: "خصم": تقدم، وهو هنا مضاف إليه، والمراد به الجنس.
قوله: "وإنما أنا بشر": ليست "إنما" هنا للحصر التام، بل لحصر بعض الصفات في الموصوف، كقوله تعالى:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: 7]، {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} [هود: 12]، وهذا الكلام توطئة لما يأتي بعده؛ لأنه معلوم أنه صلى الله عليه وسلم بشر.
قال الشيخ تقي الدين: معناه حصره بالبشرية بالنسبة إلى الاطلاع على بواطن
(1) بالنسخ: "حضيرة". والمثبت من المصدر.
(2)
انظر: الصحاح (2/ 623).
(3)
انظر: تهذيب اللغة (3/ 27).
(4)
انظر: الجنى الداني (ص/ 95)، والكشاف للزمخشري (1/ 62)، البحر المحيط لأبي حيان (1/ 101).
الخصوم، لا بالنسبة إلى كل شيء، فإن للرسول عليه السلام أوصافًا أخرى كثيرة (1).
قوله: "وإنما يأتيني الخصم": "إنما" هنا للحصر التام، ولكن يحتاج إلى مقدر يتم به معناه، ويكون التقدير:"وإنما يأتيني الخصم لأقضي له بالحق"، ويبين هذا الحذف قوله:"ولعلَّ بعضكم أن يكون أبلغَ من بعض"، ويُروَى:"ولعلَّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض"(2)، والمعنى واحد.
و"لعلَّ" من أخوات "إن"، وتقدم الكلام عليها في الحديث السادس من "الاستطابة"، وفي أول حديث من "العدة"، وفي الثاني من "الوصايا"، و"بعضكم" هنا اسمها، و"أن يكون" في محل خبرها.
فإن قلت: كيف يكون خبر "لعل": "أنْ" المصدرية، والمصدر لا يكون خبرا عن الجُثَّة؟
فالجواب: أنَّ "أنْ" وصلتُها في حكم جملة؛ لاشتمالها على مسند ومسند إليه، ولذلك سدَّتْ مسدَّ مطلوبَيْ "حَسِبَ" و"عَسَى" في نحو قوله تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} [البقرة: 214]، وقوله:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} [البقرة: 216].
قال ابنُ مالك: ويجوز أن تكون "أنْ" زائدة في قول الأخفش أنها تكون زائدة، وإن كانت ناصبة، ونظَّرَها بزيادة "الباء" و"مِن" مع عملهما الجرَّ (3).
ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الجريدتين: "لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا"(4).
وتقدّم الكلام على "بعض" قريبًا.
(1) انظر: إحكام الأحكام (1/ 60).
(2)
متفق عليه: رواه البخاري (2680)، ومسلم (4/ 1713).
(3)
انظر: شواهد التوضيح (ص 207).
(4)
متفق عليه: رواه البخاري (216)، ومسلم (292/ 111).
و"من" لبيان الجنس.
قوله: "فاحسب أنه صادق": "حَسِب" من الأفعال المتعدية لمفعولين، يجوز في سِينِهِ الفتح والكسر (1)، وسدَّتْ "أنَّ" المفتوحة مسد المفعولين، أو تسدُّ مسدَّ واحد، والآخر محذوف، و"صادق" خبر "أنَّ".
قوله: "فأقضي": معطوف على "أحسب"، و"له" يتعلق بـ "أقضي" والمعنى:"فأقضي لسبب بلاغته".
[قوله](2): "فمن قضيت له": "مَن" الشرطية تقدمت قريبا، وجوابها قوله:"فأيما"، و"مسلم" صفة لموصوف محذوف، وإنما ذَكَر "المسلم" ليكون أهول على المحكوم له، لأن وعيد الظالم معلوم عند كل أحد، فذكر الوصف بالإسلام تنبيها على أنه في حقه أشد.
قوله: "فأيما": تقدمت قريبا.
قوله: "هي" مبتدأ، و"قطعة" خبره، وهذا من المبالغة في التشبيه، جعل ما يتناوله المحكوم له بحكمه صلى الله عليه وسلم قطعة من النار.
قوله: "فليحملها": "اللام" لام الأمر، وهو أمر تهديد.
و"يذرها": أمر من "وَذَرَ". وتقدم الكلام على "وَذَرَ" في الثاني من "الوصايا"، وهو مما أُمِيتَ ماضيه، استغنوا عنه بـ "ترك"، وكذلك "يدع"(3).
قال الجوهري: وأصله: "وذِرَهُ"، "يَذَرُهُ". (4) وفَتَح "الذال" من "يذَر" حملا
(1) يحوز هذا في سين مضارعه، وليس في سين الماضي منه. انظر: الصبان (2/ 29).
(2)
بياض بالأصل، والمثبت من (ب).
(3)
انظر: رياض الأفهام (5/ 360).
(4)
انظر: الصحاح (2/ 845).